طرائف صحفية وأدبية سورية.. خطيب بدلة*

هناك نوعان من الطرائف في الحياة الأدبية والصحفية السورية، الأول يتعلق بتصرفات أهل النظام التي تبدو في ظاهرها طبيعيةً وبريئة ولكن المرء حينما يتمعنُ فيها يجدُها مضحكة... والثاني ينبع من الوقائع، ومما تشهدُه الحياةُ اليوميةُ للصحف والمجلات من أفعال عجيبة.
مثلاً: إن أبسط أدوات الثقافة هي معرفة ألفباء الكتابة، أو الإملاء، وبالتالي فإن تعيين رجل يخطئ في الإملاء اسمُه ديب علي حسن بصفة أمين التحرير للشؤون "الثقافية" بجريدة الثورة هو، بحد ذاته، طرفة، ويدل، في الوقت نفسه، على تقديم شرط "الولاء" بالنسبة لملء أي منصب في الدولة السورية على أبسط المؤهلات.
مثالٌ آخر: إن تعيين ضابط برتبة رائد في الجيش العربي السوري اسمُه تركي صقر بصفة مدير عام لجريدة البعث، وبقاءَه على رأس عمله لمدة سبع عشرة سنة، هو الآخر طرفةٌ تشير إلى طغيان المؤسستين العسكرية والأمنية على كل شيء في سورية، حتى الصحافة.
يظن بعض الناس أن الطرفة انتهت عند هذا الحد، بمعنى أن ينحصر نشاط السيد تركي صقر ضمن حدود الجريدة التي تُصدرها القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي وفضت يا عرب.. ولكنَّ الذي حصل، أثناء ذلك، هو أن الضابط المذكور نال شهادة الدكتوراه في "القانون الدستوري" سنة 1985، وأصبح، بسهولة منقطعة النظير، عضواً في المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين الذي يقوده الشاعر الأزلي صابر فلحوط صاحب قصيدة (ينطح الغيمَ شموخي)، وعضواً بارزاً في جمعية البحوث والدراسات لاتحاد الكتاب الذي يقوده علي عقلة عرسان الذي أصبح، هو الآخر، دكتوراً، ولزق بكرسي الرئاسة من 1977 إلى 2005.
لم يكن انتساب الضباط والمسؤولين إلى النقابات المهنية في سورياً أمراً شاذاً أو مستغرباً، فحينما انشق الرفيق عبد الحليم خدام عن النظام السوري، أقيمت له ليلةَ رأس السنة 2005، في مجلس الشعب، حفلة ردح تاريخية، سارعتْ نقابة المحامين المركزية إلى فصله من عضويتها، فالتفت كل إثنين من المواطنين السوريين إلى بعضهما البعض وتساءلا: هل يعقل أن الخدام ما يزال عضواً في هذه النقابة حتى الآن؟
واتضح، فيما بعد، أن الرفيق الدكتور أحمد أبو موسى رئيس منظمة طلائع البعث كان عضواً في اتحاد الكتاب العرب! ومن الإحصائيات الطريفة التي كنا نتداولها فيما بيننا أن اتحاد الكتاب كان يضم في عضويته مائةً وخمسين ضابطاً متقاعداً صنفهم الدكتور عرسان في خانة الكتاب.. وهؤلاء كانوا من النوع الأصيل الذي يرد الجميل بأحسن منه إذ كانوا يصوتون للدكتور عرسان بـ (نعم) في كل الانتخابات التي يخوضها، ومن دون تردد.
إذا أردنا، الآن، أن ننظر إلى النصف الملآن من الكأس، تنفيذاً لنصيحة قيمة أسداها إلينا الدكتور بشار الأسد ذات يوم، نقول إن تجربة القيادة العسكرية للصحافة السورية كان لها بعض التجليات والثمار الإيجابية الطيبة، فجريدة البعث، خلال حكم الرائد الركن الدكتور تركي صقر كان يسودها نظام شبيه بالنظام العسكري، ومع أن المحررين لم يُجْبَروا على السير في الممرات بطريقة النظام المنضم، إلا أنهم كانوا يكتبون- اسم الله عليهم!- وكأنهم فريق واحد! ومَنْ كان يربأ بنفسه عن العمل بصفة فرد في جوقة، كانوا يعتبرونه محيداً عن خط ثورة آذار ومبادئ الحركة التصحيحية المجيدة ويرمونه خارج الجريدة مثلما الذين كفروا.. وكل شيء كان يحصل بأمر "المعلم" تركي، أو بتوجيهاته الحكيمة.
حدثني صديق صحفي كان سوء الطالع قد قاده للعمل في البعث أيام الرائد تركي فقال:
كانت الإعلانات تأتي إلى الجريدة ويستلمها القسم المختص، يبوبها، ويدرجها للنشر في مختلف صفحات الجريدة، ما عدا حالات استثنائية يأتي فيها إعلان مهم، فيُدرج للنشر مكان مادة صحفية، ولكن هذا لا يجوز أن يحصل من دون توقيع الدكتور تركي شخصياً.
وفي ذات يوم توفي ضابط في سلك المخابرات، وكانت الصحيفة على وشك الصدور، وإذا بإعلان الوفاة يأتي إلى المطبعة وعليه حاشية من الدكتور تركي تنص على: ينشر في عدد اليوم.. إن بقي له مكان.
في اليوم التالي سارع عمال "مؤسسة توزيع الصحف والمطبوعات" إلى سحب نسخ جريدة البعث من الأسواق والمكتبات، لأن خطأ ظريفاً كان قد حصل في تنضيد إعلان الوفاة، فجاء، بعد العبارات التقليدية، على النحو الآتي:
توفي إلى رحمة الله وعفوه الضابط فلان الفلاني غفر الله له وأسكنه فسيح جناته إن بقي له مكان!
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية