أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السعودية قلبت موازين الشرق الأوسط .. وإيران في عين "العاصفة"*

العميد ركن أحمد عسيري المتحدث باسم قوات التحالف - وكالات

لن تستيقظ إيران التي قلبت واقع اليمن عَاْلِيهِ ساْفِلهُ عبر "الحوثيين"، أو ربما هي لا تريد أن تستيقظ، فمن أحلامها أن تغرق السعودية في الحرب حتى لو مع الشياطين.

منذ اشتعلت سوريا والمحللون يرون أن لا نهاية لما يجري هناك قبل أن يغرق الجميع، البعض قال إن المطلوب هو الثروة المتراكمة في عدد من الصناديق السيادية لدى دول الخليج العربي، وهذا ليس حلم إيران فقط بل حلم الأمريكيين أيضاً.

إيران التي تعاني وضعاً اقتصادياً صعباً، واجتماعياً متضعضعاً، ليس في جعبتها سوى إضعاف الخصم، ولو أنها تملك مقومات الاستمرار بمشروعها التوسعي لما ساومت على ملفها النووي، وكل ما تقوم به هو محاولات لتحسين شروط التفاوض حتى وإن بدا أن نفوذها يتوسع في المنطقة، فمقولات رجال النظام الإيراني حول الامبراطورية التي باتت تسيطر على بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت هي عملية تحفيز، وخطابات مخالبها وتحركات ميليشياتها وانتقال ضباط الحرس الثوري بصورة البطل "THE HERO" هي لعبة تعرف إيران أن مخاطرها أكبر من فوائدها، وهذا ما حصل بالفعل.

يبدو أن الجثة الكبيرة للجمهورية الإسلامية باتت عبئاً ثقيلاً حتى على إيران نفسها، ومن هنا يمكن تفسير سياسة إشعال الحرائق في المنطقة، إذ إن طهران تملك فائض قوة ليس اعتماداً على قدراتها العسكرية والاقتصادية، وإنما بفعل الخواصر الرخوة في منطقة الشرق الأوسط، فهي تجيد استغلال التبعية الدينية المذهبية، وتستثمر في سوء إدارة الدول المضطربة كما هو الحال في أفغانستان ولبنان وسوريا واليمن.
بمراجعة بسيطة لأسبوع واحد من "عاصفة الحزم" التي يخوضها تحالف من عشر دول على رأسها السعودية يمكن رسم خارطة بيانية توضح مواقف الدول ومسارات المرحلة المقبلة ليس في اليمن وحده بل على مستوى الشرق الأوسط.

يضم التحالف دولتين إقليميتين هما السعودية وباكستان، وكتلة عسكرية وبشرية كبيرة، ومجموعة متجانسة من الدول تملك إمكانات اقتصادية ضخمة تؤهلها لخوض وتمويل معركة طويلة الأجل.

إلا أن الملاحظ هو أن الولايات المتحدة والدول الغربية مازالت تعبر عن دعمها بتصريحات خجولة، وهي التي استفادت واستعانت بدول تحالف "عاصفة الحزم" لتغطية حروبها في المنطقة كما حصل في العراق وأفغانستان وأخيراً الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، ويمكن تفسير ابتعاد تلك الدول عن التحشيد لمصلحة التحالف في رغبتها بتمرير اجتماعات 5+1 لتوقيع اتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي، ومن غير المستبعد أن تلك الدول كانت تنظر بعين الريبة لنجاح تحالف ليست هي عضواً أساسياً فيه، ومن هنا فإن الأسابيع المقبلة ستكون محك اختبار للسياسة الدولية تجاه التحولات الجارية في المنطقة.

اتجاهات المعركة في اليمن
بات شبه مؤكد تدمير البنية الأساسية للقوات اليمنية التي يتحكم بها ضباط يدينون بالولاء للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح أو الواقعة تحت سيطرة ميليشيا "الحوثي"، والمكونة من أكثر من 50 لواء من مختلف الاختصاصات، كما أن الأجواء اليمنية أصبحت تحت سيطرة التحالف بشكل شبه كامل، مع قطع عمليات التواصل عبر ضرب غرف التحكم والسيطرة، إلا أن كل ذلك لا يعني أن المعركة انتهت، فمجموعات الحوثي تقوم في تكوينها الأساسي وتدريباتها على أسلوب الميليشيات وحرب العصابات، وعدم وجود قوة فعليه موالية للرئيس عبد ربه منصور هادي للإمساك بالأرض والاكتفاء بمجهودات القبائل قد تفرض مستقبلاً حرباً برية وهو ما يعني أن هناك مراحل من المفترض أن تكون قد وضعت بالحسبان.

في جميع الأحوال ستنتهي "عاصفة الحزم" بتغيير جذري في المشهد السياسي في اليمن يتضمن إعادة ترميز، إذ لن تقبل السعودية استمرار وجود خطر الحوثيين على حدودها الشمالية، وإذا فرضت الحرب البرية فإن التحالف سيكتفي بتطهير شمال اليمن وربما العاصمة صنعاء ومدن مهمة مثل عدن والحديدة، وتأهيل قوى محلية في باقي المناطق.

ليس بعيداً أن تشهد دول الخليج عمليات تخريب من قبل خلايا وجواسيس تديرهم إيران وهذا ما سيشكل ضغطاً كبيراً على الجهود الأمنية لدول مجلس التعاون خلال المرحلة القادمة التي قد تمتد لأشهر أو سنوات.

الوضع الإقليمي: حزب الله بعد الحوثيين
تشكل "عاصفة الحزم" ببعدها الاستراتيجي تغيراً نوعياً سيؤثر في شكل التعاطي مع ملفات المنطقة ومنها سوريا، إذ إن انكشاف إيران أمام الواقع الجديد سيؤدي إلى إضعاف دورها في سوريا وهو ما يزيد في اهتزاز صورة نظام الأسد كما بدا في المعركتين الأخيرتين اللتين نتج عنها تحرير بصرى الشام في ريف درعا الشرقي ومدينة إدلب في الشمال، كما ستكون إيران محكومة على ما يبدو بالجانب الأمني للاتفاق النووي والذي لم تظهر تفاصيله بعد، أضف إلى أن تركيا تجد نفسها مع التطورات الحاصلة ملزمة بلجم إيران إثباتاً لدورها الإقليمي في وقت تتشكل فيه صورة مختلفة للمنطقة، ولعل هذا ما يفسر حوادث التفجير والاضطرابات وهو ما تضعه أجهزة الأمن التركية بالاعتبار مع اقتراب موعد البدء بتدريب مجموعات من "المعارضة السورية المسلحة" على أراضيها.

إيران بدورها ترغب في تعزيز صورة التعاون مع الأمريكيين عبر المساعدة في الحرب على تنظيم الدولة في العراق، وهي بطبيعة الحال تسعى لتعزيز نفوذها في هذا البلد في حال انكفائها في سوريا.

ويبقى موضوع حزب الله الذي بات في وضع حرج بعد مشاركته إلى جانب النظام السوري ما أكسبه عداء شرائح واسعة داخل سوريا وخارجها جراء عملية "التطييف" التي استخدمها بشكل منهجي لتبرير تدخله في سوريا، كما أن الحزب بات غير قادر على الانفكاك من صدام خاسر مع المعارضة المسلحة في المناطق الحدودية من غرب حمص إلى القلمون وصولاً إلى ريف القنيطرة.

الموقف الدولي
نجاح تحالف "عاصفة الحزم" سيجبر دولا كبرى على الدخول فيه لمنع تغيير المعادلات الكلاسيكية في صراعات الشرق الأوسط، وقد تكون فرنسا أولى القوى المنخرطة على اعتبار أنها تشترك مع السعودية في اتفاقات وصفقات عسكرية وتدريبات ومناورات تخص أمن البحر الأحمر حيث تشترك فرنسا والسعودية منذ سنوات في مناورات "القرش الأحمر" للحفاظ على أمن مضيق "باب المندب".

وعلى الضفة الأخرى لا يبدو أن الأوروبيين وحتى الصينيين قادرون على ترك مصير إمدادات النفط في الخليج العربي ومضيق هرمز تحت تهديد حرب إقليمية إذا قررت إيران افتعال أزمة إقليمية، ما يعني أن "عاصفة الحزم" ذاهبة إلى آخرها إلا إذا توافرت شروط سياسية تضمن إنهاء خطر "الحوثيين" وإعادة صياغة معادلة سياسية ليس لعلي عبد الله صالح كشخص دور فيها، وهو أمر يبدو بعيداً مع التشوهات الحاصلة في المؤسسة العسكرية بفعل الولاءات القبيلة والحزبية.

في المحصلة يبدو أن تغييراً حتمياً بدأت مقدماته بخطوة جريئة من الرياض، وهي بطبيعة الحال تحتاج إسناداً قوياً وهي تملك مقومات هذا الإسناد بالنظر إلى طبيعة الدور الاقتصادي والأمني وكذلك الروحي الذي تلعبه المملكة العربية السعودية، ويمكن القول إن استهلاك مقومات "عاصفة الحزم" دون نجاحها أمر مستبعد، فحجم المملكة الاستراتيجي يفوق بمرات حجم "الحوثيين" أو "حزب الله" ويزيد حتى عن حجم إيران.

*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
(171)    هل أعجبتك المقالة (177)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي