بارك الله بالمعارض قدري جميل.. خطيب بدلة

لا يمكن لرجل عاقل أن يقللَ من شأن حالة المعارضة القوية التي يتمتع بها الرفيق المناضل الدكتور قدري جميل رئيسُ حزب الإرادة الشعبية للتغيير، صاحبُ جريدة "قاسيون"، فالرجل، حينما طُرِحَتْ أمامه مجموعةٌ من الرؤى والتصورات لحل القضية السورية، على رأسها خطة كوفي عنان التي تنص على تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، كان نافذ البصيرة أكثر من جميع المعارضين والثوريين، إذ أدرك أن النظام السوري لن يوافق على هذه الخطة!... لذا سارع إلى قراءة الحالة بواقعية سياسية واسعة الطيف، وفهم أن أقصى تنازل يمكن أن يقدمه النظام هو أن يسمح بوجود شخص معارض أو أكثر ضمن تشكيلة حكومية وطنية! ووقتها قرر أن يُحرج النظام، ويهاجمه في قعر داره، ففاجأه بقبوله الاشتراك في هذه التشكيلة بصفة نائب لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، في حين فشل منافسُه الدكتور علي حيدر في الحصول على موقع مهم، ورضي بشَغْل حقيبة "تبويس الشوارب" في الوزارة نفسها!
لم تسمح كرامة الدكتور قدري جميل له أن يكون شخصاً إمعةً أو رويبضةً عديم الأهمية، إذ بمجرد ما تسلم حقيبة النائب الاقتصادي ما عاد يتكنس من ستوديوهات الفضائية السورية والإخبارية والمنار والـ (NBN)، ولم تسلم من شره إذاعة أو وكالة أنباء؛ فكان يصل الليل بالنهار وهو يمارس التوعية على المواطنين السوريين ويحذرهم من شبح الغلاء والتضخم النقدي، وحينما وصل سعر صرف الدولار، على زمانه، إلى 150 ليرة سورية، أمسك على شاربيه على المسك والعنبر، وحلف أنه سيستمر برفع قيمة الليرة السورية ليصبح الدولار بمئة ليرة فقط! ولكن ما حصل، أيها السادة، أن النظام السوري المجرم، شعر بخطورة هذا المعارض الصنديد على صموده، فتحين له فرصة زيارة ودية إلى بلاد المسكوف الاشتراكية، ونفضه بقرار استقالة لا يقف عليه حكيم، شلحه صلاحياته وجعله، بموجبه، مثل صبي الحَمَّام، يد من ورا ويد من قدام!
إن دخول قدري أفندي المعارض في خضم المعركة السياسية الوطنية السورية في مواجهة النظام وضعته في مواجهة متعددة الجوانب مع أركان النظام الآخرين، فعلى الصعيد الإعلامي كان ثمة منافس خطير لقدري أفندي هو سعادة النائب البرلماني خالد العبود الذي ابتكر اصطلاحاتٍ سياسيةً دخلت في القاموس السياسي السوري لأول مرة في التاريخ الحديث، كان آخرها مصطلح (المربعات) الذي تحول- فيما بعد- إلى حلقة من برنامج "افتح يا سمسم" قام بأدائها الممثلان البارعان أنيس وبدر.. وأما رفيقنا قدري جميل فرد على العبود باختراع مصطلح (صارت ورانا) الذي استخدمه لأول مرة على تلفزيون الجزيرة، وهو في موسكو بعد تلقي قرار الإقالة بأيام.. فوقتها أظهرت مذيعة الجزيرة غباء ملحوظاً إذ بقيت تتحدث عن الإقالة وكأنها خاتمة مطاف النضال الوطني بالنسبة لهذا الرجل، فنبهها هو إلى ذلك بقوله:
- أنت لم تسأليني عن موقفي من الإقالة.
قالت: طيب سأسألك الآن. ما موقفك منها؟
فضحك باستخفاف وقال لها: صارت ورانا.
وللحقيقة، والتاريخ، أن الدكتور قدري جميل كان على قدر المسؤولية في الكثير من التصريحات والمواقف، فصحيح أن صرف الدولار اليومَ بـ 280 ليرة سورية، إلا أن هذا لم يحدث على أيامه، وبالتالي هو ليس مسؤولاً عن ذلك، وأما بالنسبة لمنتدى موسكو (2) فلعله المعارض السوري الوحيد الذي لم يعترف بأنه فشل، بدليل ما كتبه سيادته في افتتاحية قاسيون الأخيرة حيث توجه إلى (جمهورية روسيا الاتحادية، حكومة وشعباً، ممثلة بوزارة الخارجية ومعهد الاستشراق، بالشكر والامتنان على الجهود الحثيثة والمخلصة التي تبذلها، انسجاماً مع علاقات الصداقة التاريخية بين شعبينا ودولتينا، في سبيل إعادة إحياء المسار السياسي لحل الأزمة السورية العميقة التي دخلت عامها الخامس. ويؤكد حزب الإرادة الشعبية أن الجولة الثانية من ملتقى موسكو شكلت نقلة نوعية جديدة في مسار الحل السياسي وتثبيته كممر لا بديل عنه لحقن دماء الشعب السوري، وإنهاء معاناته، ووضع حد للكارثة الإنسانية التي تفتك بأبنائه، وبدء معالجة آثارها، وحل القضايا السياسية والإنسانية العالقة.
لا يحق لأحد أن يقول- الآن- إن هذا الكلام إنشائي لا يُفهم له رأس من أساس، إذ يكفي الرجل فخراً أنه هو الوحيد بين المعارضين المشاركين في المنتدى الذي انتبه إلى ضرورة توجيه الشكر لروسيا على كرم الضيافة.. وإن لم يشكرها على الفيتوهات الأربعة التي منعت الوصول إلى أي حل سلمي في سورية، والأسلحة التدميرية التي لم توقف ضخها للنظام من أجل متابعة مسلسله الإجرامي ضد الشعب السوري؛ فما هذا إلا هذا إلا بفعل النسيان، سبحان من لا يسهو ولا ينسى.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية