تحل الذكرى الرابعة لانطلاق ثورة الكرامة مثقلة بمخاض ولادتها الذي يأبى الاجتزاء، كما يأبى أنصاف الحلول.
مع اقتحام الثورة عامها الخامس، تعلو صيحات مطالبة بالتجديد، لاستحضار القيم التي خطها أطفال درعا على جدران مدرسة الحرية، والتي لاتزال فاتورتها تدفع يوميا من دماء شعبنا.
وهناك من يدعو إلى إعادة النظر في تراتبية مسارها وخلوة صريحة مع الذات لتقييم الأمور.
في دمشق التي هي مربط الفرس وفيها رأس الأفعى، للثورة هنا حكاية أخرى، ربما تحتاج أكثر من غيرها إلى ذاك التجديد وتلك الخلوة مع الذات.
*الغوطة الشرقية
وفي سياق ضبابية مشهدها، تتموضع السجون الجماعية في أكنافها، وتحديدا غوطتها الشرقية حيث السجن الأكبر، يشاهد العالم حجم الحقد على مئات آلاف المحاصرين فيها، وتضحى "دوما" وأخواتها رمزا للإبادة بالطيران والصواريخ والبراميل وكل أدوات القتل.
وفي الوقت عينه يبقى هذا السجن الجماعي رمزا للثبات والاستبسال، في صواريخ الغوطة التي أعلنت دمشق منطقة عسكرية وأذلت النظام في عقر داره.
في الغوطة الشرقية أيضا وفي الذكرى الرابعة لثورة الكرامة، باتت هي من يمتلك قرار التجوال من عدمه في معقل النظام.
وفيها أصبح قمة طموح الأسد التسلل خلسة تحت جنح الظلام لالتقاط صورة على أطراف جوبر الدمشقي..
وفي الغوطة المحاصرة.. حاجة لجهد جماعي ورص للصفوف في سبيل فك الحصار عن آلاف الأطفال المحاصرين.
*جنوب دمشق
وإلى جنوبها حيث يفنى مئات الأبرياء جوعا في أقدم عاصمة في التاريخ، يتكشف حينها حجم الحصار والألم الذي يعانيه جنوب دمشق وعنوانه مخيم اليرموك، كما تتكشف عورة العالم المنادي بحقوق الإنسان.
هنا يبدو المشهد أكثر قتامة من غيره.
جوع وحصار واقتتال داخلي وخيانات للثورة.. هي العنوان العريض لواقع جنوب العاصمة، وصف للأمراض دون التحري حول مسبباتها، وقد يكون الداء الأبرز في ذلك هو تعدد مصادر الدعم الذي اقتضى تعدد الولاءات والمشارب الفكرية، والذي بدوره أفرز هذا التشتت الكبير والانحراف عن مسار الثورة.
*داريا
ورغم الحصار المطبق المفروض على "داريا"، التي اقترن اسمها بصمود أبنائها، إلا أن مجلسها المحلي استطاع أن ينظم إيقاع مقاتليها وإعلامييها ومؤسساتها المدنية في إطار هرمي موحد.
واستطاعت "داريا" المحاصرة الدفاع عن نفسها والتعايش مع واقعها عبر هذا الجسم الناظم لحياتها.
*دمشق
أما داخل دمشق، قد يجد كثر مبررات لغيابها عن ميدان الثورة، فهي اليوم أشبه بمعسكر كشاف إيراني، وتنتشر مئات الحواجز العسكرية بداخلها.
ويسود غلاء الأسعار وضنك العيش والرعب والبطالة حياة قاطنيها، عدا مهنة التشبيح التي تحولت إلى وظيفة رسمية، وبات لها مكاتب ومراكز تستقطب ضعاف النفوس وممن يأس من مرارة العيش، ليجد في هذه المهنة وسيلة لسد عقدة ما لديه، يسرق ويقتل ويغتصب وينهب كيف يشاء دون حسيب أو رقيب.
*فك الحصار عن ريف دمشق
في الذكرى الرابعة للثورة، في دمشق أحكم النظام حصاره على أعدائه المرابطين على تخوم العاصمة، مجبرا بعضهم على عقد هدن ومصالحات، بعد نجاح سياسة التجويع.
وتمكن النظام من فصل مناطق الغوطة الشرقية وجنوب دمشق والغوطة الغربية عن بعضها، وهي التي تمثل حزام العاصمة.
رغم أن الفاصل بين هذه المناطق الثلاث شارعان رئيسيان هما طريق مطار دمشق الدولي وطريق درعا دمشق، والذين يعتبرهما النظام شريان حياته، يمنع بأي شكل الاقتراب منهما.
*دمشق قبلة النصر
مع مرور مايقارب نصف عقد على انطلاق ثورة الكرامة، تبقى دمشق هي البوصلة والمحرك، فجميع معارك حوران والجنوب والشمال، ماهي إلا خطوات على طريق الوصول إلى دمشق، والتي بتحريرها ستدخل الثورة مرحلة جديدة.
لابد في هذه الذكرى من إعادة النظر في مسار الثورة في دمشق وريفها، وتبني استراتيجية جديدة حيال هذا، وإدراك أهمية "الطفرة" في التحولات الاجتماعية والتاريخية، بدلا من انتظار قطرات المياه حتى تملأ الكأس قطرة تلو أخرى، والتي تستنزف الطاقات والأرواح والوقت.
ولابد من قراءة تاريخية وعلمية لطبيعة الأنظمة الشمولية والقبلية، كنظام الأسد الذي يحتل سوريا، والذي بقطع رأسه سينهار الجسد ويفنى على الفور.
أسرة تحرير "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية