يعتبر الشعب السوري بجميع أديانه وطوائفه شعباً متديناً، ويحرص أفراده على مراعاة الأمور الدينية في مختلف جوانب حياتهم، ويقومون بالكثير من الأمور أو يحجمون عنها على أساس شرعيتها الدينية أو عدم شرعيتها. وتنتشر في صفوف الشعب السوري روايات كثيرة عن نبوءات ومبشرات، بعضها صحيح ومثبت بالشريعة الدينية، وبعضها الآخر يندرج تحت إطار الأساطير المجهولة المصدر، وبالنتيجة، فتصرفات الكثير من أفراد الشعب قد تتأثر بهذه الروايات أو الأساطير.
يتناقل السوريون حديثاً معروفاً عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن معركة دابق، التي تجري في آخر الزمان بين المسلمين وأعدائهم، وتكون الغلبة فيها للمسلمين. الحديث صحيح وفق الشرع الإسلامي، ولا يشك أحد من المسلمين بحتمية حدوثه، لكنه غير محدد الزمان، وقد استفاد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) منه، وروجوا على أنهم الفئة المذكورة في الحديث والتي ستحقق النصر وتعيد أمجاد الأمة، مستغلين تفسيرات وتأويلات للحديث تخدم هدفهم. وقد تأثر الكثير من الشبان بهذه الرواية وهذه التفسيرات وبدؤوا بالالتحاق في صفوف التنظيم ليكونوا ممن يحقق ذلك الانتصار.
وإن كان المتطرفون الجهاديون قد استفادوا من هذا الحديث لخدمة أهدافهم، فالمتطرفون من الطوائف الأخرى المساندة للنظام لهم رواياتهم أيضاً، وقد روجوا لرواية مذكورة في كتب علماء الشيعة عن (خراب دمشق) الذي يعتبر مقدمة لظهور الإمام المهدي، وقد انتشرت هذه الرواية حتى في بعض الأناشيد التي يرددونها في احتفالاتهم الدينية، منها أنشودة يقول صاحبها: "قدح من درعا الشرر، وخصم مهدينا ظهر، من حرستا ننتظر أول علامة"، حيث يعتبر خراب دمشق بدءاً من حرستا هو الدليل الأكبر على ظهور مهديهم المنتظر.
رواية أخرى تنتشر كثيراً في صفوف السوريين، نبوءة أشعيا، والتي تقول إن الكتاب المقدس عند اليهود تنبأ بدمار دمشق وتحولها إلى ركام. تقول النبوءة: "ها إنَّ دمشق تُزالُ مِن بَينِ المُدُن، فَتَكونُ رُكاماً مِنَ الأَنْقاض". للنبي أشعيا (17/1). ويثير هذا الموضوع غربيون مصنفون على أنهم "أصوليون"، مؤكدين أن النبوءة تتحقق اليوم، ويتبعونها بشيء من الدراما والتنبؤ عن سير الأحداث والتوقعات والتحليلات، والحوادث المستقبلية والحروب التي ستقع في المنطقة. المتخصصون في تفسير الكتاب السماوي اليهودي ينفون هذا الأمر ويقولون بخطأ التفسير، وأن هذه النبوءة لا تخص الزمن الحاضر، وإنما زمنها انقضى وكانت موجهة لبني إسرائيل في الزمن الماضي.
وإن كانت هذه الروايات معروفة المصدر وجرى اللعب على التفسير، فإن أموراً أخرى يتم تداولها لا يعرف مصدرها، وتندرج تحت إطار الأساطير، فالسوريون مثلاً يتناقلون منذ عشرات السنين، ومنذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة، رواية تقول إن العلويين يصلون إلى الحكم ويحكمون لأربعين سنة. وعند انطلاق الثورة ازداد اقتناع الناس بانتصارها القريب نتيجة تفسير هذه الرواية، فحافظ الأسد وصل إلى الحكم رسمياً يوم 12 آذار 1971، والثورة انطلقت رسمياً يوم 15 آذار 2011، لكن الأحداث أثبتت خطأ هذا الأمر واستمر الأسد في الحكم حتى الآن.
ومن الروايات المنتشرة أيضاً، والمرتبطة بسابقتها، أن حكم العلويين لسوريا ينتهي بعد معركة فاصلة تقع في ريف حمص الشمالي بالقرب من مدينة تلبيسة. ومؤخراً بدأ تنظيم "الدولة" بإيلاء تلك المنطقة أهمية كبيرة وخصها بالتركيز، وبايعه هناك أكثر من ألفي مقاتل، وبدأ كذلك بالتقدم في ريف حمص الشرقي لفتح طرق الإمداد إلى هناك، وتشير التوقعات الميدانية إلى اقتراب وقوع معارك عنيفة في تلك المنطقة بين جيش النظام والتنظيم، ويقول أحد المقاتلين الذين بايعوا التنظيم حديثاً: "ستكون هنا نهاية الأسد وأعوانه، نعرف هذا الكلام منذ كنا صغاراً، وسأكون من الجنود الذين ينهون هذا النظام الظالم".
تنتشر هذه الروايات، وغيرها الكثير، في صفوف السوريين، ولا يكاد يخلو حديث عن الثورة والظروف التي تعيشها البلاد من النقاش في هذه الأمور، والتي بات واضحاً أنه ليس الشعب وحده من يهتم بها، بل بعض القياديين أيضاً!
فاضل الحمصي - مساهمة لـ"زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية