أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أحد كبار ضباط حزب الله العسكريين في حديث خاص لـ"الجزيرة توك"

لم أكن أتصور أن من سأقابله سيكون طبيعياً لهذه الدرجة. فقد وضعت صورة مسبقة في ذهني بأنه سيكون رجلاً ضخماً، عريض المنكبين، طويل القامة، تعلو وجهه "عبسة" دائمة للدلالة على جديته وقوة شكيمته، حاد الملامح، لايعرف الابتسام. لكن الواقع كان خلاف ما ذكرت. فقد كانت ابتسامة الحاج عمران - كما أحب أن أناديه- تلوح بين الحين والآخر، وتتحول هذه الابتسامة إلى ضحك خافت حين يشرع بوصف اندحار الجنود الإسرائيليين أمام رجال المقاومة في القرى الجنوبية.
في مسيرتي الصحفية –القصيرة نسبياً- أتيحت لي الفرصة لأجري مقابلات صحفية عديدة، مع وزراء ونواب ومسؤولين كبار.. لكن مقابلتي مع الحاج عمران كانت مختلفة، فحين علمت أن لقاءه اقترب تسارعت دقات قلبي وبدأت ملامح الارتباك تظهر على وجهي عرقاً يسيل من جبيني.

في الذكرى الأولى للعدوان الإسرائيلي على لبنان، كان من السهل على "الجزيرة توك" لقاء أحد مسؤولي حزب الله السياسيين لتقييم عدوان تموز ونتائجه وآثاره. لكن الحرص كان على محاورة قائد ميداني من رجال المقاومة. فما جرى من ملاحم وبطولات على تخوم فلسطين يستحق –على الأقل- حواراً مع أحد أبرز قادة الجنود المجهولين الذي صاغوا هذا الانتصار وأسهموا –بفضل الله أولاً كما يصر الحاج عمران- على كسر هيبة الآلة العسكرية الإسرائيلية.

ولا يخفى على القارئ أن التدابير الأمنية التي يتخذها قادة المقاومة تحتم علينا - كصحافيين- الامتناع عن التصوير أو حتى الحصول على تسجيل صوتي للمقابلة. وفيما يلي نص الحوار:

الجزيرة توك: نبدأ من عملية الأسر التي نفذها حزب الله، ماذا توقعت المقاومة ردة فعل إسرائيل على هذه العملية؟

* بعد العملية كان لابد من من أن يكون هناك ردة فعل عليها، وكنا على ثقة بأنها ستكون بوتيرة أعلى مما كانت عليه في السابق، نظراً لتبدل الظروف الميدانية والجغرافية بالنسبة للعملية. في السابق كانت العمليات تجري في مزارع شبعا اللبنانية، لكن العملية الأخيرة لم تكن كذلك. فالنطاق الجغرافي للعملية كان مختلفاً وذو حساسية معينة عند العدو الإسرائيلي، وكان منتظراً بالنسبة لنا أن تكون وتيرة ردة الفعل أعلى من سابقاتها.

الجزيرة توك:هل توقعتم ماجرى؟

قيادة المقاومة توقعت أمرين أساسيين: الأول هو قيام العدو الإسرائيلي بشن غارات جوية مكثفة تطال العمق اللبناني بوتيرة أكبر، وعمق جغرافي أعمق، وكثافة أعلى. الأمر الآخر هو مسعى من العدو لإفشال عملية تهريب الأسرى إلى مكان آمن، عن طريق القيام بتعقب ميداني بري. ما سبق أن توقعناه حصل، لكن بدأت تظهر ملامح عدوان كبير حين بدأ استهداف الجسور بكثافة، أدركنا حينها أننا لسنا بمواجهة ردة فعل عادية.

الجزيرة توك: لو أحسن الإسرائيليون التصرف هل كان يمكن لهم استرجاع أسراهم؟

الفشل الميداني غير وارد بالنسبة إلينا. نحن في قيادة المقاومة لانتجه إلى أي عمل إلا إذا كانت نسبة نجاحه عالية. وهذه الثقة العالية ناتجة عن الجهود المبذولة من قبلنا. لأنه قبل عزمنا على القيام بأي عملية نناقش جميع الفرضيات الممكنة ونضع حلاً لها. لذلك الفشل الميداني غير وارد عندنا.

الجزيرة توك: قبل عملية الأسر بأشهر أعلن أمين عام حزب الله عن عزم المقاومة أسر جنود إسرائيليين، وكان الجانب الإسرائيلي من جهته جاهزاً لمواجهة فرضية مماثلة. ألم تكن المقاومة فاقدة لعنصر المفاجأة في تنفيذ هذه العملية؟

لقد قطعنا شوطاً كبيراً حتى وصلنا إلى مستوى بتنا نعرف تفاصيل كثيرة عن الجيش الإسرائيلي. المستوى السياسي في المقاومة كان قد أنذر بعملية أسر، والأسر على كل حال جزء من استراتيجيتنا، والإسرائيلي يعرف ذلك بشكل واضح، وهو كان يتوقع العملية وأجرى مناورات عسكرية لمنع حصوله. لكن المقاومة كانت تتحكم بالزمان والمكان والكيفية. كل هذه الأمور جعلت المبادرة في يد المقاومة. ودليل ما ما أقول أن جيش الاحتلال لم يدرك بوقوع عملية الأسر إلا بعد مرور ساعة من وقوعها.

 

الجزيرة توك:ارتكبت إسرائيل أخطاء في عدوانها على لبنان، وهي اعترفت بارتكاب هذه الأخطاء. هل بنيتم انتصاركم على أخطاء إسرائيل؟

حين خاض الإسرائيلي الحرب كان هدفه الانتصار. والأخطاء التي ارتكبها وأدت إلى هزيمته كانت نتيجة جهود المقاومة ولم تكن سبباً للهزيمة. فنحن أحسنا الاستفادة من الأرض ومن السلاح الذي بحوزتنا، وأحسنا الاستفادة من قدراتنا البشرية، إضافة إلى فهمنا الجيد لعدونا. وبناء على ذلك، قمنا بتوجيه ضربات مركزة على عدونا، مما أدى لتجزأته. كما أننا نجحنا في إيقاع العدو بعدد من المشاكل اللوجستية والتكتيكية، وأوقعناه في حالة من انعدام الثقة بين القيادة والميدان، حيث تمكنا من إبعاد الجندي من الدبابة والمروحية، وبالتالي فإن التركيبة الفولاذية التي يتشكل منها العدو الإسرائيلي باتت مفككة.

الجزيرة توك:لكن ما سبق كان أخطاء ارتكبها الاحتلال، وليس لكم كمقاومة فضل في ارتكابها.

لقد قامت إسرائيل بتسمية هزيمتها وفشلها على أنها أخطاء يمكن معالجتها في المستقبل. فبالنسبة للجيش الإسرائيلي موضوع الهزيمة بالغ الحساسية. يمكن لأي جيش في العالم أن يعلن هزيمته، لكن هزيمة الجيش الإسرائيلي تتعلق بوجوده وكيانه كدولة.

الجزيرة توك: قيل أن البارجة الإسرائيلية التي تمّ استهدفتها، جرى إطلاق صاروخ عليها من على شاطئ بيروت، من منطقة الأوزاعي تحديداً، هل هذا الكلام صحيح؟

ليس بالضرورة. ولكنه ممكن. على كل حال هذه مازالت أسرار عسكرية لايمكن كشفها.

الجزيرة توك:ألا يعرف العدو الإسرائيلي حقيقة هذه الأمور برأيك؟

فليقم الإسرائيلي ببذل الجهد كي يعرف هذه المعلومات، فلماذا أعطيه إياها بالمجان.

الجزيرة توك: هل كانت المقاومة مهيأة لمواجهة عدوان شبيه لما تعرض له لبنان؟

لقد حضرنا أنفسنا وشبابنا على القتال حتى الرمق الأخير. صحيح أن المقاومة تعمل ضمن منظومة منسجمة ومتكاملة تنسق فيما بينها، لكن في الميدان الوضع يختلف. نحن نعمل باستقلالية تامة، وهذا يعطي هامشاً كبيراً في الحركة وفي اتخاذ القرار. فعلى مستوى المناورة كانت لدينا قدرة كبيرة في الاستمرار في الحرب ولو استمرت شهوراً. ومن يتابع مسار الحرب في ثلثها الأخير، يجد أن الإسرائيلي كان يستمر في عدوانه دون أفق واضح، فهو أدرك أن هجومه فشل، وأن الأمر بالنسبة إليه بات تمضية وقت وصولاً إلى مخرج سياسي يتيح له إيقاف الحرب بشكل يحفظ ماء وجهه.

الجزيرة توك: نشرت بعض وسائل الإعلام تقارير تشير إلى احتمال تكرار العدوان مرة أخرى هل لديكم قدرة على مواجهة عدوان آخر بعد سنة واحدة على مواجهتكم العدوان الماضي؟

المعركة ستكون بالنسبة إلينا أسهل بكثير. عندما يباشر الإنسان أمراً للمرة الأولى يشعر بصعوبة في إنجازه، لكن عند التكرار تصبح الأمور أسهل. وكذلك ستكون بالنسبة إلينا حرب جديدة مع العدو. نحن ندرك أن العدو الإسرائيلي في حال شن حرباً جديدة فإن التحضير اللوجستي لها سيكون أكبر من سابقتها، وسيحتم عليه القيام بجهود كبيرة لضمان الانتصار فيما فشل في تحقيقه في السابق. أنا أفترض منذ الآن أن الحرب المقبلة -لو وقعت- ستكون أكبر من سابقتها.

الجزيرة توك: لكن العدو من جانبه اعتاد كذلك على مواجهتكم، وأدرك طريقة تحرككم، إضافة إلى أنه سيتجنب الأخطاء التي ارتكبها في حربه السابقة.

عدونا هو المكشوف وليس نحن. نحن نعمل بنمط العصابات، بينما العدو هو المكشوف بالنسبة لنا. الفرق بيننا وبينه أننا عبارة عن مجموعات مدربة متفرقة تتألف من خمسة أفراد على الأكثر نتمركز في واد، أو تحت شجرة، أو وراء صخرة، معنا سلاح ونحسن استخدامه. كما أننا نحسن الاستفادة من الأرض التي نحفظها جيداً لأنها أرضنا. فنحن أصحاب أرض وأصحاب قضية محقة. ناهيك عن تراكم الخبرة الذي حازه شبابنا في الحرب الأخيرة. كل هذه الأمور تدفعنا للثقة بأن حرباً قادمة ستكون حتماً أسهل بالنسبة إلينا من التي سبقت.

الجزيرة توك: لكن ألا تخشون أن تعيق قوات اليونيفيل المنتشرة جنوب الليطاني حركتكم وأن تساهم في كشفكم؟

قوات الطوارئ موجودة في أماكن محددة تقوم بدورها ومهمتها الموكلة إليها وهذا شأن لاعلاقة لنا به. وهي لن تشكل مانعاً أو عائقاً بالنسبة إلينا. لكن إن عادت الحرب فإننا سنحارب عدونا أينما كان، ونحن نضمن انتصارنا لأننا نعرف كيف يتحرك.

الجزيرة توك: قيل بعد انتهاء عدوان تموز أن ذخيرة المقاومة لم تنفذ ولم تتأثر، لكن صفوفها تأثرت وتضعضعت بشكل كبير، ما صحة هذا القول؟

صحيح لقد تضعضعت صفوفنا بشكل كبير!! لدرجة أن حرباً كالتي حصلت لم نفقد خلالها سوى ثلاثة قادة ميدانيين فقط. كيف لصفوفنا إذاً أن تكون تأثرت. إن مستوى طاقتنا البشرية بات أقوى بكثير مما كنا عليه في السابق.

الجزيرة توك: ما هو تقييمك العسكري للمقاتل الإسرائيلي، بغض النظر عن العدائية تجاهه؟

الجندي الإسرائيلي مقاتل ضعيف، وما يُظهر الإسرائيلي غير ذلك هي المنظومة اللوجستية المحيطة به. وقوته التي تظهر للعلن ولوسائل الإعلام هي التي تستند إلى منظومة الآلة العسكرية الضخمة التي ترافقه، وبالتالي من الطبيعي أن يظهر قوياً. أما الإسرائيلي بمفرده مجرداً من الآلة العسكرية فهو لايساوي الكثير عملياً. أنا أتحدث عن أمور خبرناها بالتجربة الميدانية. ولا أخفيك أنني أوصي إخواني من المقاومين أن يثبتوا في المواجهات حتى سقوط نقطة الدم الأولى من الإسرائيلي، لأن المعركة حينها تكون قد انتهت بفراره وانهزامه. أضرب مثالاً على ما أقول ما جرى في عدوان تموز في قرية حداثا في الجنوب، فحين أصيب قائد سرية من لواء غولاني بشظية صغيرة في عينه هربت السرية بأكملها من المكان. أمر آخر لابد من ذكره وهو أن العدو الإسرائيلي لايقاتلنا بتشكيلات صغيرة. أصغر تشكيل للعدو يتألف من 15 مقاتلاً، في حين أن أكبر تشكيل لنا يتألف من خمسة مقاتلين. فكان الخمس عشرة يفرون من المقاومين الخمسة علماً أن العدو تسانده المدفعية والمروحية والدبابة والمناظير الليلية والحرارية.. الجندي الإسرائيلي يختلف عنا بالعقائد والمفاهيم والتقاليد.

الجزيرة توك: إلى ما قبل العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، كانت المقاومة تواجه الإسرائيلي عبر حرب العصابات. لكن أداء المقاومة مؤخراً لم يكن حرب عصابات، كما أنه ليس جيشاً نظامياً. ما هو توصيفك للمقاومة عسكرياً؟

لقد قدمت المقاومة خلال عدوان تموز أسلوباً وتكتيكاً خاصاً بها. لقد نجحنا نتيجة انتشارنا وتسليحنا في الجمع بين حرب العصابات والجيوش النظامية، ونحن بذلك أسسنا مدرسة جديدة خاصة بنا. فلم يسبق أن نجحت مقاومة في أي مكان في العالم في استخدام الدفاع الثابت الذي اعتمدناه في الحرب. ومن المعلوم أن قوة الجيوش تقاس بدفاعها وليس بهجومها. نحن باستخدامنا الدفاع الثابت منعنا عبور العدو للأرض، رغم أن قيادتنا تساهلت معنا في موضوع مرور العدو بمناطقنا، لكننا في الميدان صمدنا وجابهنا تقدم العدو.

الجزيرة توك: هل كان وارداً بالنسبة إليكم القيام بعمليات أسر إضافية خلال المواجهات مع العدو؟

من الطبيعي أنه لو توافرت ظروف تتيح لنا أسر المزيد لما تقاعسنا. لكن كما أسلفت فإن تشكيلات المقاومة كانت صغيرة في مواجهة تشكيلات كبيرة. لذلك لم نكن نغامر في القيام بأسر جنود ضمن تشكيلات كبيرة ونحن قلّة.

الجزيرة توك: حين تمّ التوصل لوقف إطلاق النار بعد 33 يوماً من المواجهة، هل تنفستم في المقاومة الصعداء وحمدتم الله على ذلك؟

نحن نحمد الله دائماً. من الطبيعي أن نشعر بالراحة عند إعلان وقف إطلاق النار. فعلى المستوى الفردي للمقاومين كان قد مر عليهم 33 يوماً على الجبهات دون راحة أو نوم. أما على المستوى العام، فنحن كنا نقوم بواجبنا وتكليفنا.

الجزيرة توك: نفهم من هذا الكلام أن مقاوميكم كانوا قد وصلوا إلى مرحلة من الإرهاق الشديد في المعركة؟

نحن ندرب شبابنا على ظروف مماثلة كالتي عاشوها خلال أيام العدوان. وقد اعتادوا الانقطاع عن كل شيء، عن الزوجة والولد، والأهل والأحبة، تدربوا على السهر لأيام دون نوم، على الانقطاع عن الطعام. وهنا أذكر أن كثيراً من المقاومين صاموا خلال أيام الحرب استحباباً، تقرباً منهم إلى الله أولاً، وطلباً للنصر على أعدائهم ثانياً، وحرصاً على المؤنة التي كانت معهم ثالثاً، وتجنباً لقضاء الحاجة بكثرة حماية لمواقعهم رابعاً. وقد كان بإمكاننا الاستمرار لشهور أخرى في هذه الحرب دون أن نتعب.

 

أوّاب إبراهيم - الجزيرة توك - بيروت
(170)    هل أعجبتك المقالة (170)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي