إلى الشهيد الإعلامي همام نجار (أبو يزن الحلبي)...
أصوِّرُ رجالاً ونساءً، أصوِّر شبَّاناً وأطفالاً، أصوِّرُ كلَّ شيءٍ يقع في مرمى بصري ويلفت انتباهي.. أصوِّرُ وأصوِّرُ، دون أن أدركَ أنّني عميلٌ للموت!
كثير من صوَرِي أصبحَ أصحابُها في عِدادِ المَوتى؛ كثيراً من صوري أصبحت مواقعُها خراباً ودماراً وأطلالاً.
أُحِسُّ نفسي بقبضة أرقٍ فظيع، وكأنَّ العالمَ المحسوس قد أمسك بي ولن يتركَني إلا بعد أن أصبحَ جثةً باردة، مثل جُثَثِ مَن صوَّرتُهم وهم أحياءٌ... الجميع يحبُّ الظهورَ والوقوفَ أمامَ عدستي ـ عدسة الموت: يوظب هندامه، يضحَك، يمثّل، يرتبك قليلاً، يتفوَّه ببعض الكلمات... ثم يموت بعد أن أطلقَ عليه رصاص عدستي!
أيُّها الميّتُ ذكرياتُك ما زالت تنتظر على الدّروب والأزقّة المهجورة كرحلةِ أحلامٍ جميلة؛ فقد كان لك كونٌ يخصُّك، بدأ كبيراً مع اتساع أحلامك، ثم انتهى إلى عالَمٍ صغيرٍ ضيّق، عالَم لا يتَّسِعُ سوى لجسدك المشوَّهِ بالشظايا الحاقدة والمثخَن بجراحها، لجسدك المنهَكِ من رحلةِ حياةٍ قصيرةٍ متعبة.
أشعر بنفسي بعدَ أول نبضة حداد في موشور العدسة.. أغرق بعوالمَ لا مرئيَّة.. أرى أطيافَ من رحلوا.. أكلّم أشباحَهم، ألمسُ بأطراف العدسة بقاياهم المُسَربَلة بالدماء؛ ثم أصمت لبرهة؛ أعود بعدها لأسأل نفسي بنبراتٍ محزونة: "هل لصُوَرِ الموتى ذكرياتٌ؟".. يأتي الصَّدى بكلماتٍ مقطّعة: "آهٍ يا عدستي؛ جُلُّ مَن صورتيهم أصبحوا ألوانَ قوسٍ قزحيةً في عيونك المرئيّة!"..
قريباً في الوطنِ يقتلني الحنينُ إليك يا عدستي، وتُنهِكُني الذكرياتُ المقعّرة؛ لتبقى كلماتُ نورمان سبير "محفوظات الذاكرة رهنٌ بسرعة النسيان" تدُقُّ مع نبضاتِ قلبٍ يقتربُ من عزفِ آخرِ نوطاتها الأسطورية...
د. علي حافظ - مشاركة لـ "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية