أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من أحلام الثورة.. ميخائيل سعد

لم يمض وقت طويل بعد هزيمة السوريين عام 82 من قبل حافظ الأسد، التي توجها بمذبحته الشهيرة في حماه، حتى هُزمت الأمة العربية مع سقوط أول عاصمة عربية تحت أقدام جحافل الإسرائيليين عام 82 أيضا. 

كنت آنذاك أعيش وأعمل في بيروت، ولم يعد عندي خيار إلا العودة نحو الشرق إلى سوريا. فالهجرة إلى الغرب، رغم سهولتها، لم تكن واردة أصلا، لأن الرحيل من سوريا إلى بيروت، رغم وجود المقاومة الفلسطينية كان تهمة، فكيف بالرحيل إلى الغرب.!

مع بداية عام 83 كنت قد أصبحت تاجر كتب في حمص، وأصبحت أزاحم "الوجهاء المحليين"؛ وهم من التجار ورجال الدين ورجال الأمن، على مكان أحتله في المجتمع، ولما كان محتمع المدينة مغلقا نسبيا في وجهي، فقد وجدت رقعة صغيرة في أوساط المسيحيين الريفيين الذين استوطنوا المدينة، وكان ذلك يرضيني مؤقتا، على أمل توسيع تلك الرقعة مستقبلا وتعميقها.

أحد أيام صيف ذلك العام، وكانت "الناس" ما تزال مرعوبة من ذكر المذبحة الحموية، ولكن السعيدة أيضا لأنها حدثت بعيدا عن رقابهم، في مدينة أخرى، حتى لو لم تكن تبعد أكثر من خمسين كيلو مترا عن حمص، جاء لزيارتي أحد الأصدقاء الحمويين القدماء طالبا العون مني، وكانت دروب السياسة قد جعلت طرقنا تتقاطع أكثر من مرة، رغم أنه أصغر مني عمرا. بعد الترحيب به والقيام بواجب الضيافة على "عادة العرب"، سألته عن غرضه، فقال: أثناء دراستي الجامعية تعرفت على فتاة سرعان ما أحببتها وبادلتني الحب، ثم عرفتُ أنها مسيحية وعرفَتْ أني مسلم، وعرفنا معا نوع المصاعب التي ستواجهنا قبل الوصول، ونحن أحياء، إلى الزواج في حال أنه حصل. في لقاءاتنا المتباعدة الآن، بسبب سكني في حلب، قالت لي إنها لم تستطع أن تقنع أحدا من أهلها بحبها، بل على العكس، كان التهديد بالموت سيد الموقف، واقترحتْ أن نتزوج "خطيفة"، فرفضتُ فكرتها، شارحا لها إنني أرفض أن أقوم بعمل يسيء إلى سمعة أهلها بين الناس، أو يسيء إليها، وإن علينا البحث دائما عن حل سلمي يرضي الجميع ويحقق حلمنا بالزواج. وفي أثناء الحديث قالت لي إن صديقا لوالدها اسمه ميخائيل سعد قد يستطيع المساهمة في إقناع أبيها وإخوتها بفكرة الزواج. كدت لا أصدق أنني سمعت اسمك، وخطر على بالي فورا وجود شخص آخر يحمل الاسم نفسه، وعندما دققت بالأمر تأكد لي أنك الشخص المعني، وأنا الآن هنا، أطلب مساعدتك في هذا الأمر. ومن الأول، أنا أعرف مدى الإحراج الاجتماعي الذي قد تتعرض له جراء تدخلك، لذلك لن ألومك أبدا إذا اعتذرت، ورفضت التدخل بالأمر.

زدتُ من معدل زياراتي إلى صديقي، والد الفتاة، الذي تربطني به نوع من القرابة البعيدة. وكان نمط تفكيره يشبه إلى حد ما أغلب أبناء جيله، فهو بعمر أخي الكبير، ولكن ما يميزه هو إنسانيته الشديدة وحبه لأولاده، ونقده الخجول لنظام الأسد وممارساته الطائفية المبكرة، فالمشكلة برأيه دائما بمن "حول الرئيس". فقد جرى نقله من الجيش إلى مؤسسة مدنية، لأنه لم يعد مرحبا به في موقعه نتيجة تشدده في تطبيق القوانين، ومراقبة وتسجيل كل قطعة تدخل إلى اللواء أو تخرج منه، فكان لا بد من التخلص من مراقبته، وكان ذلك. لم يكن يشكو من أبناء الأديان الأخرى، ولكنه كان حذرا في تعاملاته معهم، يقف في حواراته معهم قبل الوصول إلى الحدود المسموح بها، لأنه لم يكن يريد أي نوع من الصدام مع أحد. سألته مرة عن موقفه من الزواج من أبناء وبنات الأديان الأخرى، فردّ، وكأنه عرف قصدي، وقال: المشكلة ليست عندي ولا عندك ولا عند الآخر المختلف دينيا، المشكلة في التشريع والمجتمع الذي يحكم جميع أبناء الأديان. لا أحبذ ذلك لأنني لا أستطيع مواجهة العزلة التي يفرضها المجتمع على الأسرة التي تقبل الزواج المختلط وخاصة في أوساط المسيحيين.

في جلسة أخرى مع الصديق -القريب فتحت موضوع ابنته التي تحب صديقا لي ولكنه مسلم الدين، وضرورة أن يصل معهما إلى حل ما، قبل حدوث ما يزعج أكثر من قضية الزواج. 

نقلت له الموقف الأخلاقي للرجل الذي رفض عرض ابنته بأن تذهب "خطيفة" معه، وكنت قد مدحت الرجل، عارضا صفاته العامة التي تتمناها أي أسرة في صهرها العتيد. وبعد نقاشات عديدة، قال الأب: أنا لا مانع عندي بشرط أن "يتعمّد" الشاب، وأن يجري الزواج في الكنسية، بحيث يراه الناس، فأكف بلاهم وألسنتهم عني. وبذلك أيضا أمنع أولادي الذكور الثلاث الذين يهددون أختهم بالقتل إذا تزوجت هذا المسلم، من ارتكاب جريمتهم. قلت له: إنك بطلباتك هذه تدفع الشاب إلى الكذب عليك وعلى نفسه، وتجعله يؤسس علاقته معكم على الغش، ومن أجل ماذا؟ من أجل الناس وكلام الناس. أنا أرى أن واجبك يا صديقي أن تحافظ على ابنتك وحقوقها، وذلك بتزويجها في المحكمة الشرعية، فتضمن بذلك حقوقها المالية من مقدم ومؤخر، بالإضافة إلى جعل أبواب بيتك مفتوحة دائما أمامها، فتشعر دائما بالقوة المستمدة من بيت أبيها، وأنها ليست وحيدة في مواجهة عالمها الجديد. أما بالنسبة لإخوتها فأقترح عليك مناقشهم بالأمر، ودفعهم للمقارنة بين المساهمة بسعادة أختهم التي يحبونها جدا أو بين قتلها وذهابها إلى القبر، وذهابهم هم إلى السجن.

حصل الأمر، وتم الزواج في المحكمة الشرعية، وتم التقاط صور عرس في إحدى الكنائس تظهر العروسين وبعض الحضور، وكان الصهر الجديد أفضل من الأبناء في علاقته مع أهل زوجته؛ في العناية بهم وتلبية متطلبات حاجاتهم اليومية.

رزق الزوجان بولد جميل مثلهما، وكان شابا عندما قامت الثورة، فشارك بها دون تردد، لأنه كان يحب فتاة مسيحية من أصدقاء عائلة أمه، ولا يعرف أين وكيف سيتزوجها، فحلم أن تحقق الثورة أمله في الزواج المدني، وكان يسكن مع أهله في حي محايد من أحياء حلب، مختلط بسكانه، وعندما انتشر السلاح، كانت أولى رصاصته من نصيب قلب الشاب، فمات وماتت معه أحلام الزواج السعيد، ولكن الثورة استمرت، ورأيت بأم عيني، كيف أن زواجا مدنيا قد تم في اسطمبول بين عاشقين من دينين مختلفين.

(142)    هل أعجبتك المقالة (129)

سوري

2015-05-14

بعد التحية أ . ميخائيل : من وحي مقالك أرجو أن تجيب على هذا السؤال : هل تعتقد أن الإسلام هو دين عنصري - على الأقل فيما يتعلق بمسألة الزواج - فالمسلم كما تعلم يستطيع الزواج بمسيحية أما العكس فهو من المحرمات ؟!.


سوري

2015-05-16

أ. ميخائيل : كان من الأفضل لو أنك لم تجب على أن تعطي إجابة معروفة لي و للجميع . أكرر سؤالي : هل تعتقد أن الإسلام دين عنصري فيما يتعلق بالزواج من بقية الأديان ؟ أرجو أن تكون إجابتك شجاعة بقدر شجاعتك في انتقاد النظام ..


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي