أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عندما تنهار حيطان الصمت في سراقب.. ميخائيل سعد

وأنا جالس في عتمة صالة السينما التي عرضت الفيلم الوثائقي السوري "دفاتر العشاق حيطان سراقب"، للمخرج إياد الجرود، في مونتريال، تذكرت حادثة جرت عام 84، إذا لم تخني ذاكرتي، في فرع اتحاد الكتاب الفلسطينيين، في دمشق. كانت سوريا آنذاك مكللة بدماء مذبحة حماه، وكان السوري إذا أراد أن يلقي تحية الصباح على جاره يلتفت يمينا ويسارا، ليتأكد أن لا أحد من "جماعة النظام" يراه قبل أن يقدم على فعلته. 

في هذا الجو المشحون بالرطوبة اللزجة للعملاء المجانيين الذين لا يريدون أكثر من أبعاد تهمة "الوطنية" عنهم من أجل الاستمرار في الحياة المذلة، دعا اتحاد الكتاب المذكور الناس لحضور أمسية شعرية لأحد الشعراء، الذي نسيت اسمه. 

ولما كنت بالمصادفة في دمشق، فقد قررت حضور هذه الأمسية. كانت القاعة التي تتسع ربما لخمسين شخصا قد اكتظت بالمهتمين، ومن حسن حظي أني وجدت مكانا في الصفوف الأولى. بدأ الشاعر الأمسية بقراءة قصائد باردة سياسيا، وكان هذا هو المتوقع، ثم بدأت وتيرة الاحتجاج تعلو في القصائد الأخرى، وبدا كأن الكلمة تتحول إلى سيف مسلط على الأعناق، وبدأ صوت تنفس الناس في القاعة يُسمع وهو يعلو ويهبط مع ايقاع القصائد. كنت في مكاني أنتظر اللحظة التي أسمع فيها صوت المخابرات يطلب من الناس الوقوف لاعتقالهم، فقد خالفوا التعليمات التي تمنع التجمع لأكثر من شخصين، فكيف وهم يسمحون لآذانهم أن تسمع هذا "الكفر" الشعري، ولكن الأمسية انتهت ولم يحصل ما خفت منه. 

وقفت والتفت إلى الوراء لأغادر القاعة وإذا بها شبه فارغة، كان عدد المتبقين لا يتجاوز الخمسة عشر شخصا، فقد انتاب الرعب الآخرين، كما انتابني تماما، فقرروا مغادرة قاعدة الشعر. وللحقيقة لم تكن شجاعتي هي سبب بقائي، وإنما المكان الذي وحدت نفسي فيه، والخجل من نظرات الناس التي قد تتهمني بالجبن وأنا انسحب، ولم يخطر ببالي أبدا أنني سأكون شجاعا بالمصادفة، ولكن هذا ما حصل. أثناء مشاهدة الفيلم، كنت وأنا أرى رائد رزوق متجولا ليلا يكتب "قصائده" الغزلية المحرٌمة، يبوح فيها عن حبه ورفاقه لسوريا، على حيطان سراقب، استرجعت لحظات الخوف الذي كنا نعيشه في تلك الأمسية الشعرية. 

كان للحيطان آذان في ذلك الزمن لخدمة السلطان الأسدي، ولذلك كان الناس يخافونها أيضا ويكرهونها، فأراد أبناء سراقب الثورة أن يهدموا تلك الحيطان، حيطان الخوف، وأن يستبدلوها بحيطان جديدة تكون دفاتر غزل وحب وثورة ووسيلة تواصل فيما بينهم بدل أن تكون سجونا تفصلهم عن بعضهم. 

صحيح أن تلك الحيطان قد تبدل لونها عدة مرات خلال سنوات الثورة، وتبدلت كتاباتها وتلوٌنت مع تلوّن الظروف التي مرت بها ثورة الشعب السوري، ولكنها بقيت دائما دفاتر حب مفتوحة لعشاق الحرية المتنوعي الأذواق والأحلام والهموم، أحيانا كان اللون الاخضر يطغى كلون سهول سراقب، وأحيانا اللون الأبيض كلون قلوب السوريين، وأحيانا كان اللون الأسود كلون الظلام الذي يرحل بعد ان يطرده النهار، ولكن الألوان كلها مع بعضها، وقرب بعضها هي ما يشكل علم الثورة. 

لست ناقدا سينمائيا، ولست مهتما بالتقنيات السينمائية وأنا أسجل انطباعاتي عن دفاتر عشاق سوريا، أو عشاق سراقب، كما هو اسم الفيلم الرسمي، ولكنني كنت مأخودا بالفيلم منذ لقطاته الأولى، لقد وجدت نفسي فيه كسوري كان يتابع مجريات الثورة السورية ساعة بساعة، ويوما بعد يوم، كان الفيلم، بقدر ما هو تاريخ الثورة كان تاريخي الشخصي، رغم بعدي الألف الكيلومترات عن سوريا، هذا الأمر هو الذي يدفعني للقول إن الفيلم كان عملا إبداعيا رائعا، فواقعيته الجميلة هي التي جعلت روحي متوثية طوال العرض لملاحقة حركة الكاميرا التي تقرأ احلام الناس وشعرهم ورغبتهم العارمة في التغيير واسقاط الاستبداد والاستمتاع بالحرية وثمارها. وربما يعود السبب إلى إنه نجح في تصوير المراحل التي مرت بها الثورة منذ بداياتها السلمية، حيث كانت حناجر الناس وصوت أكفهم وهي تصفق، وأرجلهم وهي ترقص هم الأسلحة التي أرادها السوريون لتغيير واقعهم السياسي المرير، إلا أن النظام الأسدي أبى إلّا أن يجبر الناس للدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم وشرفهم عندما أطلق لجنوده ومرتزقته العنان في قتل المتظاهرين واعتقالهم واغتصاب نسائهم، فكان لا طريق أمامهم إلا طريق السلاح، وهذا ما كان يسعى إليه النظام منذ البداية، كي يمارس وحشيته وإجرامه في حدودهما القصوى، ثم يسجل الفيلم مرحلة الاسلمة التي مرا بها الثورة. 

القيمة المضافة للفيلم أتت من أنه تم تصويره على مدار ثلاث سنوات لنشاط الناس ولاحلامهم وخيباتهم، لم تتوقف كاميرا المخرج عن العمل خلالها في تسجيل حي للأحداث، والمشاعر، يقول رائد رزوق في الفيلم: كان الشباب يكتبون على الحيطان وهم مقهورون، وينتهون من الكتابة وهم مقهورون أيضا. لقد أصحبنا مع الوقت أكثر خبرة بالتعامل مع الحيطان، ولكن للأسف أقل تفاؤلا. يبدو أننا ضحكنا على الناس عندما ضخمنا لهم أحلامهم. إلا أنه يخرج كي يكتب على حيط آخر: بكرى أحلى، ويسأل بكرى أيمت؟ أخيرا لا بد من الإشارة إلى أن الفيلم يرصد التحولات الكبرى في المجتمع السوري عاموديا وافقيا من خلال حركة الناس وأفكارهم، رغم الملاحظات التي تشير إلى غياب المرأة عن الفيلم، وحضور الدخان والمدخين بشكل مثير للانتباه. وأختم بتعليق لي على الفيلم بعد رؤيته مباشرة: رؤية الفيلم الوثائقي "دفاتر العشاق حيطان سراقب" البارحة في مونتريال، عزز ثقتي أن الثورة لا بد منتصرة. شكرا لجميع من ساهم في هذا العمل المصور والمخرج إياد الجرود، وإشراف وإنتاج المخرجة عليا خاشوق، وتعاون فني للكاتب والمخرج علي سفر.

(151)    هل أعجبتك المقالة (147)

مراقب شبيحة

2015-02-26

إلى هذا الشبيح وغيره من الشبيحة النبيحة الذين إعتادوا أن تدعسهم احذية البوط العسكري الطائفي القذر ومن يدعي أنه في كلية الطب البشري وهو غير ذلك هو في كلية التشبيح الإلكتروني التابعة للطاغية وعصابته المجرمة قال الثورة رجعتو للوراء 100 عام ؟ لا يا أخو .... لا عصابة الاسد رجعت سوريا للعصر الحجري يا شبيح يا مخبر يا عميل يا عنصر بين أقدام المحتلين الغزاة وراء حاسبوك في فرع الامن العكسري والسياسي وغيره من الفروع المجرمة تحية للكاتب الكبير.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي