هل يبصر البيان الوزاري النور اليوم، أم أن الأمور متجهة نحو استشارات نيابية جديدة ودورة أخرى من التكليف والتأليف ولجنة صياغة ثانية؟
السؤل فرضه جَوّان متعارضان من السرايا الحكومية وعين التينة، حيث أعلن من الأولى، وزير الإعلام طارق متري مساء أمس أن لجنة صياغة البيان حققت في اجتماعها الثالث عشر «تقدماً كبيراً وكبيراً جداً في عملها»، وأن اجتماعها اليوم هو الأخير ترفع بعده مسودة البيان «حسب الأصول إلى مجلس الوزراء، وعندها ينعقد المجلس ويناقش البيان ويقره إن شاء الله في الوقت المناسب وفي أقرب وقت ممكن». لكنه، بعدما أكد الاتفاق «على مجمل البيان، بكل بنوده»، قال إن بعض أعضاء اللجنة لديهم تحفظات «على بعض العبارات، لا الفقرات، واتفقنا على أن نأخذ بعض الوقت حتى الغد لنرفع هذه التحفظات ونتفق على صيغة أخيرة، وعلى كل العبارات الواردة في البيان». ورأى أن التحفظات «قابلة للتذليل»، معللاً عدم الانتهاء أمس بأن الاجتماع يحمل الرقم 13 و«بعض الناس يتشاءم من هذا الرقم».
وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن عضو اللجنة الوزير محمد فنيش كان قد غادر الاجتماع بعد عشر دقائق من بدايته، وبعدما عقد خلوة سريعة مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ثم عاد وانضم إلى المجتمعين بعد نحو ثلثي الساعة، وأعلن لدى عودته أنه خرج لإجراء بعض المشاورات.
■ مفاجأة السنيورة بعد موافقة الحريري
لكن جو عين التينة أوحى أن التحفظ «على بعض العبارات» أكبر من الاتفاق «على مجمل البنود»، مشيراً إلى نوع من الانقلاب على صيغة توافقية ترضي الجميع. إذ كشف رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ«الأخبار» أن الأمور كانت تتجه نحو إقرار البيان، وخصوصاً مع اعتماد الصيغة التي سبق «أن كتبتها وقدمتها للنائب سعد الحريري سابقاً، وهي الصيغة التي وافق عليها، ولم يبد رفضاً لها، والتي تتضمن تأكيداً على حق الشعب اللبناني في المقاومة»، وبينما كان كل شيء يتجه نحو الاتفاق فجأة «طلع الرئيس فؤاد السنيورة علينا بفركوشة» عبر إضافته جملة في مشروع البيان، تفيد عملياً بتقييد المقاومة وتعطيلها. وهو ما رفضه الرئيس بري، وحزب الله عبر ممثله في لجنة الصياغة الوزير فنيش.
وقال بري إنه لا أحد يعلم أسباب هذا التعطيل، «وأنا لا أحب إلقاء الاتهامات يمنة ويسرة أو توصيف الناس»، من دون أن ينفي احتمال أن يكون لدى السنيورة تعهد ما يجعله يعوق الاتفاقات ويؤخر بت مسودة البيان.
وشدد بري على أن الخسارة تقع على الجميع في تأخير إقرار البيان وبدء الحكومة عملها، وأن البلاد تخسر على المستوى الاقتصادي والسياحي الكثير، لافتاً إلى «أن العديد من الإخوة العرب ينتظرون انتهاء المطبات الهوائية للحكومة للقدوم إلى البلاد»، وأنه لا أحد يستفيد من تأجيل البيان وتأخيره. وأكد أن الجو العلني، كما الضمني، للنائب وليد جنبلاط هو مع إنهاء البيان الوزاري وتسهيل إصداره.
وإذ لفت بري الذي كان يتحدث خلال اجتماع اللجنة، إلى أن اللجنة «تجتمع الآن لليوم الثامن عشر»، أعلن أنه بعد انتهاء المهلة الدستورية «سألتقي رئيس الجمهورية وأطلب منه البدء بالاستشارات النيابية الملزمة، وليعيدوا تكليف فؤاد السنيورة، لا فرق، ولكن في هذا الأمر (الدستوري) لا أقبل المزاح»، مضيفاً أن الدستوريين الذين طالما ركن إليهم فريق الرابع عشر من آذار خذلوهم هذه المرة، وأشاروا إلى ضرورة الالتزام بالمهلة الدستورية، الواردة في النص الدستوري، وهي شهر، لتقديم البيان الوزاري إلى المجلس النيابي ابتداءً من يوم تأليف الحكومة، أي في الحادي عشر من شهر تموز المنصرم.
■ اتصالات ولقاءات ما قبل الجملة
وفيما تحفّظ بري على ذكر أية تفاصيل إضافية عن مسار التفاوض في شأن البيان، ذكرت مصادر في المعارضة شاركت في المفاوضات أنه كان قد سبق الاتفاق على مسودة البيان، اتصال لبري بالحريري وسؤاله عما إذا تراجع عن موقفه من الصيغة التي سبق الاتفاق عليها حول بند المقاومة، فنفى الحريري تراجعه، مؤكداً استمراره في دعم هذه الصيغة، إلا أنه قبل اجتماع اللجنة أمس، زار فنيش والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل، الرئيس بري في حضور المعاون السياسي للأخير النائب علي حسن خليل، وقدما له نص البيان، مضافاً إليه الجملة التي كان السنيورة قد أصر عليها في آخر جلسة بعد الصيغة المتفق عليها بين بري والحريري، وأبدى بري ملاحظته أن الصيغة المضافة إليها جملة السنيورة «تعطيلية». وأجرى وفد حزب الله اتصالاً من عين التينة برئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، لوضعه في جو ما حصل «ولم يكن جواب الرئيس بعيداً عن رأي الرئيس بري».
وتضيف المصادر: «إن رئيس الجمهورية يحاول جاهداً دفع مسار الأمور إلى الأمام، إلا أن التعطيل الذي أصبح يأتي من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لم يعد من الممكن التنازل أمامه. واتفق على أن يعود فنيش (في ظل غياب الوزير فوزي صلوخ عن اجتماعات لجنة الصياغة لوجوده خارج البلاد) مدعوماً بموقف بري إلى طرح الصيغة المتفق عليها مسبقاً، التي تلخص بحق الشعب اللبناني في مقاومة الاحتلال». ولم تتوافر معلومات عما إذا كانت اللجنة في اجتماعها مساء أمس قد تراجعت عن «الجملة التعطيلية»، وعلى هذا الأساس أعلن متري أن اجتماع اليوم هو الأخير، أو أن المقصود بالتحفظ على بعض العبارات، هو هذه الجملة، وبالتالي لن يبصر البيان النور اليوم إلا إذا تم التراجع عن الإضافة.
وكان قد سبق اجتماع اللجنة أمس، متابعة مكثفة من رئيس الجمهورية الذي أجرى سلسلة من الاتصالات والمشاورات واللقاءات «الهادفة إلى التوصل إلى صيغة بيان يوفر الوحدة الوطنية، التي تبقى القوة الأساسية للبنان، والتي ينتظر اللبنانيون إنجازها من أجل أن تنطلق الحكومة في ورشة العمل وبدء تطبيق ما ورد في البيان، والانتقال لاحقاً إلى مرحلة الحوار إنفاذاً لمقررات مؤتمر الدوحة»، بحسب المكتب الإعلامي في بعبدا. كذلك يشار إلى أن فنيش، بعد لقائه وحسين الخليل لبري، زار منفرداً السنيورة الذي التقى أيضاً الوزراء محمد شطح ونسيب لحود ووائل أبو فاعور وطارق متري، واتصل بالرئيس أمين الجميل خلال وجوده في تونس، كذلك جرى اتصال بينه وبين رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، سمير جعجع، وتداول معهما في موضوع البيان.
ومن معراب، شدد المستشار السياسي لرئيس الجمهورية ناظم الخوري، على أن «أجواء قصر بعبدا تريد الإسراع في الاتفاق» على البيان، وقال: «تفاءلوا بالخير تجدوه»، موضحاً أن سليمان «على اطلاع على كل ما يحصل، وهو يوجه ولا يتدخل بصورة مباشرة، ولكن له آراؤه وتوجيهاته يعطيها ضمن السقف الذي يضعه. ولا يمكن أن يتدخل الرئيس بطريقة أخرى، ولو أن البعض ينسب إليه بعض المواقف، فهو موجه، ويعي السقف الذي يريد التعاطي من خلاله». وقد زار الخوري أمس جعجع، ثم النائب آغوب بقرادونيان في حضور الوزير السابق سيبوه هوفنانيان، وذلك في إطار جولته لإطلاع أطراف طاولة الحوار على آلية الحوار المقبل والتحضيرات له. وإذ لفت إلى أنه «لا بنود نهائية للحوار إلى الآن»، ذكر أن «الاستراتيجية الدفاعية ستكون بنداً أساسياً». وقال إن الحوار غير مرتبط بزيارة سليمان لسوريا.
■ لا يهمنا ماذا ينتظر لارسن من البيان
وكانت مواقف المعارضة قد أجمعت أمس على عدم إمكان تجاوز حق المقاومة في البيان الوزاري، فقال مسؤول منطقة الجنوب في حزب الله الشيخ نبيل قاووق: «لا يهمنا ما ينتظر (ناظر القرار 1559 تيري رود) لارسن من البيان الوزاري»، مردفاً: «ولى الزمن الذي تتدخل فيه الإدارة الأميركية في تحديد مسارات بيان وزاري أو تمرير إملاءات وقرارات في الحكومة اللبنانية».
وشدد قاووق على أن يكون البيان رسالة قوية سياسياً «توجب يأس إسرائيل وخيبة أميركا من الرهان على أي دور داخلي في محاصرة المقاومة أو تقييدها أو استنزافها». وأكد أن المقاومة «لن تسمى إلا باسمها المشرف والمتألق، ولن نتساهل، ولن نقايض على حرف من حروف المقاومة». كذلك تحدث النائب عبد المجيد صالح باسم حركة أمل، فخاطب الأغلبية بالقول: «بدلاً من الحرب مع المقاومة من أجل التحرير، توقفوا عن حرب المقاومة في الداخل، أوقفوا محاولات التشكيك والطعن بهذه المقاومة، صوغوا النقطة المتعلقة بسلاح المقاومة في البيان بقلب منفتح ويد ممدودة».
واتهمت لجنة المتابعة لأحزاب المعارضة، أطرافاً في الموالاة بأنهم «لا يزالون يعيشون أوهام المراهنة على تعطيل دور المقاومة»، مؤكدة أن «ما عجزت عنه إسرائيل لن تستطيع أي قوة تحقيقه». وحذر من «أخطار إمرار خطة «باريس3» التي تمثّل استمراراً لنهج الليبرالية الاقتصادية والاجتماعية».
وثمنت مواقف النائب ميشال عون، ووقوفه «بجانب المقاومة وحقها المشروع في الاستمرار ورفض التخلي عن سلاحها إلى أن تتحقق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم».
ومن عين التينة، قال النائب السابق فيصل الداوود إن موقف بري «يمثل كل المعارضة»، وقال: «نحن نؤكد مسلماتنا الأساسية، فبالنسبة إلينا، سلاح المقاومة هو شرف لبنان والعلاقة مع سوريا هي علاقة عضوية وجذرية»، مستغرباً صدور مواقف وآراء «وخصوصاً من الرئيس السنيورة أو غيره، تخالف الموقف الوطني والقومي، وتكون في خانة الخيار الأميركي ـــــ الإسرائيلي». ونقل رئيس المجلس العام الماروني وديع الخازن، عن الرئيس إميل لحود «استغرابه لما آلت إليه الآلية البطيئة المتبعة في تنفيذ اتفاق الدوحة رغم المناخات الإقليمية والدولية المواتية وانتخاب رئيس توافقي أجمع عليه الكل في الداخل
والخارج».
وبعد زيارته لحود أيضاً، هاجم رئيس تيار التوحيد وئام وهاب، السنيورة، متهماً إياه بأنه «ما زال هو هو ينفذ المهمة نفسها، منذ تموز 2006 وما قبله وبعده»، وبأنه «يحضر الكثير من الكمائن، إن كان في البيان الوزاري أو ما بعده، وتحديداً في موضوع النقاط السبع»، محذراً وزراء المعارضة من «الوقوع في فخ» إدراج هذه النقاط في البيان.
على صعيد آخر، قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، خلال تسلمه أوراق اعتماد سفير لبنان زين الموسوي، إن لبنان «يمثل راية المجد والكرامة والشرف لجميع البشرية»، واصفاً الأوضاع الحالية فيه بأنها أفضل من الأعوام السابقة. ورأى أن هناك «انتصارات كبرى» في انتظار اللبنانيين، مؤكداً وقوف إيران «دوماً، إلى جانب الشعب اللبناني».
وفي قبرص أثار وفد من الحزب الشيوعي اللبناني، برئاسة الأمين العام للحزب خالد حدادة، مع عدد من المسؤولين القبارصة، في مقدمهم الرئيس ديمتري كريستوفياس، استمرار احتجاز إسرائيل للعشرات من جثامين الشهداء اللبنانيين، وبينهم جثث 18 مقاوماً من الحزب، وأكد كريستوفياس للوفد «أن مدخل حل المشاكل في الشرق الأوسط، بما فيها لبنان وقبرص، إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية على أساس حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية».
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية