أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ليستِ القصةُ في جنازة ملك.. إنها استراتيجية ملكٍ آخر.. علي عيد*

الملك سلمان وأردوغان - وكالات

تتسارع متغيرات المنطقة، وتظهر معها تحولات كبيرة، واستراتيجيات جديدة، والقصة ليست مجرد تحليل، بل وقائع وأحداثٌ "شواهد".

لا تُختصر الحكاية في اللقاء الأخير للرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، بل يمكن فهمها من خلال ضرورات هذا اللقاء وتفسيراته وهواجس المتضررين.

لم يبق في المنطقة العربية ما يعول عليه من قوى، فالعراق وسوريا بيد إيران، ومصر مريضة بقصّة انقلاب العسكر على "الإخوان"، وباقي الدول باستثاء السعودية لا تملك مؤهلات الرافعة لأي مشروع تحالف وهي في أحسن حالاتها، فكيف إذا كان اليمن قد سقط أيضا بيد حلفاء إيران من الحوثيين، فيما تشهد ليبيا فصولاً من الصراع الدامي، مع حالة انعدام الوزن السياسي والعسكري لباقي الدول بشكل منفرد.

قمة سلمان ـ أردوغان أثارت مخاوف جهتين تدّعيان وتبديان أقصى درجات التعارض هما إيران وإسرائيل، ولكن هذا التعارض بدا ينبئ عن شكل غريب من التقارب المصلحي عندما يتعلق الأمر بالأتراك.

يمكن فهم عمق ما يجري بقراءة سريعة لموقف السعوديين والأتراك أولا، ومن ثم إسرائيل وإيران، وصولاً إلى مصر فباقي دول المنطقة، مع تقييم مواقف القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.

السعوديون عادة ما ينقلون هواجسهم في الإعلام ولا يحبذون التصريح في الاستراتيجيات الجديدة، ومجمل ما نقلته التحليلات يشير إلى أن الرياض مهتمة بالتعاون مع تركيا، معتبرة أن هواجس القاهرة بشأن موقف أنقرة من قضية "الإخوان" في مصر هي "رؤية عاطفية وليست سياسية" كما يصفها تركي الدخيل في صحيفة الحياة، فالرياض ستنظر من الآن فصاعداً إلى مشكلة "الإخوان" باعتبارها شأنا داخلياً مصرياً، وكما يبدو أيضاً أنه ليس من مصلحتها اتخاذ موقف حدِّي من جماعة الإخوان التي تبقى اليوم الجهة الأقدر على مواجهة الحوثيين في اليمن عبر "حزب الإصلاح".

تواجه المملكة خطراً يمتد على ثلاثة أضلاع في اليمن والبحرين والعراق وسوريا ولبنان، وفي الوقت الذي تقف فيه إيران وراء كل تلك الأزمات والمخاطر يذهب الحليف الأميركي اليوم إلى أقصى درجات التفاهم مع طهران وهو ما لم تفعله إدارة سابقة للبيت الأبيض في أحسن الظروف.

أما موقف الإيرانيين اليوم فهو تمدّدٌ على الأرض وتهديد بالسلاح، وليس مجرد تصريحات سياسية.

إسرائيل من جهتها وعلى لسان وزير الاستخبارات يوفال شطاينتس حذرت من مؤشرات هذا التقارب معتبرة أن "أي إعادة اصطفاف إقليمي في المنطقة تؤثر على مصالح إسرائيل".

ويعتبر شطاينتس أن التقارب السعودي -التركي "سيكون بالضرورة على حساب معسكر الاعتدال في العالم العربي وتدعيم معسكر المتطرفين" مشددا على خطورة أن يكون التحالف مع أردوغان رداً على التوسع الإيراني، منتقدا الإدارة الأمريكية لعدم حماسها للتدخل في شؤون المنطقة. 

ويخشى الإسرائيليون من تقارب الرياض ـأنقرة على حساب نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ويعتبرون أن الاستثمار في الأخير لا يعول عليه بالنسبة للسعوديين أمام خطر إيران، وهم لا يخفون قلقهم من تنامي دور تركيا حليفة الأمس وعدو اليوم.

فيما يخص الأتراك فهم يرون الرياض الركن الاستراتيجي لعلاقاتهم مع العرب، كما أنهم باتوا ينظرون بقلق إلى الدور الإيراني وتمدده في سوريا، كما أن الأسابيع الأخيرة كشفت عن خلاف جوهري مع الإدارة الأمريكية في تعاطيها مع ملفات المنطقة، وهو ما عبر عنه أردوغان نفسه.

في مصر يبدو النظام منزعجاً من احتمالات التقارب، لمخاوف من أن يمنحهم الحلف الجديد كرت الخروج، وفي هذا الإطار يمكن فهم مسارعة السيسي إلى القيام بزيارة متزامنة مع زيارة أردوغان، حيث كان يبحث عن معلومة أو تطمين بأن نظامه لن يكون هدفاً، ولا شك بأن الرسالة وصلت حيث ذهب السيسي وتابع سلمان وأردوغان عملهما. 

يبدو أن جميع الظروف كانت مهيأة لتحولات استراتيجية تقودها السعودية وتركيا، وليس غريباً أن يقطع أردوغان زيارته للقرن الأفريقي للمشاركة في جنازة الملك عبد الله، ثم ليلتقط السعوديون المبادرة، فيقوم أردوغان بزيارة رسمية تشير المعلومات إلى أن الملك سلمان سيردها مفتتحاً علاقاته الخارجية بزيارة أنقرة.

يبدو أن التقارب يراد له أن يكون بجذور، وفي هذا المعنى يمكن تفسير رسوِّ أول فرقاطة تركية قبالة شواطئ جدة، وزيارة وزير الداخلية التركي ولقائه "ولي ولي العهد" وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف رجل الأمن الأقوى في المملكة، وبالنظر إلى موانع التقارب فهي شبه معدومة إلا إذا خضع الأمر لضغط الأمريكيين على خلفية المخاوف الإسرائيلية، الأمر الذي تبدو احتمالاته ضعيفة بالنظر إلى عدم رغبة السعودية بوضع كل البيض في السلة الأمريكية مع وجود إدارة ضعيفة ومرتبكة كانت سبباً رئيسياً في كل ما تتعرض له المنطقة من تعقيدات برفض إسقاط نظام الأسد وما نتج عنه من ظهور "داعش" وخطرها الذي يهدد أمن المنطقة، ومجاملة إيران على حساب دول وشعوب المنطقة.

في سوريا ترتاح المعارضة لهذا التقارب، ويكفي أن ينظر المهتم إلى محورين للعمل العسكري شمال البلاد وجنوبها، وإلى توجهات الدعم، والقوى الفاعلة وقدرتها على التغيير والثبات، شمالاً تبدو تركيا الأقوى، وجنوباً للسعودية كلمتها، واقتراب الطرفين يبعد فكرة تقسيم المناطق وفق قواعد الصراع وتنافر المصالح وهو أهم ما عملت عليه إسرائيل.

من موقع معرفتي بتفكير الإدارة السعودية الحالية وقد عملت في حقل الإعلام السعودي السياسي سنوات طويلة سأختم بالقول إن الملك السعودي الجديد مختلف تماماً عن سلفه دون إنكار دور الملك عبد الله، فالملك سلمان شخصية قويّة ومتابعة، كما أنه لا يؤمن بالعداء مع الإسلام المعتدل، إضافة لكونه عصب الدولة بعلاقاتها الداخلية لنصف قرن فإنه يمتلك فريقاً متجانساً يشاركه ذات الرؤية.

وبالنظر إلى تاريخ الخلافات الظاهر بين أنقرة والرياض والذي كان في أسوأ مستوياته مجرد خلاف على هدم قلعة "أجياد" في مكة المكرمة، ومع جسارة الأتراك والسعوديين كقوتين إقليميتين تجمعهما مصالح الاقتصاد والسياسية والتاريخ والمجتمع، فإن في الأفقِ نُذُرَ تحالفٍ متينٍ سيغير مجريات الأحداث في المنطقة، وأزعم أن تركيا جاهزة لهذا التحالف فهل السعوديون جاهزون.

*من كتاب "زمان الوصل"
(177)    هل أعجبتك المقالة (189)

اسماعيل كيالي

2015-03-05

المقال لايعبَّر عن إمكانية قيام تحالف سعودي تركي حقيقي في القريب العاجل، يقف في وجه التمدد الإيراني في بلدان المشرق العربي ، وإنما يعكس مجرد أمنيات لدى كثيرين ليس لها مقومات على أرض الواقع، فالسعودية التي دعمت إنقلاب السيسي الدموي وحرضت على ملاحقة الإخوان المسلمين ، وقادت الثورة المضادة لوأد ثورات الربيع العربي ، لايمكن أن تجري تغييرات جذرية في مدة زمنية قصيرة في سياساتها ، بحيث تجمع بين نقيضين إثنين ، تستمر من ناحية في دعمها للسيسي ، ومن ناحية أخرى تتحالف بنفس الوقت مع تركيا التي لن تفرط قيادتها بسمعتها وتفتح صفحة تقارب مع نظام السيسي ..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي