رؤساء من ورق.. عوض السليمان

لا أجادل حول الاختلافات بين السادة رؤساء الائتلاف الوطني، لناحية المستوى العلمي، والكاريزما، والتاريخ السياسي والمهني. ولكنني أؤكد أنهم جميعاً يتقاسمون صفة واحدة، وهي أنهم جميعاً رؤساء من ورق. يُدارون ولا يديرون، ويُأمرون فيطيعون.
ولأنهم صنعوا من ورق هشّ غير مقوى، تراهم يحجون إلى واشنطن تارة وإلى موسكو أخرى، وتناسوا أن مرجعيتهم الوحيدة هي الشعب السوري، وأربع سنوات من التضحية التي لم يعرف التاريخ لها مثيلاً.
معاذ الخطيب، شيخ مهندس، لا تاريخ نضالياً له، كان يدعو في خطبه للأسد، وكان متأكداً بعد اندلاع الثورة أن الأسد لا يأمر بإطلاق النار على المتظاهرين في درعا. ثم أصبح رئيساً للائتلاف. من أهم تصريحاته أنه لا يقبل التفاوض مع الروس والفرس قتلةِ الشعب السوري، ومن أهم أفعاله أنه فاوضهم على الفور بعد تلك التصريحات، واستنتج من خلاله علمه بالهندسة أن واقع الحال يفرض عليه، أن يحاور النظام مقابل الحصول على جوازات سفر، وإطلاق بعض المعتقلين، وتجرأ على التحدث نيابة عن أولياء الدم. والأهم، أن أحداً لم ينتخبه، وفي عهده أطلق السوريون شعار "الائتلاف لا يمثلني"، والأشد إيذاء أنه يعلم كما نعلم أن تعيينه جاء بسبب ضغوط إقليمية لا شعبية.
أحمد الجربا لا علاقة له بالسياسة أصلاً ولم يسمع بها سابقاً، تعرف إليها عندما تم تعيينه سعودياً رئيساً لائتلاف سوري. وإن كان معاذ يتكلم العربية وعنده ربع كاريزما، فإن الجربا "لا ناقة ولا جمل" اشتهر برفع المنصوب وجر الفاعل، لدرجة أننا كنا نبذل الجهد لفهم عباراته. عُرف بكذبتين عظيمتين: الأولى رفضه القاطع الذهابَ إلى جنيف والتفاوض مع القتلة، والثانية: ادعاؤه أن لديه ضمانات دولية بتنحية الأسد، كان يعلم أنه يكذب، ولكنه نفّذ أوامر المجتمع الدولي، فهو رئيس من ورق، ذهب إلى جنيف معطياً الشرعية للأسد، وكان اسم مجموعته "الطرف الآخر" بينما كان اسم مجموعة بشار "وفد النظام". إلا أن ضحالة الرجل سياسيا لم توفر له أن يفهم ما يدور هناك. وقد نزلت مجموعته في فندق رامي مخلوف وكان من مستشاريه الإعلاميين جهاد بلوط وهو شبيح تابع للأسد. وأسوأ اتهام للجربا أنه ساهم في إيقاف معركة الساحل.
يتكلم هادي البحرة بطريقة أفضل من سابقه، لكنه مشغول بالمعارك الداخلية في الائتلاف، أو ما يسمى "جلد الدب الذي لم يقع " ويدعي الرجل أن لمؤتمر جنيف إيجابيات عظيمة ستظهر لاحقاً، وقد ماتت "لاحقاً" نفسها ولم تظهر تلك الإيجابيات، كان يدعو للعودة إلى سورية ولكنه لم يعد، واقترحنا عليه مراراً أن يغير بنية الائتلاف لتضم ممثلين حقيقيين عن الشعب السوري إلا أنه لم يفعل. ولأنه رجل واقع ومهندس صناعي، اجتمع بنائب وزير الخارجية الروسي والمصري، ويفاخر بأنه مستعد للتفاوض مع وفد النظام كما حدث في جنيف "فهذا أمر معلن ويعرفه الجميع". فقط لم يقل لنا البحرة، إذا كان جميع السوريين أو نصفهم قبل بمفاوضات الطرف الآخر مع وفد النظام. ولأن الرجل ورقي كسابِقَيه، لم يتم تعييه بناء على رغبة الشعب ومصلحة الثورة بل بناء على رغبة إقليمية هو نفسه لا يفهمها.
خالد الخوجا، تاريخ نضالي معروف، نقدره، ولا ننكر تاريخ عائلته أيضاً، ولا مستواه التعليمي، ومن المؤسف أن يكون ورقياً كغيره، كان الأولى أن يستقيل من "بؤرة" الائتلاف، ولم يكن من مصلحته أن يدخل معترك السياسة فتظهر ورقيته على الفور، لدرجة أن الثائر السابق، ذا العلاقة الوطيدة مع الداخل، لا يمانع من مفاوضات غير مشروطة برحيل الأسد، بل ويشغل نفسه بتقديم التوصيفات الدولية للثوار في الداخل بدل تركيزه على إرهاب بشار الأسد وحسب.
أمام الخوجا فرصة لتمثيل الشعب السوري، تبدأ بتغيير بنية الائتلاف نفسه، ودعم معركة الساحل، والتوجّه للداخل، ونفض اليد من المجتمع الدولي، والتركيز على إرهاب الأسد بوصفه العدو الأول. ثم أين إعلام الائتلاف، وشاشاته، وصحفه؟ وما هي وسائل تواصله مع المجتمعات العربية والغربية؟ وأسئلة كثيرة أرجو أن يلتفت إليها.
خالد، مثِّل الشعب السوري ولا تمثل عليه.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية