هدية أوباما لإيران.. د. عوض السليمان*

قبل عدة أسابيع، صرح كيري، من الرياض، أنه لن يسمح لإيران أن تقوم بأي عمل استفزازي يعرض أمن المنطقة للخطر، ومع أن أتباعه في بعض العواصم الخليجية فرحوا لهذا التصريح، إلا أننا فسرنا ذلك وقتها بأن الولايات المتحدة تعبر عن قناعتها بأن إيران دولة عضو في المجتمع الدولي وأنها لم تقم بأي عمليات استفزازية وأنها لن تعرض أمن المنطقة للخطر، وهذا أمر واضح يدركه أي متتبع لسياسة واشنطن.
شكا السعوديون على وجه الخصوص لكيري ومن خلاله لسيد البيت الأبيض أنهم خائفون على استقرارهم أن يخطفه الحوثيون، وأن وجوههم أصبحت أشد قمئاً أمام الشعوب العربية بسبب جبنهم عن مواجهة المد الإيراني – الشيعي في دول العالم الإسلامي كافة.
وافقت الولايات المتحدة على "عاصفة الحزم" مدعية الحاجة لتحجيم دور فارس في اليمن، وفرحت السعودية خاصة، أيما فرح بذلك القرار وكانت تظن أن واشنطن تلتزم بهذه الطريقة للرياض بتعهداتها المقطوعة منذ عشرات السنين بحمايتها مقابل تبعية شبه كاملة بل وتحكم في الثروات والقرارات.
بدأت "العاصفة" منذ أسبوعين تقريباً، وقد لا حظنا في المقالين السابقين أن ردة الفعل الإيرانية كانت محدودة جداً على هجوم التحالف العشري على ميليشياتها في الأراضي اليمنية، ونبهنا على أن الأمر مجرد اتفاقات مع طهران لتوسيع نفوذها في مناطق أكثر أهمية، أو التآمر معها في قضية أخرى.
لم يجانبنا الصواب، فقد أُهدي لإيران اتفاق نووي يؤكد ما ذهبنا إليه، تقوم الدول الغربية من خلاله بإعادة علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، وتسمح لها في الوقت نفسه ببعض التخصيب في المجالات السلمية كما تدعي. وإذ بالرئيس أوباما يكافئ إيران على صمتها في اليمن، كمن يعشق الجارتين ويلعب على الحبلين. فقد خدع العرب الذين انطلت عليهم اللعبة، أو تآمروا على قبولها كعادتهم منذ العام 1917. وكانت القصة أن أوباما رمى "عظمة" يتسلى بها العرب في اليمن، بينما ذهب يتفق مع إيران على الملفات الأشد حساسية وأهمية.
لم تتحدث واشنطن ولا الرياض طبعاً، عن تحجيم المد الشيعي - الفارسي في سورية ولبنان والعراق، بل على العكس تماماً، فقد كان من أول نتائج "العاصفة" أن الجامعة العربية رفضت إعطاء مقعد سورية لوفد المعارضة. بينما انصب اهتمام وسائل الإعلام العربية والعالمية على الحديث حول ما يجري في اليمن، متناسية مجازر الأسد في سورية ومجازر الشيعة في العراق.
من جديد، يعود كيري اليوم ليؤكد أن الولايات المتحدة تعرف حجم الدعم الإيراني لقوات الحوثي، وأنه لن يسمح لطهران بالتلاعب باستقرار المنطقة، ومن جديد يصدق حكام الخليج القصة، إذ تكفيهم على ما يبدو بعض مجاملات البيت الأبيض وما هي بمجاملة وإنما سخرية مفضوحة.
ومن جديد أيضاً، تثبت الولايات المتحدة الأمريكية أنها أحد ألدّ أعداء العرب والمسلمين، والسوريين على وجه الخصوص، وأن أوباما أحد المجرمين الرئيسين في الاعتداء على الشعب السوري، فالمرة الأولى امتنع عن ضرب الأسد عند تسليم الأخير لسلاحه النووي، وفي هذه المرة يعترف بإيران دولة فاعلة في المجتمع الدولي، ويساهم في رفع العقوبات عنها من أجل السلاح النووي أيضاً. أما عند الحديث عن الشعب السوري، فإن الأفضل لأوباما أن يستمتع بتهجيرهم، وقتل الثوار منهم، ومنح بيوتهم للشيعة ، مسلما أرضهم لحليف قديم في السر جديد في العلن.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية