قضية حسن زمّيرة.. خطيب بدلة*

فجأة؛ ومن دون سابق إنذار، أطلق نشطاءٌ فيسبوكيون سوريون لقبَ "حسن زميرة" على السيد حسن نصر الله، الذي كان يعرف سابقاً بلقب (حسن نصر اللات) وصنعوا له مجموعة من الهاشتاغات المناسبة لهذا اللقب، وصوروه، مستعينين بالفوتوشوب، وهو ينفخ في زميرة ملونة، بحنكين كبيرين!
السوريون، لعلمكم، مشهورون بإطلاق الألقاب على خصومهم، وهم من أكثر الشعوب مقدرة على التلاعب بالألفاظ، بدليل أن الممثل المسرحي محمود جبر الذي يتقنُ اللعب بالألفاظ بطريقة بهلوانية كان له في سورية، صولات وجولات وجمهور عريض.
إن استخدام الزميرة في موضع اللقب يأتي بوصفه استهزاءً بصاحب اللقب يصل إلى حدود "المسخرة"؛ لأن الزميرة هي أكثر الآلات الموسيقية بساطة وتواضعاً، مثلها مثل الربابة، وهي الأكثر تلازماً مع الطبل، ولدى السوريين أكثر من مثل شعبي هزلي عنها، كقولهم: طبل وزمر وقفة تمر!.. والطبل في حرستا والزمر في دوما، وإذا انتهى نقاش جدي دائرٌ بينهم إلى نتيجـة سخيفـة يقولون: آخر الزمّـيـرة طيـط!
يجدر بي، هنا، أن أوضح مسألة مهمة للغاية، وهي أن السوريين أناسٌ يحبون الآخرين، ويستقبلونهم بحفاوة، ويفتحون لهم بيوتهم، بدليل أن معظم الهجرات التي وصلت إلى سورية، عبر العصور، استقرت، وما عاد المهاجرون يرغبون في العودة إلى بلادهم الأصلية، كما هو الحال بالنسبة للأرمن.. وأما مهاجرو العصر الحديث، كعراقيي 1991 و 2003، ولبنانيي 2006 الجنوبيين، الذين آثروا العودة إلى بلادهم بعد انتهاء أسباب الهجرة؛ محملين بذكريات لا تُنسى عن حب الشعب السوري لهم، وكرمه غير المحدود معهم، وتضحيته غير المشروطة من أجلهم.
هذه المسألة توضح لنا سبب الغيظ الذي امتلؤوا به وهم يرون حسن نصر الله الذي أحبوه، وأسموه بطل المقاومة، وسيدَ المقاومة، ورفعوا صورَه وأعلامَ حزب الله الصفراء على شرفات بيوتهم، وألصقوها على زجاج سياراتهم ودراجاتهم النارية؛ يكشف عن وجهِ رجل بغيض، لا يمت إلى المنطقة التي يعيشون فيها بصلة، ويجاهرُ، لأول مرة منذ ظهور حزبه، بأنه لا يشتري اللبنانيين والسوريين وهذه البلاد بقرش، وإنما هو هنا من أجل مصالح إيران، وها هي إيران توعز له بأن يُخْلي حدودَه مع إسرائيل التي كانت تمده بأسباب الوجود، ويجتاز الحدود السورية، ويبدأ بارتكاب المجازر ضد السوريين أنفسهم الذين فتحوا بيوتَهم لـ (رَبْعِهِ)، مدافعاً عن النظام الإجرامي الأسدي الوراثي الذي باشر بكبت أصوات الحرية ابتداء من أواسط آذار مارس 2011، واستمر في حربه ضد شعبه، بلا هوادة، حتى تاريخه.
حزب الله، بمجرد ما دخل إلى القصير، في أواخر سنة 2013، أصبح اسمه "حزب اللات"؛ نسبة إلى أحد الأصنام الجاهلية المعروفة اللات والعزى ومناة، وحسن نصر الله صار اسمه حسن نص ليرة؛ وبمجرد ما أرسل قواته إلى حلب، ووقع قسم كبير منها في أيدي الثوار، اخترعوا له اللقب الجديد: حسن زمّيرة.
كان حزب الله، خلال السنوات التي أعقبت تحرير الجنوب في سنة 2000، قد أجرى نقلة نوعية في سياسته الاستراتيجية، وهي محاولة السيطرة على القرار السياسي للحكومة اللبنانية، أو تعطيل القرارات السيادية اللبنانية التي لا تأخذ مصلحة إيران ومشروعها التوسعي بعين الاعتبار. ولتنفيذ هذه السياسة اشتغل على تحويل حسن نصر الله إلى شخصية أسطورية، تتعلق بها قلوب الجماهير، فكانوا يقيمون، بمناسبة أو من دون مناسبة، مهرجاناً خطابياً يضم عشرات الألوف من الجماهير الجالسين في ساحات عامة كبيرة، ويطل عليهم نصر الله من خلال شاشة تلفزيونية عملاقة، ويبدأ هو بالخطابات العامرة بسحر البيان، ويقف الألوف من الشبان رافعين أيديهم وقبضاتهم في الهواء وهو يهتفون كما لو أنهم في حالة عبادة خاشعة: لبيك نصر الله.. لبيك نصر الله!
من هنا نستطيع أن نتخيل مقدار الذل الذي سببه هذا الرجلُ للعشرات من أنصاره حينما أرسلهم إلى حلب، ليقعوا في قبضة الثوار، والثوار بثوا "فيديو" لهم وقد أُسِروا، وأديرت وجوههم إلى الجدار، وثمة رجل من الثوار يسألهم:
- مين معلمكم ولاه؟
فيرددون على هيئة جوقة: معلمنا حسن زميرة.. طوط طوط!
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية