من سمير العيطة إلى بشار الجعفري حَوّلْ.. خطيب بدلة*

فاجأ المعارضُ السوري الأستاذ سمير العيطة الرأيَ العام السوري والإقليمي والدولي بمعلومة بالغة الإثارة والتشويق ملخصُها أن السيد بشار الجعفري، مندوبَ النظام السوري إلى منتدى موسكو 2؛ رفض استلام قائمةٍ من الوفد المعارض تتضمنُ أسماءَ 8884 معتقلاً ومفقوداً سورياً، من أجل إطلاق سراحهم، ليكون ذلك ثمرةً من ثمرات هذا المسلسل الموسكوفي الذي عُرِضَتْ منه حتى الآن حلقتان... والحبل على الجرَّار.
لم يُقَدِّم السيد بشار الجعفري، بحسب المداولات الإعلامية التي رافقتْ هذا الحدثَ التاريخي الكبير، أيَّ تفسير لتصرفه المتعلق برفض استلام قائمة المعتقلين والمفقودين، وهذا ما دفع المراقبين إلى سد ثغرات الخَبَر،... فقال بعضُهم إن النظام السوري، في الوقت الحاضر، يعاني من "أزمة معتقلين"!.. ولا سيما بعدما أطلقَ سراحَ سبعمئة معتقل ضمن بادرة حسن النية التي أطلقها قُبَيْلَ عقد منتدى موسكو 2... فإذا تسلم السيد الجعفري، الآن، هذه القائمة، واضطر النظامُ إلى إطلاق دفعة جديدة من المعتقلين، سيدخل عمله في باب (التبذير)! ومن ثم قد يأتي عليه وقتٌ ينفدُ فيه معتقلوه! فيكون موقفه ضعيفاً أمام دول العالم، وخاصة الدول التي اعتادت على قمع معارضيها، وإلقائهم في غياهب السجون إلى آجال غير مسماة.
وذهبَ مراقبون آخرون إلى أن النظام السوري كان قد ارتكب خطأً جسيماً حينما أقدم، بتاريخ الحادي والعشرين من أبريل 2011، على إلغاء قانون الطوارئ المعمول به منذ صبيحة الثامن من مارس 1963، وإغلاق محاكم أمن الدولة التي كانت تحرص على حسن تطبيق قانون الطوارئ الذي وُجِدَ أساساً من أجل التصدي للعدو الصهيوني الرابض على بعد كيلومترات قليلة من العاصمة دمشق.
حينما قام القائد التاريخي الملهم الفريق حافظ الأسد، في سنة 1970؛ بتصحيح مسيرة ثورة الثامن من آذار/ مارس 1963، وإعادة حزب البعث العربي الاشتراكي إلى سكة الصواب، تَمَّسَكَ سيادتُه بقانون الطوارئ، بل وزاد من فاعليته، ونشاطه، وغَلَّتِهِ... ولئن كان المواطنون السوريون قبل حركة الأسد التصحيحية يُعْتَقَلُون بطريقة (الانتقاء) التي يَسبقها دَرْسٌ وتداول وتمحيص، فإنهم أصبحوا، في عهدها الميمون، يؤخذون بطريقة (الكَمْش)، ويُعَبَّأون في الشاحنات "دوكمه"، ويساقون إلى المعتقلات المخابراتية، أو إلى سجن تدمر. وكان عددهم ينقص، أحياناً، ليس بسبب الإفراج عن بعضهم، لا قَدَّرَ الله، وإنما بسبب الوفاة، إما تحت التعذيب، أو بسبب الأمراض وقلة التداوي.. ووقتها يضطر الساهرون على أمن البلاد إلى مَلْء خزان المعتقلين بـ كَمْش مجموعة جديدة من المواطنين قد تزيد من العدد السابق، وتَرْفَعُ، إذذاكَ، من المركز الاعتقالي للدولة السورية.
كان السوريون، أيام الفريق حافظ الأسد، يسخرون، في مجالسهم الخاصة التي لا يمكن أن يخترقها مُخْبِرٌ، أو عوايني، أو جاسوس، من سد الذرائع التي يلجأ إليها الإعلام السوري حينما يجري الحديث عن هذا القانون السيء؛ فيقولون: يا أخي ما علاقة اعتقال المواطنين السوريين، وسجنهم، وإماتتهم تحت التعذيب، بالتصدي للعدو الصهيوني، والصمود في وجه المؤامرات الاستعمارية؟!
هذا السؤال يدل، بالطبع، على منطق صوري، مسطح، بل وساذج.. فالحقيقة أن ترك المواطنين السوريين ينالون حريتهم، والسماح لهم بتشكيل الأحزاب، وإصدار الصحف، ورفع قبضة المخابرات عن رقابهم، كان من الممكن أن يؤدي إلى إضعاف سلطة الدولة، ووهن عزيمتها، والدخول في حالة من الفوضى تغري إسرائيل، فوراً، بالانقضاض على مكتسبات الثورة والتصحيح، وهذا ما لا يقبله عاقلٌ، ولا يرضى عنه ذو بصيرة.
هذا كله كان سائداً قبل مطلع سنة 2012.. فمن المعروف أن الجيش الحر الذي تشكل بعد قيام الثورة السورية قد أخرج مدناً وبلدات وقرى من تحت سيطرة النظام، أضف إلى ذلك أن أكثر من ستة ملايين سوري قد تحولوا إلى لاجئين في دول الجوار أو نازحين في المناطق المحررة الأقل تعرضاً للقصف بالمدفعية والصواريخ والبراميل.. وهذا يوصلنا إلى نتيجة منطقية لا يمكن أن يأتيها الباطل من بين أيديها أو من خلفها، هي أن عدد السكان الواقعين تحت سلطة النظام قد انخفض إلى النصف تقريباً، وهؤلاء إما من الموالين للنظام، أو من "حزب الكَنَبَة" الذين يدعون الله ليلاً ونهاراً أن يطفيها بنوره ويختار الخير ويصلح الأمة، أو من المعارضين الذين لا يجرؤون على البوح بمواقفهم.. وهؤلاء لا يجد النظام مبرراً لاعتقال المزيد منهم…
من هنا نستنتجُ، منطقياً، أن الجعفري كان على حق في رفضه استلام القائمة.. وأن "العيطة" وأمثاله مخطئون، ويتدخلون فيما لا يعنيهم من الأمور، والله أعلم.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية