إذا وجدت هذه المقالة طريقها للنشر، فلابد لي أنا أعترف في بدايتها على الملأ أني خائن، وبدون أن أضع خيانتي بين قوسين، لأنني سأفشي سرا قذرا، يخص أقذر جريمة تتابع البشرية فصولها على الشاشات وشبكات التواصل، وسأقول بكل مباشرة إن أمريكا ليست وحدها من حاربت بطل سوريا المجهول المعلوم "قصير" بأسنانها وأظافرها، بل إن هناك من "المعارضة" من مارس هذا الفعل بدرجة أقل وربما أكثر.
نعم ربما أكثر، فـ"قيصر" الذي خاض أكبر مغامرة عرفها السوريون في تاريخهم الحديث، خاض معها رحلة من العذاب المرّ ليُخرج عائلته وأقاربه ثم ليخرج هو –بمساعدة الجيش الحر- من سوريا، ولم يكن يتخيل أن يأتي يوم يتاجر فيه بعض "المعارضين" بقضيته وما سرب ومن صور، أو أن يهدده –نعم يهدده- مخوفا إياه من التواصل مع أحد ونشر الحقائق، أو أن يضطر "القيصر" لما يشبه التسول حتى يؤمن لقمة عيشه، وكأنما يعيد التاريخ مأساة "يوليوس قيصر" مع "قيصر" سوريا، مع اختلاف الأشخاص والأزمنة والأسباب، لكن "قصير" لايستطيع أن يصرخ على الملأ بعبارة: "حتى أنت يا بروتوس" في وجه من يريدون اغتياله معنويا أو إخفائه عن المسرح، لأن دوره انتهى حسب رؤيتهم... وسأكتفي بهذا القدر حاليا.
سأثير "عش الدبابير"، وغدا أو بعد غد أو ربما اليوم، سيبدأ اللسع أو اللدغ بـصحافي "زمان الوصل"، الذي يهرف بما لايعرف، ويتهم دون دليل، ويحاول تشويه صورة "المعارضة"، وسيكون هذا النقد أو التجريح دليلا على الذين مسهم الكلام، وأحسوا أنهم المعنيون به من بين كل صفوف "المعارضين".
هل بات في الموقف ما يستدعي السكوت، أو يجعلني أستحيي من صفة الخيانة لأني أفشي سرا، وأنا أخون نفسي وإنسانيتي كل لحظة أحاول أن أتأمل وجوه المقتولين تعذيبا، وأنظر إلى بعضهم بنصف عين مخافة أن يتأذى شعوري، فيما احترق شعور أحبائهم وطار صوابهم وهم يرون "حبات عيونهم" ضامرين مذبوحين، حتى إذا حجبت غشاوة الدموع الغزيرة عن الأهل والأصحاب تلك الصور، أتتهم كوابيس التفكير في جحيم العذابات الذي عاناه هؤلاء الشهداء قبل أن يلقوا حتفهم، فتكسرت نصال الفجيعة على ما سبقها من نصال الألم المغروسة في أرواح أمهات وآباء وزوجات وإخوان وخلان وجيران، يعدون بمئات الآلاف.
شخصيا، لم أفجع بعد بصورة قريب أو صديق، وإذا ما حصل ذلك –وهو غير مستبعد- فسأحتقر ذاتي إذا وجدت أن غضبي واحتراقي قد زاد مقارنة بما هو عليه الآن، وأنا ألمح وجوه هؤلاء الشهداء الذين لم يسبق لي أن عرفت أحدا منهم.
لا مأزق للكلمات بعد اليوم، ولا ورطة للغة محالة، وإذا لم يكن بمقدورنا كسوريين –لا كمعارضين لدينا حسابات شتى- أن نموت لأجل شهداء المعتقلات الأسدية، فلنعش على الأقل لأجل ما ماتوا في سبيله.
إيثار عبدالحق-زمان الوصل - نائب رئيس التحرير
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية