أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حوار مع زوجتي عن الطائفية.. ميخائيل سعد

قالت لي زوجتي المسيحية، وقد سمعتني أتحدث هاتفيا مع أحد الأصدقاء: ما لك يا رجل تتكلم كثيرا بالطائفية، وعهدي بك مذ عرفتك قبل ٣٥ سنة، أن الطائفية؛ كلاما وفعلا لا تمر على لسانك أو من بين يديك، فما بالك الآن كلما لفظت كلمتين تكون إحداهما على علاقة بالطائفية؟

التفت إليها، وقد غاظني سؤالها، وكأن ما يجري في سوريا منذ أربع سنوات لا يعنيها، أو لم تسمع به، وعهدي بها أنها لم تكن في أي يوم من الأيام في حزب "يساري" أو "قومي"، أو أن أهلها، الذين هربوا من بيوتهم ومن مدينتهم تحت ضغط الحرب، قد خرجوا في نزهة صيد طويلة أوصلتهم إلى مدن سورية ولبنانية أخرى، ولم يعودوا قادرين على العودة إلى مدينتهم وبيوتهم، وقلت لها في فورة غضبي: يمكنك الاتصال هاتفيا بأهلك على حسابي، وسؤالهم عن الخضار والفواكه والخبز واللحم والثياب والمدارس والبراميل المتفجرة وجرات الغاز والمازوت، أليس لكل ذلك عندهم لونه الطائفي ومصدره الطائفي؟ أليس لحبة الدواء التي تصلهم طعمها الطائفي؟ أليس للبندقية والقذيفة انفجاراتها الطائفية؟ أليس "لسكاكين المطابخ" في مدنهم شفراتها الطائفية؟ أليس للدماء التي تسيل في أغلبية المناطق السورية لونها الأحمر الطائفي؟

اسألي أهلك عن ذلك بالتفصيل ثم اعلميني بآرائهم، علما أنهم، حتى الآن، لم يصبهم برميل متفجر، ولم يُقتل لهم أحد، ولم يغتصب أحد بنتا من بناتهم، ولم يمت أحد منهم تحت التعذيب في المعتقلات، فكيف لو سألتك أن تتعرفي على ضحايا المذابح الجماعية وانتمائهم إلى لون طائفي واحد، ماذا ستقولين عندها؟

كيف تستغربين بعد ذلك أن يتحدث السوري عن الطائفية، وهو يرى كل شيء من منظور طائفي! ومع ذلك أريد أن أقول لك، من باب الحرص على مستقبل سوريا وتنوعها الطائفي، إن الفهم الحقيقي لما يجري على الأرض يتطلب من المهتمين والباحثين عن الحقائق فكفكة عناصر الواقع وتسمية كل عنصر باسمه الحقيقي، ثم إعادة التركيب والتعامل مع النتيجة أو النتائج. 

إن قراءة الجزئيات تقول إن البعد الطائفي هو العنصر الفاعل الذي اعتمده الأسد في حربه على الشعب، ليس لأن نظام الأسد لا يستطيع النوم قبل أداء الصلوات العلوية، ولكن لأن الكثير من أدواته الساذجة تعتقد فعلا أنها في دفاعها عن الأسد إنما تدافع عن نفسها. وكانت ردة فعل الناس هي طائفية أيضا وتعادل أحيانا سذاجة جماعة النظام، وخاصة بعد أن شاهدوا كيف أن بقية الطوائف تصفق للنظام، برغبتها أو رغما عنها، ولكن المحصلة أن الجميع غرق في هذه الطائفية، بما فيهم أنا زوجك الذي لم يكن طائفيا في أي لحظة من لحظات حياته. ولا شك أنك تذكرين عدد المرات التي كتبت فيها وصرخت، أنا وغيري، أن على المسيحيين وقادتهم الدينيين الانفكاك عن نظام الأسد، موضحين أن جميع الطوائف بالنسبة لآل الأسد ليسوا أكثر من حطب لإشعال النار التي تحميهم من غضب الشعب، ولكن للأسف لم يلتفت أحد.

قالت زوجتي، وقد تراجعت حدة اتهاماتها لي بالطائفية: لنبتعد عن بيت الأسد وممارساتهم، انظر ماذا يحدث في الوسط الإسلامي؟ انظر كيف يذبحون بعضهم البعض؟ قلت لها: إنهم يقتلون بعضهم على الهوية أيضا، يعني إنهم يمارسون الطائفية ضد بعضهم؛ فطائفة الجهاديين تختلف عن طائفية السنة المعتدلين، بل إن بين كل صنف من هؤلاء مجموعة من الطوائف. مثلا طائفة داعش تختلف عن طائفة النصرة وكل طائفة منهما تريد إبادة الأخرى، وطائفة الأنصار تختلف عن طائفة المهاجرين. وطائفة جيش الإسلام تختلف عن طائفة أجناد بيت المقدس، وكل منهما تريد إفناء الأخرى كي تصل قبل الجميع إلى "الجنة" ومكاسبها، ويمكن قياس ذلك على بقية الطوائف في "الثورة" السورية، بما في ذلك الطوائف السياسية، التي تبحث عن جنتها في البنوك العالمية.

قالت زوجتي، وقد أعياها الاستماع إلى "نقّي" الطائفي: ولكن ألا تستمع لما تقوله التلفزيونات الكندية عن "التوحش" الإسلامي؟

قلت لها، وقد تعبت بدوري من الحديث مع سيدة، هي في النهاية زوجتي وليست عشيقتي، كي يكون بالي أطول من ذلك معها:
يحلو للبعض في الغرب والشرق، يا عزيزتي، ربط العنف بالإسلام، حتى غدا وكأنه ماركة مسجلة باسمه، وكأنهم يُريدون منا الاعتقاد أن القضاء على العنف لا يمكن أن يكون إلا بالقضاء على الإسلام والمسلمين، كل ذلك لتبرئة الاستبداد، الذي خلقوه ويدعمونه، من الشرور، وهذا ما يبحث عنه نظام الأسد، واسمحي لي هنا أن أسألك: أليس في موقف الغرب هذا نوع من الطائفية أيضا؟

وفي ذاكرتي، يا حبيبتي، بعض القصص عن العنف المسيحي الغربي ضد نفسه والآخرين أستطيع روايتها لك في الليالي التي يهجرك النوم فيها.

(143)    هل أعجبتك المقالة (141)

7kim

2015-04-14

ههههههه طلقها شو بدك بوجع الراس.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي