"1"
بالأمس، جلست وأحد ذواكر مسيرة الثورة السياسية إن جازت التسمية، فالرجل كان شاهدا وموثقا على تأسيس الائتلاف وتوسعته وتتالي رؤسائه وخفايا أعظم.
حكى لي صديقي ما صفعني لحدود اليأس، رغم أني أعلم عن سرّاق الثورة ما يشيّب الرضيع، لكن ما أكده صديقي وبالوثائق والتواريخ والأسماء، جعلني عفويا وربما ساذجا، إذ لم يبق ممن كنت أحترمهم، إلا وله باع برشوة أو بإكرامية، أو بأجر وتذاكر وشراكة بصفقة، على أقل تقدير.
سألت صاحبي، هل الحل بالتستر كي لا ننشر غسيل الثورة وممثليها كما يحسب ويوصي البعض، أم ترى الأمانة الثورية والوطنية تقتضي فضح كل هؤلاء. الرجل لا يتحفظ ومستعد لفتح الأوراق، كل الأوراق، ملفات من أخذ نقودا من رئيس الائتلاف هذا ليستثمر، وملف من أفشل الرئيس ذاك باتفاق أيضا ليستثمر، كما لا ضير لدى صديقي ليقول عن خفايا التكتلات ضمن الائتلاف وكل من يعتاش ولماذا يعلن ويقول ما نرى ونسمع.
تفارقت وصديقي دونما وصول لقرار ورأي موحد حول طريقة وتاريخ فضح هؤلاء التجار المنحطين، وإن اتفقنا على ضرورة البوح وسريعاً، لأن السكوت عنهم أوصل الثورة –أو كان سببا مهماً– إلى ما هي عليه.
"2"
جلست أخيراً ومقاتل بالجيش الحر، انشق عن جيش النظام وقاتل إلى جانب الثوار في معارك عدة، كان آخرها في الغوطة الشرقية، وكان حاضراً على مجزرة الكيماوي، بل وأسعف وأصيب بالقصف وفقد عينه.
قال الشاب ما يصعب على عاقل تصديقه، ليس لمبالغته، بل لهول ما فيه، وعلى بساطة الطرح وسلاسة الأسلوب المتأتية من طيبة المتحدث، بيد أن الشاب شاهد على مرحلة ويمكن اعتباره ضيفاً على "الذاكرة السياسية". المهم في الأمر، أن الشاب مني بخيبات كان آخرها التخلي عن علاجه، بعد أن شهد خيانات وتآمر وتخابر مع النظام، لذا قرر الهجرة والعمل في فرن باسطنبول يأكل وينام فيه لأن إيجار البيت أكثر من أجره الشهري.
"3"
طلب شاب مهجر من إدلب وأسرته من مسؤول معارض أن يؤمّن له خيمة بمخيم اللجوء، وبعد تهرب ووعود، قال المسؤول، أمامك حل واحد، أن تنام وأسرتك أمام باب المخيم، وقتها سيحنّ عليك الأتراك ويدخلونك.
الشاب المصاب بظهره وبعد عملين جراحيين، عاد إلى ريف إدلب، ليموت -حسب ما قال- بشرف في بلده بدل من أن يموت ذلاً أو يبيع شرفه وكرامته خارج البلد.
"4"
آخر اجتماع للهيئة العامة الذي اختتم أمس باسطنبول لم تزد أكلافه على بضع آلاف الدولارات، ببساطة لأنه أول اجتماع يعقد في مبنى الائتلاف، أي لا حجوزات فندقية ولا تذاكر ولا عزائم ولا حتى رشى قبل التصويت.
كانت تكاليف كل اجتماع للهيئة العامة من ذي قبل نحو 125 ألف دولار بحسب تصريح من الأمين العام للائتلاف وليس تخميناً، ولعل ما لا يغيب عن الذاكرة، أن تكاليف إقالة حكومة أحمد طعمة ومن ثم إعادتها نفسها، بلغت نحو 500 ألف دولار، لأن المتابع يذكر أن الإقالة والخلاف ومن ثم التراجع استغرق أربعة اجتماعات.
"5"
ليست هذه السوانح كل مافي الثورة، لأن ثمة سوانح وحكايا لا حصر لها، تبعث الفخر بداخل كل سوري شهد الثورة وعايشها وشارك فيها، فثورة السوريين وحدها من أجمع الجميع على وأدها، لأنها أسقطت الزيف ووريقات التوت عن الجميع، أشخاصا ومواقف ودولا، ويكفي الثورة، رغم كل من ركب عليها واعتبرها عملاً يجب أن لا يتوقف، أنها ألغت أبدية الأسد وستسقط كل عروش الوهم والعمالة ...ولو بعد حين.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية