أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

التحزب في الثورة السورية.. حسن الدغيم

الكاتب: إن الشعب لن يمشي في مشروع يقصي طاقاته، ويخون طموحه - أرشيف

لابد أن نشير إلا أن الاختلاف ظاهرة بشرية، وحتى ضمن أبناء الدين الواحد فترى الاصطفاف والخلاف، والتحزب في كل مفاصل الحياة وليس يعنينا هنا البحث المطول، ومكانه علم الاجتماع والعمران، وإنما يعنينا التحزب ضمن الثورة السورية.

قامت الثورة السورية كهبّة شعبية عارمة ضد النظام الأسدي، وأعوام القهر المديدة والتي خلفت ملفات المحرومين، والمظلومين، والشهداء، والمهجرين، والمكتوين بكل صنوف العذاب والإذلال، واستطاع الشعب السوري أن يوصل صوته إلى آذان العالم، فغنى المغنون قصائده وحمل الأحرار قضيته، ولم شمل أبنائه المهجرين إلى أن يعيشوا قضيته وحياته الثورية باهتمام بالغ أعاد في عروقهم ماء الحياة، وقامت الثورة السورية، تدخل المجتمع العربي والدولي في شغل مستمر وضغط لابأس به على نظام الأسد وكانت الهتافات الضارعة إلى الله نفسها تعبر عن وحدة الشعب السوري ورفضه للطائفية في هذه المرحلة. 

*مميزات المرحلة الشعبوية
1- النمو المتصاعد للمد الثوري، ورسم وبلورة أهداف الثورة بإسقاط النظام، وقيام دولة العدالة والحرية ومحاسبة مجرمي الحرب.
2- التناصر المنقطع النظير بين أبناء المحافظات السورية، وتنادي كل محافظة أختها باستمرار الكفاح حتى الموت.
3- خمول الخطاب العنصري، وعدم وضوح المفارق الاجتماعية.
4- التناغم بين طبقات الشعب، وخلق حالة منسجمة من مثقفين وسياسيين، ورجال أعمال وشباب ثائر.
5- لزوم الصامتين جانب الهيبة من الثورة، وعدم ظهور قالة السوء بالثورة تهيبا.
6- نمو روح الجماعة، والإيثار، والتضحية، والفداء، ومواجهة الموت في سبيل إسقاط النظام وتخليص الناس من شره.
7- الشراكة الحقيقية بين الداخل والخارج وإلى درجة الالتحام.

*عوامل التحيّز والاصطفاف
ومن ثم، وبعد مضي العام الأول من الثورة، ودخولها المرحلة المسلحة بدأت تنشأ عومل التصلب، والحدة في المشهد السوري بين إخوة الثورة والذي نتج عن:
1- طول أمد الثورة، والتطلع للخلاص من التدمير الشامل.
2- زيادة إجرام النظام، والتأثير على الحاضنة الشعبية وشعورها بثقل الثورة.
3- فقدان فرص العمل وترك الوظائف، ما دفع إلى الاصطفاف حول ما يظن مصدر رزق بديل.
4- المال السياسي، والداعمون الحزبون والمنهجون من كافة التيارات وسلوكهم للدعم الحزبي.
5- تدخل الأجندات الدولية، ومحاولة إيجاد مراكز الثقل والنفوذ.
6- التعطش السياسي عند الشباب السوري، وردة الفعل على الحرمان الروحي والسياسي.

*معالم المرحلة الفصائلية
ونظراً لما أفرزته هذه العوامل، تأثرت الثورة تأثرا كبيرا، وتراجع زخمها الشعبي، والإقليمي والعالمي، وبدأت روح الجماعة بالخفوت لصالح بروز المصلحة الحزبية والفئوية وكلما اشتدت حلقات الصراع المر، وازدياد حاجة الدعم المالي والإغاثي، كلما زاد المشهد قتامة والمواقف حدة ودخلت المرحلة الأسوأ ألا وهي مرحلة التخوين والاحتراب الداخلي، وأشهر معالمها:
1- تقوقع الحركات والفصائل والأحزاب حول نفسها ومحاولة حشد الأتباع.
2- انتشار أفكار الغلو، والتطرف المتولد عن تاريخ الظلم والقهر والمستفحل لحالة الحماسة والسذاجة.
3- محاولة الحركات خاصة العابرة للحدود إخضاع الشعب لحكمها، بالقوة وإعمال البطش السياسي، واستغلال الدين، والحماسة، والعاطفة الروحية في التجنيد.
4- تركيز الدعم على مستوى الفصيل والحركة وغياب الشعور العام بالعمل سوية لإسقاط النظام.
5- تشظي الثورة، وغياب الرؤية الواضحة والدخول في حروب لا ناقة ولا جمل للشعب السوري فيها إلا استنزاف الموارد والقدرات.
6- الهوة الهائلة بين الداخل والخارج، وتبادل التهم، والقذف بأبشع الأوصاف.
7- فتور التعاطي الإقليمي والعالمي والدخول في نفق مظلم لا تعرف له نهاية خاصة مع دخول التحالف الدولي.
8- بداية انتشار أحاديث الهدن الجزئية، والمواقف الفردية والمبادرات الخلبية التي زادت الواقع سوءا.

*نظرة تقييمية للمجالس الثورية
لاشك أنه لابد لأي ثورة من رأس يقودها حتى لا تتشظى وتضيع جذوتها، وعلى اعتبار أن الثورة السورية خرجت بدون تخطيط فقد بنت مجالسها تباعا:
المجلس الوطني، والائتلاف، والأركان، ووحدة التنسيق، واتحاد التنسيقيات والجبهات العسكرية وغيرها، ولاشك أن هذه المجالس جملة قدمت شيئاً معقولاً للثورة السورية من دعم وترويج لقضيته، ولكنها لم تنل القبول عند الشعب السوري ولم يشرعنها بتلاحمه معها، وذلك بسبب:
1- كثرة هذه المجالس، ومحاولة كل مجلس أن يهدم ما بناه الأسبقون ويبدأ من النقطة صفر.
2- محاولة بعض التيارات المنظمة السيطرة على المجالس عن طريق دولة الظل اللوبي وبذلك تشل فعالية هذه المجالس.
3- الانتقائية في شغل المناصب، ومراعاة التوازنات الحزبية القديمة أكثر من المعطى الثوري والشعبي والإفراز الجديد.
4- انعدام المنتج الحواري بين هذه المجالس، والقواعد الشعبية، ما أدى إلى جدلية القواعد والنخبة والهوة الشاسعة بينهما.
5- تماهي المجالس المشكلة مع الوعود والإملاءات الدولية، ما أفقدها المصداقية الشعبية.
6- النظرة الداخلية الضيقة المؤدلجة عند الفصائل الإسلامية لهذه المجالس، ومحاولة تحميلها ما لا تحتمل من مآلات المجازفات الفكرية والسياسية.

*طرق ترميم ظاهرة التحزب والاصطفاف
1- ربط المجتمع السوري بهدف متفق عليه وهو العمل على إسقاط النظام.
2- إغلاق ملف الجدل الفكري، والديني حول الدستور وشكل الدولة المستقبلية.
3- حشد جميع المؤسسات والأحزاب والحركات وزجها في مواجهة النظام وميلشياته.
4- إطلاق موجة إعلامية تصحيحية للثورة السورية.
5- مناهضة أفكار الغلو، ورفض المشاريع الموتورة من دولة، وإمارة وغيرها لم يستشر الشعب السوري في شرعيتها.
6- صياغة خطاب وطني يلم شعث السوريين، ويخفف من أوزار الطائفية يوقن فيه الجميع أنه لن يستطيع أي فصيل أن يحسم النصر بمفرده، ولا يستطيع أن يحمي الشعب بمفرده.

*خلاصة
 لقد كانت ظاهرة التحزب، والتيارات وحتى المجالس ظاهرة حاملة لكثير من الأسقام التي رمتها على الساحة السورية حتى غدت كلأً مباحا لكل شذوذ فكري، ومطمحا سياسيا وكله ناشئ من الطفولة السياسية، وتاريخ الحرمان والتجوع على المستقبل، والتفجع على الواقع، والتوجع على الماضي، والمبني على محاولة سلب جلد الدب قبل اصطياده و اقتسام الكعكة قبل نضجها، ودون الرقي إلى مستوى تحمل المسؤولية، والإسهام في خلق شراكة مؤسساتية حقيقية حتى في المؤسسات العلمية والدينية بل وحتى في البيت السني المحافظ لم يرتقِ مستوى العمل التوعوي، والتربوي إلى اللائق تأثرا بالنزاع الفصائلي، والاصطفاف الحزبي المقيت.
إن الشعب لن يمشي في مشروع يقصي طاقاته، ويخون طموحه.
إن الشعب لن يمشي في مشروع يشتت أهدافه، ويحطم عظامه.
إن الشعب لن يمشي مع من يفرض وصايته بلا شورى، واحترام.

حسن الدغيم - مساهمة لـ "زمان الوصل"
(234)    هل أعجبتك المقالة (427)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي