لا أظن الشيعة العرب يحبون الصورة التي بات يظهر فيها مذهبهم ليس كمذهب قاتل وتابع فقط، بل كمذهب طقوسي ندبيّ، ودليلي على ذلك التطبير، والنواح، وشج الرؤوس، والمتعة، وزاد في الأمر بيع بعض الشباب لأنفسهم من أجل ظهور المهدي، فبات الشيعة طائفة من صناع الخرافات والفلكلور ومحبي الانتقام.
ليس عندي في تحليل السياسة ما يفيد، فما نعيشه اليوم يحتاج رجل مخابرات أو رجل دين ولا فرق أن يكون من أئمة الشيعة أو منظري "داعش" والقاعدة فهم في ملعب واحد.
يدور في ذهني سؤال حول الانتماء في الوقت الذي ينتصر فيه الشيعة العرب لمشروع إيران، ويوزع بعضهم "البقلاوة" فرحاً بقتله أخيه العربي.
قرأت قبل سنوات لأبي حيان التوحيدي ما يشبه السجال في فضل الأمم ومنها العجم الفرس والعرب، وأحب أن أسرد بعض ما قرأت لعل في التاريخ ما يفيد.
ينقل التوحيدي في "الليلة السادسة" من كتابه "الإمتاع والمؤانسة" عن القاضي أبو حامد المروروذي قوله: لو كانت الفضائل كلها بعقدها وسمطها، ونظمها ونثرها، مجموعةً للفرس، ومصبوبةً على أرؤسهم، ومعلقةً بآذانهم، وطالعةً من جباههم، لكان لا ينبغي أن يذكروا شأنها، وأن يخرسوا عن دقها وجلها، مع (وطئهم) الأمهات والأخوات والبنات فإن هذا شر كريهٌ بالطباع، وضعيف بالسماع، ومردود عند كل ذي فطرة سليمة، ومستبشع في نفس كل من له جبلة معتدلة".
ويضيف المروروذي أن "من تمام طغيانهم، وشدة بهتانهم، أنهم زعموا أن هذا بإذن من الله تعالى".
تلك التركيبة النفسية للفرس لا تتسق بالمطلق مع طبيعة العرب وقد جاء هذا في ذات السياق عند التوحيدي وغيره ممن نقل عنهم السجال في طبيعة الفرس، وتمايز العرب عنهم.
قد لا ينتبه كثير من الشيعة العرب إلى أن الإيرانيين يفاخرون حتى اليوم بكسرى وفارس أكثر من اعتدادهم بالإسلام، وهو ما يظهر على بعض القنوات الإعلامية والمنابر عبر سبّ عمر بن الخطاب واعتزازهم بقاتله فيروز "أبو لؤلؤة".
ماذا تريد إيران؟ .. هو سؤال يمكن تدوير الإجابة عليه بين الدِّين وصراع السيطرة والقوة وعُقد التاريخ، أما أنا فعندي رغبة أن أنتقل إلى مكان آخر، حيث الصراع الثقافي وعقدة الشيزوفرينيا التاريخية لدى الفرس وورثتهم الإيرانيين.
لا أنكر نوازعي الشخصية في مقاربة هذا الموضوع، فأنا بالطبيعة وإن كنت غير متيَّمٍ بعروبتي لكثرة أمراضها، فإنني أنفر من "ثيمة" دولة الملالي بالفطرة، ولعلّ هذا النفور هو تعبير عن تراكم في الصورة والنمط الذهني لثقافة تلك البلاد وطبيعة أهلها، وإن كنت معجباً بالموسيقى والسينما وبعض أوجه الحضارة التي تمكنت من اختراق العباءة السوداء في بعض الأحيان.
كل ما سبق لا يجعل ذهني مشوشاً بضرورة الفصل عند الحديث عن المذهبيات، بأن تاريخنا العربي المعاصر على الأقل يفتخر بأسماء علماء وشعراء ومفكرين وشخصيات بارزة في كل مجال، كما أن من الشيعة الفرس علماء أسهموا في نهضة الأمة الإسلامية.
مع ما سبق فإنني أميل إلى ضرورة إفهام الشيعة العرب بأنّ الجنة ليست بمفتاح يمنحه "آية الله" للإنسان ويدفعه به للقتال دفاعاً عن آل البيت، أو عن مقام ليس ملكاً بالأساس لمذهب فكيف يكون ملكاً لإيران.
يؤمِّن فكر التقليد مع الغرائزية بممارسة الطقوس كالنحيب والتطبير واللطم لرجال الدين الشيعة مساحة واسعة للعب واستغلال البسطاء، وليس غريباً أن ترى أفغانياً جلبته إيران إلى ريف إدلب ليقول بعد وقوعه في الأسر بأنه جاء حاملاً شعار "لكي لا تسبى زينب مرتين"، ولعلها ذات اللعبة التي تمارسها "داعش" عندما تقدم نفسها برمزية الجهة التي تخوض معركة ما قبل "القيامة" في "دابق" أو "الأعماق".
أجدني مضطراً لسرد شيء من تاريخ الفرس وأذاهم ليس طعناً باسم الدين أو الملّة أو المذهب، فقد عاش الشيعة من العرب في العراق والشام مع السنة وكانوا أقرب الناس إلى بعضهم البعض، لولا ظهور مرجعية قمّ وخوضها حرباً على المرجعيات العربية وصولاً إلى تصفية الكثير منهم.
المشكلة كما أراها هي أن الشيعة العرب لا ينتبهون لتاريخ إيران حين يساقون وراء الخميني والسيستاني والشيرازي وغيرهم من الأئمة ذوي النزعة الفارسية أو من أقليات أخرى انصهرت في مشروع التشييع الإيراني القائم على فكرة ظاهرية وأخرى باطنية، الأولى تقول بثارات الحسين وقداسته فوق الله، والثانية على الانتقام من السنة لأنهم كسروا شوكة فارس.
يختلف العربي عن الفارسي في طبيعته وتأسيسه وقيمه وحتى عرقه، وهذا الاختلاف كان سبباً في صراع المرجعيات، ومشكلة الشيعة اليوم هي في الحكم "الثيوقراطي" الكلّي للإمام المرجع، فهم مع ظهور الخميني 1979 تحوّلوا إلى طائفة سياسية راديكالية، حيث ظهر "حزب الله" في لبنان كفصيل ديني مسلح، وتبعته ميليشيا بدر وجيش المهدي وعصائب أهل الحق وغيرها في العراق، لينتقل الأمر إلى "أنصار الله" من أتباع الحوثي في اليمن.
وكل هؤلاء يمكن سوقهم بقرار "إلهي" من المرجعية الأعلى التي حرصت أيضاً على إغراقهم في مشروع لا يمكنهم معه التراجع، جراء استعدائهم لكل المكونات المحيطة ومراكمتهم للعداوات والحقد لطبيعة خطابهم واختطافهم الحياة المدنية إلى حد إلغائها كما هو الحال في مناطق سيطرتهم في العراق.
ورغم أن ظهور الإسلام السياسي المعاصر لدى السنة سابق على نظيره الشيعي عبر حركة "الإخوان المسلمين"، إلا أنه لم يأخذ شكل الصراع على المال وهو حال الشيعة وأموال "الخمس"، كما أن السنة بتياراتهم الراديكالية الجهادية كانوا أكثر التزاماً بقواعد النزاهة في تسيير أمورهم الذاتية بصرف النظر عن الأهداف، بينما ظهر عمق الفساد لدى الإسلام السياسي الشيعي الذي استخدم تهريب المخدرات والنفط وحتى شبكات الدعارة وطرائق العمل "المافيوي" ليتمكن من تشكيل خلايا ضاربة في مختلف أنحاء العالم.
سيعاني الشيعة العرب لعقود جراء انخراطهم في مشروع إيران، وبطبيعة الحال فإن مفهوم الثورة في إيران لن يصمد طويلاً، لأنه انتهج مسار الاستبداد الديني، ومارس كل أنواع الابتزاز مع محيطه، كما أن كيان الثورة الإيرانية المتضخم لا يتجانس مع طبيعة القوى المتحكمة بالقرار الدولي، إلا إذا اعتبرنا أن نمط الدولة الدينية في إيران يلقى إعجاباً لدى إسرائيل التي تسوق بصعوبة لفكرة الدولة الدينية، عندها ستنشأ دول دينية أخرى بفعل الأمر الواقع، وسيكون العالم على موعد مع حرب جديدة تستقطب كل "المؤمنين" مسلمين ومسيحيين ويهودا، ولن تكون حرباً للتوحيد بل حرب احتكار لاسم "الله" وتجارة بصكوك الجنة.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية