ذاك البطل الذي جمع في شخصه الفكر والسياسة والرؤية الواضحة للثورة والقدرة الفذة على القيادة، ذاك المناضل المتمرّس في المعارضة السياسية ومن أجل حقوق الإنسان، المثقف الجماهيري الذي يتقن كيف يصوغ الفكرة للعامة ويبرهن عليها للخاصة، الإنسان الشهم الشجاع الكريم، الثائر الذي فقد إبنه وأصدقاءه في الثورة وهو حاملٌ علمها ومؤمنٌ بانتصارها.
لقد كان بيت أبو مرشد ملتقى المثقفين والمعارضة السياسية، ومن أجل ذلك تعرض للتحقيق والضغط ولكنه أصرَ على الاستمرار، فلا أذكر لقاء عاماً أو خاصاً في حرستا إلا كان في بيته، وكل من زاروه تذوقوا الدجاج المشوي في حديقة بيته الرائع.
في بداية الثورة اجتمع بخيرة نشطاء الثورة، غياث مطر، يحيى شربجي، د.عدنان وهبة، بسام بصلة، أيمن دحدوح، وغيرهم الكثير من دمشق وريف دمشق وقرروا التظاهر انطلاقاً من الجامع الكبير في دوما. ثم تتالت اللقاءات وتوسعت وصار كلاً منهم رمزاً في مدينته وقريته يحفزون على التظاهر المدني والسلمي.
في آب 2011 كنت في حرستا وقضيتُ أجمل أيام الثورة مع أبو مرشد الذي لا يهدأ، فمن لقائه بنشطاء أحرار ثورة الكرامة في دمشق وريفها، إلى اللقاءات مع القيادات الشعبية في قرى ريف دمشق إلى اجتماعه مع إدارة المظاهرة في حرستا، إلى لقائه مع الفعاليات الإغاثية والتجار المتبرعين، إلى تنسيق العمل مع الشباب لمعرفة مواقع حواجز الأمن، إلى حضوره الفاعل بالمظاهرات وكتابته للشعارات وكلمات الأغاني والأهازيج وشعاره الشهير هي لله هي لله لا للثروة ولا للجاه.
لقد كان حركة دؤوبة يندر أن يجهله أحد في حرستا وفي عموم الغوطة فضلاً عن نشطاء الثورة في دمشق وريف دمشق.
كنا نرسل له الأموال الإغاثية، وفي مرة قال لي:"أبو أحمد لقد وضعت جدولاً لكل الأموال التي استلمتها ونسختها ثلاثاً، واحدة معي وواحدة في الجمعية الخيرية والثالثة سأعطيها لأحد تسميه لي" قلت له أبو مرشد أنت مفوض وليس مثلي من سيحاسب، قال:"نحن لاندري متى نموت وأنا من بداية الثورة آليت على نفسي أن أصرّح بوضوح، فإن لبستُ قميصاً جديداً لابد أن أذكر من أين لي بثمنه".
أبو مرشد الذي كان معارضاً سياسياً في صفوف الاتحاد الإشتراكي، انخرط في الثورة وصار شعاره الشهير:"لقد خلعت رداء السياسة ولبستُ رداء الثورة" فقد كان مؤمناً أن الثورة الشعبية تختفي فيها الايديولوجيات السياسية وتعلو القيم الوطنية الجامعة، لذلك كان يجتمع ويتفاعل مع مختلف القوى السياسية على أرض الثورة.
كان مؤمناً بالعمل الثوري السلمي، وأذكرُ زجرَه لكلّ من طالب بمواجهة عنف النظام بالعنف، وعندما انتشر السلاح رفض حمله، لكنه كان العقل المرشد للمسلحين، ومنذ أيام قال لي :"لقد حوّل النظام الثورة السلميّة إلى ثورة دموية، ولابد أن ندرك المتغيرات ونكون في عمق الأحداث حتى لا تجنح الثورة إلى ما لا ينبغي".
كان يدرك المتغيرات السياسية في الخارج والداخل ويحث الجميع على الانخراط في الثورة، ويفرح عندما نطلب منه لقاءً لشرح معطيات الثورة على الأرض، وكان يقدم شرحاً وافياً بطريقة بسيطة تشرح صدر السامعين. فهو المثقف الذي يعرف ربط الواقع بالفكر ليعيده رؤية واضحة لمسار التغيير الثوري.
أبو مرشد الشجاع والذي أدرك استهدافه من قبل النظام كان يقول لكل من يعرفهم ومنذ بداية الثورة بأنه يمكنهم أن يقولوا اسمه في أي تحقيق، حتى أضحت عائلة المدلل من العائلات المطلوبة كلياً في حرستا، وصار أبو مرشد معروفاً ومطلوباً لكل فروع التحقيق الأمنية والعسكرية.
عمل أبو مرشد مع لجان التنسيق المحلية، مع أحرار ثورة الكرامة، مع التنسيقيات الإعلامية، المجموعات الثورية السلمية والمجالس المدنية وكان يرسل مندوبين عن الثورة إلى مختلف المجالس السياسية في الخارج ويحملهم رسائل من الداخل، ورفض الخروج من البلد على الرغم من كل العروض التي قدّمت له، وعندما اشتد الحصار والجوع على الغوطة المحاصرة عمل في الإغاثة وتنشيط كل مجالات العمل المدني من تعليم وتأمين المياه والزراعة وحتى في الحقل الطبي.
كان يقول بأن أولئك الذين ركبوا القاطرة الأخيرة للثورة يحاولون حرفها، وفي هذا كتب عدة خواطر تعبّر عن خوفه هذا: " ثورة الحرية والكرامة، تعني عند من اشعلوها التقدم خمسمائة سنة إلى الأمام، وتعني عند بعض من الحقوا بها العودة الف سنة إلى الخلف .
وشتان بين ...........؟"
وكتب عن التسلق والسلطة: " ان استخدام اساليب المداهنة والمصانعة والرياء ,في سبيل الوصول او التقرب الى موقع او سلطة، اساليب مكشوفة، قد تفيد الى حين فقط ولكنها وتضع صاحبها موضع الشك والاحتقار الى الابد".
استُهدفَ أبو مرشد اليوم بغارة جويّة في حرستا في التجمع الإغاثي، وهو يوزع الإعانات على المحاصرين، مع مجموعة من خيرة شباب حرستا.
رحمك الله أبو مرشد وعهداً ووعداً أن ثورتنا ستنتصر .. فروحك تغرّد للنصر في أرواحنا .. وسننتصر .
مشاركة لــ"زمان الوصل" د.عدنان بكيرة
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية