متى وجد المال فإن الأيديولوجيا تخرج من النافذة!
لعله ليس من قبيل الصدفة أن اليهود وعلى قلة عددهم استطاعوا ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية أن يمسكوا بتلابيب صناع القرار الدولي من حكومات، ومنظمات وسياسيين حتى وصل الأمر حد أن انتقاد الكيان الصهيوني، أو ذكر اليهود بما لا يرضيهم أمر تحاسب عليه القوانين في العديد من الدول وبحجة معاداة السامية.
ما يغريني باتخاذ اللوبيات اليهودية حول العالم كمثال ومقدمة لهذا المقال هو النجاح الباهر الذي حققه هذا اللوبي من خلال توظيف إمكانياته في سبيل تحقيق جملة اهداف تصب جميعها في خدمة الكيان الصهيوني على أرض الميعاد كما يحلو لهم تسمية فلسطين المحتلة, فقد أدرك أثرياء وساسة وإعلاميو اليهود المنظمون جيداً أن السيطرة على العالم تكمن في السيطرة على ثلاثية: المال – الإعلام – الجنس، فوظفوا هذه العوامل الثلاثة في سبيل تحقيق سيطرتهم على القرار السياسي العالمي ترغيبا وترهيباً وبشكل لا اخلاقي في الكثير من الأحيان.
لقد قام نتنياهو بزيارة واشنطن دون دعوة، ثم ودون ان يستأذن الرئيس أوباما وإن بروتوكوليا ألقى خطبة نارية في الكونغرس الأمريكي إهتزت لها الجدران من شدة تصفيق الأعضاء الجمهوريون، ثم تحدث أمام منظمة إيباك الذراع القوي لليهودية العالمية فهاجم أوباما في عقر داره ودون أن يرف له جفن, وهو ما جعل بعض الشبكات التلفزيونية الأمريكية تتهكم على الرئيس الامريكي، وتطلق عليه النكات الساخرة. فهل كان نتنياهو ليستطيع فعل ذلك لو لم يكن مستندا إلى قوة لوبي يهودي يمسك بتلابيب الساسة، والإعلاميين الأمريكيين فيكمم أفواههم، ويكبل أيديهم.
اللوبيات اليهودية هي الأخطر والأكثر فاعلية، وليس أدل على ذلك من إجبارها الغرب على عدم المساس بنظام بشار أو محاولة إسقاطه, وهو ما سمح له بالإستمرار في القتل والإبادة والتشريد وتدمير سورية لمدة 4 سنين، وبدعم إيراني روسي إماراتي ومصري لاحقا بعد نجاح الإنقلاب السيسي الذي دعمته هذه اللوبيات ولا زالت.
ليس عاراً أو عيبا أن تعمل الدول على حماية مصالحها أو تعزيز نفوذها لكن العار يتمثل في أمرين:
الأول: هو أن يتم تبييض صفحات أنظمة ديكتاتورية، أو أن يسمح لمجرم بحق الإنسانية كبشار الأسد أن يمارس الدعارة السياسية من خلال الترويج الإعلامي بمساعدة مؤسسات إعلامية غربية وبلا أي ضوابط أو مسائلة وبشكل لا أخلاقي. إذ وبعد أسبوع من قيام الأسد بإبادة أكثر من 1400 من المدنيين النيام في غوطتي الشام, خرج المجرم على شبكة بي بي إس متحدثا ليس فقط بالإنكليزية بل بلسان الخائف على الأمريكيين ومحذرا من ثلاثية: تجربة العراق - تململ الأمريكيين من الحرب - خطر القاعدة, التي تقلق بل تخيف الأمريكيين فظهر وكأنه قد تلقى جملة نصائح في العلاقات العامة وأصول مخاطبة الجمهور الغربي.
موقع ويكيليكس وفي تسريباته المؤرخة في 19 مايو2011 نشر رسالة من شركة العلاقات العامة براون لويد جايمس تحتوي على نصائح للنظام السوري لتحسين صورته في الخارج، واتخاذ إجراءات لمواجهة التقارير الإعلامية في الغرب التي تنقل صورة قاتمة لتعامل القوات السورية مع المحتجين والمعارضين السوريين، الذين يتعرضون للتعذيب والترهيب البدني والعقلي, كما ان المؤسسة قد إقترحت على بشار الإكثار من ظهور وتفاعل أسماء الأسد، ورأت أن ذلك سيساعد النظام، وحثت على تنظيم رحلات لأسماء وزوجها للاستماع إلى الناس, كما إقترحت المؤسسة تنظيم اقتراع شعبي حول الإصلاحات، واستحداث مراكز لرصد انعكاسات الرأي العام السوري حول تلك الإصلاحات، وأن يتزامن كل ذلك مع حملة إعلامية تبين مدى صعوبة مهمة الرئيس السوري في تنفيذ الإصلاحات وسط بلد تعمه الفوضى، وأن يكون ذلك من خلال لقاءات صحفية ومقالات رأي..
بشار الأسد وكما والده من قبله استخدم شركات علاقات عامة كشركة بل باتنغر، و شركة براون لويد جايمس انترناشنال وهو ما انتج جملة من الحملات الإعلامية لعل اهمها ما جاء في مقال مجلة فوج في الشهر الثالث من العام 2011 والتي قدمت المجرم وزوجته ونظامه على انهم حضاريون إصلاحيون, وصور سورية كأكثر الدول أمانا في الشرق الأوسط.
. إدعى فيه تنامي شعبية بشار الأسد على الرغم من الأزمة الدائرة في بلاده منذ أكثر من 3 أعوام، مشيراً إلى أنه سيفوز في أي انتخابات شعبية حرة ونزيهة.

مجلة باري ماتش بدورها حاولت تلميع صورة السفاح في اواخر العام 2012 من خلال مقابلة صحفية, ليس هذا وحسب بل إن العديد من المحطات التلفزيونية كفرانس 24 وبي بي سي وتلفزيون الجديد اللبناني والميادين اللبناني الممول إيرانيا وسوريا, إضافة إلى وكالات الأنباء كرويترز عملت وبخبث على تصوير نظام السفاح على أنه النظام الحضاري الحامي لحقوق الأقليات ليس في سورية وحسب بل وفي المنطقة.
داخليا استغل نظام الأسد الدراما السورية في الترويج له وتلميع صورته كممانع، وباني لوطن دمر على يديه في حين أنه قتل أكثر من مليون سوري، وأعطب مليون، وشرد 9 ملايين سوري. حملة العلاقات العامة لنظام بشار عملت وبجد حتى على الصعيد العربي من خلال شراء ضعاف النفوس من الشخصيات والمنظمات والنقايات المهنية والمؤسسات الإعلامية التي جعلت من نفسها شريكة في الجرائم التي يمارسها هذا المجرم بحق شعبه.
الثاني: هو أن لا تستغل الإمكانيات المادية من أجل قضايا الأمة المصيرية، بل من أجل الإساءة إلى الأشقاء كما فعلت حكومة أبو ظبي مع قطر من خلال دفع أموال طائلة لمؤسسات وأشخاص في محاولة لحرمان دولة قطر من استضافة كأس العالم 2022 وذلك بإثارة ملفات كالرشوة، أو حقوق الإنسان أو محاولة وصمها بتهمة دعم الإرهاب وفقط لأن قطر قد حسمت أمرها بالوقوف إلى جانب الحق, وهي حملة تزامنت مع حملة إتهامات قادتها حكومة الكيان الصهيوني ضد دولة قطر عقابا لها على دعمها للفلسطينيين.
دولة الإمارات جاءت في المرتبة 14 عالميا في سجل حقوق الإنسان، وهو مايعتبر مناقضا للعديد من التقارير التي تتحدث عن تكميم الأفواه والإعتقال التعسفي والتعذيب في سجون الإمارات بحق الإماراتيين والأجانب على حد سواء، فضلا عن ترحيل آلاف العرب المعارضين لأنظمة الحكم في بلادهم, ثم احتضان الساقطين من الأنظمة القمعية مع أموالهم المنهوبة ناهيكم عن تبييض اموال المافيات الروسية والعالمية.
مجموعات حقوق الإنسان المدعومة من الإمارات في النرويج وفرنسا، تسعى لتلميع صورة الإمارات في الوقت الذي تشوّه فيه صورة قطر, حتى أن صحيفة نيويورك تايمز ومجلة إنترسيبت قد ذكرتا أن الإمارات أكبر ممولي جماعات الضغط في الولايات المتحدة عام 2013 قد دفعت أموالاً لشركة ضغط بُغية نشر قصص إخبارية مناهضة لقطر في الإعلام الأمريكي، هذه الشركة هي كومستول جروب، ويديرها مسؤولون سابقون في الخزانة الأمريكية مثل ماثيو إبستين، كانوا مسؤولين عن العلاقات مع دول الخليج وإسرائيل، ويديرون ملفات مناهضة تمويل الإرهاب.
شركة استشارات العلاقات العامة بالمملكة المتحدة كويلر أدرجت وزارة الخارجية الإماراتية كواحدة من عملائها منذ تسجيلها في عام 2010 دون تقديم ايضاحات عن نوع الخدمات التي تقدمها للإمارات, فهل هذه مصادفة .؟
إيران بدورها أدركت أهمية اللوبيات السياسية والإعلامية فعملت على دعم مؤسسة علوي وإستخدامها كذراع سياسي وإعلامي يعمل داخل أراضي ما تسميه الشيطان الأكبر, والترويج لنظام الملالي على أنه النظام القادر على حماية مصالح الغرب والأكثر حماية لليهود.
أما المالكي فقد إستغل المال العراقي في تكميم الأفواه وشراء ولاءات العديد من المسؤوليين الغربيين وهو ما فضحه البرلماني ستروان ستيفنسن مؤخرا أمام البرلمان الأوروبي شارحا كيف حاول نظام المالكي شراء سكوته عما يحدث في العراق من جرائم بحق سنة العراق على يد الميليشيات الشيعية التي تحركها إيران.
ما ذكرته آنفاً هو أمثلة بسيطة ليست سوى غيض من فيض عن طبيعة عمل هذه اللوبيات التي تمارس الرذيلة في سوق النخاسة السياسية والإعلامية, همها في ذلك المال ولا شيئ سوى المال.
الكاتبة البريطانية ستونر سوندرز فضحت خبايا المخابرات الأمريكية أثناء الحرب الباردة ولعبة الإعلام الذي يدعي الحيادية في صناعة الرأي العام حسب الطلب، حيث تدار اللعبة بطريقة قذرة تسهم في غسل الأدمغة وتمرير ماترغب به من أجندات حيث مجموعة واسعة من الشخصيات السياسية والمتخصصين في التاريخ والقانون الدولي والمؤسسات التي يديرها مسؤولون أمريكيون وغربيون سابقون يساعدهم إعلاميون متمرسون باتت تشكل لوبي رأي عام ضاغط يقدم خدماته لمن يدفع أكثر, وهو ما يشكل خطرا حقيقيا على الحريات وحقوق الإنسان وقضايا الأمم من خلال تزييف الحقائق أو حتى إختلاقها, وقد أثبتت الأحداث أن المواطن الأمريكي خصوصا والغربي عموما يتأثرون بل ويصدقون ما تقدمه لهم وسائل إعلامهم المحلية.
لقد أسهم سوق النخاسة السياسي والإعلامي بتصوير مجرمي الحرب كـ نتنياهو، وبشار، والمالكي وغيرهم من الديكتاتوريات حول العالم كشخصيات حضارية، في حين كان يتوجب أن يمثلوا أمام محاكم جرائم الحرب الدولية, فجرائمهم لاتخطئها عين لكن المال إستطاع شراء الضمائر وغسل العقول من خلال تزييف الحقائق وبطرق أقل ما يقال عنها أنها قذرة ولا أخلاقية.
مشاركة لـ"زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية