جملة من الثورات البيضاء، حققها حزب العدالة والتنمية التركي مذ وصوله للحكم عام 2003، بدأت على الفساد الإداري وتتالت عبر العسكري لتستقر على الاقتصادي ولم تزل، لتصل للحلم الذي وضعه العثمانيون الجدد في مئوية تأسيس الدولة، وبلوغهم المرتبة الأولى عالمياً.
وواجه العدالة والتنمية حملات وإحباطات، ورجب طيب أردوغان خصوصاً، حتى بلغ الأمر بأبواق بشار الأسد -وئام وهاب مثالاً- ليصفه ببائع البطيخ، في دلالة تشير على عجز كامل-كما المعارضة التركية الداخلية التي وجدت أخيراً في بشار الأسد ضالتها- في عدم القدرة على التقاط ما يسيء للرجل وحزبه ومسيرته الإصلاحية التي باتت في لاوعي كثير من الدول، مثالا يحتذى، وفي وعي كثيرين، خطرا لا بد من إيقافه أو عرقلته، لأنه ببساطة يلغي كل ما يكال عن عدم صلاحية الإسلام للحكم وعدم نجاعته في قيادة الدول.
وأتمنى ألا يجد بعض الصيادين في أن الحكم بتركيا علماني، لأنهم سيودون بأنفسهم، على الأقل، للدرك الذي يأخذ ويؤخذ بظاهر الأمور ويجهلون الحلم الأردوغاني في تأسيس الجمهورية الجديدة بملامح عثمانية ومضمون إسلامي.
بمطلق الأحوال، ليست تركيا موضوعنا اليوم، بل رمينا من بعيد ليكون في عدم وقوع العدالة والتنمية في مستنقعات الصغار والالتهاء بردود ومهاترات، مثالاً، وفي ردهم بطريقة أخرى تتجلى بالعلم والعمل، هي التي أعيت نقادهم ومنتقديهم.
لذا، بداية القول: هل يمكن أن تقف المعارضة السورية عند حدود الظواهر الصوتية والإساءات، لتنغمس بمستوى الآخر، فترى في وصف نصر الله بحسن زميرة إنجازاً، وفي استمرار لعن من في القبور رداً على ما يحضر لسوريتهم من حرب قصاص روحي وتفتيت، قد لا تنتهي وأولادهم -المعارضون– على قيد الحياة.
لينجروا أيضاً، كما في السابق، لأفخاخ التسليح والأسلمة والتدويل، ويكسب النظام الوريث الذي لا يعير أي وزن، لا للأرض ولا لما تحتها، فيستمر في بيع المستقبل والثروات ويوغل في القتل، كي يقايض ببقائه كي ما يملك وما أوحي إليه أنه يملك.
قصارى القول: قلناها مرارا ونعيد، لا يمكن للعالم بمن فيه أصدقاء سوريا ومناصرو الثورة، أن يتفاهموا مع مئة زعيم معارض ويجتمعوا مع خمسين فصيلا وتيارا، ويتفقوا مع عشرين ائتلافا ومجلسا وتجمعا، فهم بحاجة لرأس ومؤسسة، وهي نقطة الترجيح الأهم لدى بشار الأسد التي وبمعية "شماعة الإرهاب" دعت لإعادة إنتاجه.
المعارضة السورية بحاجة إلى مؤسسة سورية لا سنية، وذلك دحضاً لما يخطط من إعادة تشكيل المنطقة والهوية وفق اعتبارات روحية، ليس لأن أهل السنة قوم وليسوا طائفة، ولا لأي ردة فعل قد تخرج بعفوية أو بكيد، بل ببساطة، لأن الطائفية مدخل إجباري للتقسيم وبداية لحروب لا تنتهي، وفرصة -في آن- للسماح بخروج الكيدية والنكوصية لدى بعض الأقليات الذين لا يتوانى مثقفوها من إذكاء لما فيه فرقة واتقاد نار الأحقاد ولعنات التاريخ.
ولكن، كيف ومتى وهل يُسمح للسوريين أن يلتقطوا اللحظة ليؤسسوا لبداية تخرجهم نهايتها مما يُرسم لهم.
أعتقد الموضوع ممكن رغم ما فيه من مصاعب وما يتخلله من تشويه متعمد، من أصحاب المعارضة أولاً، بعد أن استمرأ البعض الذل واستساغ آخرون خراج الثورة وغلالها ووجدوا فيها عملاً وتعويضاً عن نقص واستشفاء من عقد.
ويمكننا اعتبار ما بدأه رئيس الائتلاف الأسبق معاذ الخطيب في "سوريا الأم" بداية وجامع وجامعة.
بداية لتكوين جسد مؤسسي بملامح مكتملة، تلغي انفعال الخطيب وجنوح العسكر ونظريات الأكاديميين، وتؤسس لحالة لا تغرق في التفاصيل اليومية التي ترمى أمامنا للالتهاء والفرقة، ابتداء بهدم تماثيل الأحياء والأموات وصولاً لما يجري بجبهة حلب بين حزم والنصرة..على خطورة وجسامة هذه الأحداث.
حالة تأخذ بالاعتبار الواقع وآلية الخروج منه، شريطة ألا تغفل المستقبل وعلى جميع مستوياته الاقتصادية المتهالكة والاجتماعية المفككة والسياسية المفجعة.
وتضع خرائط طريق قابلة للتطبيق لتلك الأولويات جميعها وعلى رأسها إسقاط نظام الأسد وإجالته ومجرميه للعدالة للقصاص، إذ لا أعتقد من عقلانية باستمرار "يا الله مالنا غيرك يا الله..أو نحنا ما نحتاج النيتو" واعتقادي الشديد بواحد واحد واحد.
خلاصة القول: قد يرى البعض، رغم كل ما يجري، أن قوة الثورة السورية في عدم وجود مرجع ورأس وعائدية، وهذي لعمري من ضمن ما خطط للثورة الوقوع في فخها، كما أفخاخ المال السياسي وحتى تغيير العلم السوري. لأن الفوضى التي تعم البلاد وتعدد البنادق والمراجع وحتى الآلهة، غير من ملامح الثورة للحد الذي أفقدها صفتها الثورية، لأن ما يجري باسم الثورة بلغ مراحل متقدمة للأسباب التي قام عليها الثوار.
المؤسسة الجامعة للكفاءات هي الحل، والاستفادة مما لبعض المعارضين السوريين من ثقة ومصداقية وحضور، في الداخل السوري بطيفيه المعارض والمغيّب هي الإكسير، ولعل في معاذ الخطيب مثالاً كما في برهان غليون وسمير التقي ركائز ليأتي أصحاب المال ومعهم قياديو البنادق لتكتمل الصورة، صورة أن السوريين، أو بعضهم لا ينحرفون صوب ما يريد لهم الآخرون، وإن نعتوهم ببائعي البطيخ، سوريون لديهم رأي مستقل لا يستمد من مموليهم ورؤية تتعدى الانخراط لتنفيذ مصالح الآخرين، ووطنيون يحرصون على مستقبل أولادهم ويعنيهم الدم السوري، سواء الذي يسيل عن قتيل حريص أو عن انتهاك عذرية شابة رماها الرعيان على أبواب اللئام.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية