نهب الناس باسم الوطن.. ميخائيل سعد

وفي مثل هذا اليوم قبل ١٧ سنة، وصلا إلى مونتريال كالفاتحين القدماء العظام إنما بثياب عصرية. آلمهما ما أصاب الوطن العربي من ويلات أوصلت أبناءه إلى الحضيض، فقررا، كل من "صومعته" أن الوقت، لمن لم يزرع، وقت حصاد، ولا بدّ من التحرك السريع لنجدة الوطن الغريق..!
كان السؤال سهلا: من أين نبدأ، وكيف؟ ولكن الجواب عليه كان عويصان أنبدأ من العائلة، الحي، المدينة، وصولا إلى كل زوايا الوطن، أم نبدأ من "القمة" وصولا إلى "القاعدة"....!!؟؟
كان كل منهما، في "صومعته"، ذكيا، واقعيا، عنده خبرة مميزة في أنواع "اللحوم" البشرية؛ الحلال منها والحرام، ويعرف متى تكون أسلحته الشخصية فعّالة، وكيف يستخدمها من أجل تحقيق هدفه "النبيل" بدقة.
تناول كل منهما خارطته، على عادة قادة الجيوش قبل المعركة، وأمعنا النظر والفكر في المواقع المحتملة لبداية عمل كل منهما. استبعدا بسرعة فكرة البدء من العائلة والحي والمدينة، لأسباب عديدة أهمها: إن التاريخ الشخصي، لكل منهما، معروف بتفاصيله اليومية الصغيرة والكبيرة، منذ الولادة وحتى وصولهما إلى "الصومعة"، عند كل كبير وصغير، وبالتالي فإن إمكانية "الحصاد الوطني" غير متوفرة في هذا الوسط.
قلبا في ذهنيهما الاحتمال الثاني: اختراق "القمة" بهدف الوصول إلى "القاعدة"، فقد وجدا أن التزاحم شديد، والمنافسة لا ترحم، وأمثالهما كثر ، وأسلحتهما غير كافية، علاوة على ذلك فقد يضطرا للوقوف أمام "العتبات" وقتا طويلا، وليس عندهما متسع من الزمن، فالوقت من ذهب، و"الوطن" مهدد بالغرق، فما العمل!؟
وعلى ما درجت عليه العادة والعرف عند أصحاب الهمم العالية والنفوس الكبيرة، من رحابة صدر، ودماثة خلق، وديمقراطية فطرية في التعامل مع الآخرين، فقد بدأا بحملة لاستشارة المحيطين بهما عن أكثر البقاع حاجة للانتفاع بعلمهما وإيمانهما، فجاء جواب عبر إجابات متعددة: إنها الأطراف...نعم الأطراف البعيدة عن المركز، فهي، على مر العصور والتاريخ، كانت في موقع الإهمال مقارنة مع "المركز"، كما كانت مركزا لانطلاق الثورات الكبرى، والأفكار العظيمة والرجال الخالدين، وما الثورة السورية إلا مثال على ذلك.
ولما كانت سوريا هي المركز، وبقية العالم كله هو الأطراف، فقد وصل إلى مونتريال على طائرتين مختلفتين، وفي يوم واحد، فاتحان كبيران، لا يعرف أحدهما الآخر، يحمل كل منهما "ايديولوجية" مناقضة لايدولوجية الآخر، ويعتزان بانتمائهما إلى دينين مختلفين، بالنتيجة هما على طرفي نقيض في كل شيء، إنما، للأمانة، يجمعهما جمال في القامة، وسيرة شخصية متشابهة، وهدف واحد معلن "إنقاذ الوطن".
كان "الطرف" الذي وقع عليه مثاليا في ظروفه، وقوانينه، وتركيبة أبناء جلدتهما، لبداية مغامرة الإبحار باتجاه "الوطن" الغريق، ولكن ليس في مراكب الموت كما يحدث الآن للهاربين من ذلك الوطن، وانما بواسطة المال "الحلال" الذي تم التبرع به لهما من قبل أبناء الجالية السورية، على أمل أن يصل للمحتاجين هناك.
تجولا في مونتريال الكبرى، زارا منتدياتها، وتكلما في أنديتها، واستقر بأحدهما المقام متنقلا بين جوامعها، بينما كان من نصيب الثاني الكنائس الناطقة بالعربية في المدينة. وكان ملخص حديثهما مع الناس يتمركز حول ثلاث قضايا: أولا ضرورة التمسك بطقوس الدين، والابتعاد عن الآخر العربي لأن دينه مختلف، ثانيا التبرع بالمال من أجل إقامة مشاريع في الوطن، ثالثا الدعاء بطول العمر للرئيس القائد حافظ الأسد، ومن بعده لابنه بشار.
ومع مرور الأيام اتضح أن التحريض الديني ضد الآخر، كان المحرك الذي يستخدمه الرجلان للحصول على ثقة الآخرين بهما، ولدفع أبناء كل طائفة للتبرع بما يستطيع أفرادها لهذا الشخص أو ذاك، مرة باسم الدين ومرة باسم الوطن.
ولم يكن يخلو الأمر أحيانا من استخدام اسم "القائد الخالد" للتهديد عند الضرورة، وهذا ما حدث أكثر من مرة ضد معارضين قدماء لنظام الأسدين. ففي حفل تأبين باسل الأسد، الذي تم تنظيمه في إحدى القاعات الكبرى في المدينة، وبالتعاون بين الرجلين، حدث أن اتصل بي أحدهما يدعوني، مع تهديد مبطن، إلى الحضور حرصا علي، لأن الحفلة ستكون مصورة بالفيديو وسيتم إرسالها إلى سوريا، فكان أن أكل نصيبه.
وبقي الحال كما هو عليه إلى أن قامت الثورة. وظهر ما كان مخفيا، فقد وقف الرجلان ضد الثورة وانفضح سلوكهما المتعلق بجمع المال، وتبين أنهما جمعا ثروتهما من الناس البسطاء، في الكنائس والجوامع، وأصبحا رجلي أعمال بفضل الأموال التي كان يجب أن ترسل للمحتاجين في الوطن.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية