أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بصرى الشام .. فاتحة هزائم إيران قريباً من جبل الدروز*

الكاتب: أكثر ما يخشاه النظام وإيران أن تشكل بصرى الشام مصدر إلهام لأبناء السويداء

"البنادق تُذهب العقول" كما يقول الطاهر وطَّار، ولعل هذا ما حصل مع شيعة بصرى الشام، لتصحو إيران على أوّل هزيمة كاملة لها ستجرّ سلسلة هزائم سيكون سقوط نظام الأسد مجرد تفصيل فيها.

قد يستغرب البعض سرّ مدينة بصرى الشام، وكثيرون لا يعلمون عقدتها وطبيعة ما حصل فيها، وللتاريخ فإن المدينة استقبلت واحتضنت عائلات شيعية هربت من لبنان في ظروف اقتصادية واجتماعية قبل نحو 100 عام، إلا أن هؤلاء الذين تكاثروا حتى وصل عددهم إلى نحو 6 آلاف نسمة فعلوا بأهل حوران ما فعله الذئب بشاةِ الأعرابي الذي رقّ قلبه لجرو ذئب فجعله يرضع من شاةٍ عنده فلما كبر بَقَرَ بطن الشاةِ وقتلها فقال فيه الرجل:
بقرت شويهتي وفجعت قلبي
وأنت لشاتنا ولدٌ ربيبُ
منذ اشتعلت الثورة وقف الشيعة في صف النظام، وهم الذين لم يكن أحد من أبناء حوران يفرقهم عن أهله، لكنّهم بطبيعة الحال اختاروا بعد ثورة الخميني وصعود حزب الله أن يتغوّلوا على أبناء المدينة، فسيطروا على معظم الحياة الاقتصادية فيها متمترسين بنفوذٍ في مؤسسات الدولة.

قد لا تصدقون أن أهل السنة في بصرى وهم معروفون باعتدالهم ذهبوا للصلاة في حسينيتهم بعد أسابيع من اندلاع الثورة حتى يوصلوا لهم رسالة بأننا أهلكم فلا تذهبوا بعيداً، فشلت الرسالة كما فشلت عشرات الرسائل.

أذكر أن حواراً جرى بيني وبين أحد نخبهم وهو زميل دراسة قديم، بعد أن انتقدني مطلع عام 2011 على تدوينة على موقع "فيسبوك" قلت فيها إن تدخل أبواق لبنان مثل فيصل عبد الساتر ورفيق نصر الله وناصر قنديل هو نفخ في كير الدمار، اعترض الرجل وهو طبيب مرموق وقال لي ألا تسمع ما يقوله العرعور؟ فقلت إني ألعن ما يقوله العرعور فهل تلعن ما يقوله حسن نصر الله، فسكت ولم أسمع صوته من يومها.

تلك هي القصة، حيث تم تسليح الشيعة بمن فيهم الأطفال، حتى قاموا بأسر المدينة التي سقط فيها نحو 500 شهيد مدني معظمهم نساء وأطفال. 

أربع سنوات وأهل بصرى الشام مشردون بين مخيمات الأردن وملاجئ مؤقتة في قرى مجاورة، صبروا على ضيمهم فيما إخواننا من اللذين اعتقدوا أنهم يستطيعون تغيير وجه الحقيقة و (هم) يستجلبون مقاتلين من لبنان والعراق وإيران، أما اليوم وخلال 72 ساعة أصبحوا خارج تاريخ المدينة، حملوا عائلاتهم وهربوا ولعلّهم الآن يملؤون معسكر طلائع البعث في محافظة السويداء.

وعلى سيرة السويداء وأهلها، فقد كانت الميليشيات تعول على إمدادات من الشبيحة في الجبل، ومن ثم إشعال مواجهة بين ثوار حوران وأبناء السويداء، إلا أن إطباق حصار الثوار لمداخل بصرى الشام منع عمليات الإمداد كما ساهمت النخب الثورية في درعا والسويداء في منع أي انحراف نحو اقتتال كان يجري التخطيط له منذ زمن.

أعود للحديث عن قيمة بصرى معنوياً واستراتيجياً، إذ يعتبر موقعها أقصى شرق حوران وبمحاذاة قرى جبل العرب بالغ الحساسية والأهمية، والسيطرة عليها تعطي رسالة بأكثر من اتجاه، الأول أن النظام انتهى ولم يعد قادرا حتى على الدفاع عن مجموعات طائفية يحميها الراعي والممول الإيراني، والثانية هي فشل مخطط اللعب على توتير مذهبي بين الجبل والسهل اعتماداً على قضية الشيعة في بصرى، ولعل الحس الوطني عند نخب الدروز تنبه لوجود إيران وهو أمر يتعارض كلياً مع صيغة تفكير أهل الجبل.

الأمر الأهم هو أن المجموعات الشيعية التي كانت تعمل على أرض بصرى الشام كانت تمتلك خاصية الاستقلال في القرار عن أية جهة سورية نظرا لارتباط غرفة عملياتهم بقيادات من حزب الله والحرس الثوري، وهو ما ينطبق على طبيعة التسليح والدعم المادي، ومن ثم الإسناد الإعلامي من خلال قنوات المنار والعالم والميادين وبأوامر من أعلى سلطات الاستخبارات الإيرانية.

وأكثر ما يخشاه النظام وإيران أن تشكل بصرى الشام مصدر إلهام لأبناء السويداء نظرا للعلاقة الطيبة والتاريخية بين الطرفين منذ الثورة السورية الكبرى وعلاقة قياداتها في السهل والجبل ورمزية هذه العلاقة.

لن تستطيع إيران بعد اليوم تقديم النظام على أنه حامي الأقليات، وحتى الشيعة العرب أنفسهم سيرون في تحرير بصرى رسالة بالغة الأهمية على أن إيران تلعب بورقتهم لكنها لا تستطيع حمايتهم وأن الضمانة الوحيدة لهم هي أن ينضموا للمشروع الوطني ليس في سوريا فحسب بل في كل دولة عربية يتواجدون فيها.

وللعلم فإن تحرير مدينة بصرى هو من أنظف العمليات العسكرية للجيش الحر الذي لم يستهدف عائلات الشيعة وأنهى المعركة دون مذبحة طائفية كانت تتمنى إيران وحزب الله أن تحدث للاتكاء عليها في دعايتها الرخيصة للاستمرار في مشروعها التوسعي.

ولعلي أختم بقصة الأعرابي في غدر الذئب عندما قال:
إذا كان الطباع طباع ذئب
فلا أدبٌ يفيد ولا أديبُ
وإن يكُ صدرُ هذا اليومِ ولّى
فإن غداً لناظره قريبُ
وأعتقد جازما أن ما بعد بصرى الشام مختلف تماماً والأحداث شواهد.

*علي عيد - من كتاب "زمان الوصل"
(185)    هل أعجبتك المقالة (192)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي