أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"عن حلمهم المسروق بلا لصوص".. حتى في أحلامنا يتاجرون*

بيسان أبو حامد - مخرجة فيلم "حلمهم المسروق"

لم يعد مفاجئاً أن يظهر ناشطون كانوا يوماً ما -كما قالوا- أبناء هذه الثورة على شاشة "الميادين" إحدى أكثر القنوات الإيرانية (الناطقة بالعربية)، عداءً للثورة السورية.

القناة التي تعتبر رائدة في الكذب والتجني والتلفيق على الشعب السوري وآلامه، مديرها غسان بن جدو الذي وقف من أول يوم ضد الثورة السورية في أكثر أيامها نقاءً وصدقاً، اتخذ بن جدو موقفه اعتماداً على موقف حزب الله وقائده الذي تحول من السيد حسن إلى (حسن زميرة مؤخراً)، والذي أثار قضية جهاد النكاح عن ثوار سوريا، القضية المثيرة للقرف والسخرية، لأن "الميادين" وكادرها يعلمون أننا نعلم أنهم يكذبون ويكذبون.

كل ما مضى ليس إشكالياً، فمن الطبيعي أنّ يقف كثيرون مواقف غير أخلاقية وغير مشرفة وطائفية ضد حقوق شعب حُرمَ من كل شيء وسكت دفاعاً عن قضايا أمته، والتي لولا الثورة لما اكتُشف أنها متاجرةٌ قذرة بدمائهم وأرضهم وقضيتهم ومقدساتهم.

لكن أن يقوم من يسمون أنفسهم -زوراً- ذات يوم أبناء هذه الثورة (والتي أراها تخلصت منهم) بالخروج على تلك القناة المعادية لها ليسجلوا أخطاء الثورة فهي جريمة وليس خطأ، عار لا يعلوه عار، خيانةٌ لدم الشهداء في بقع هذه الأرض، أعلم أنّ العلمانية تفصل السياسة عن الدين، لكنهم أضافوا لها اليوم أساً جديداً هو فصل الأخلاق أيضاً (لا يعني الكل كذلك بالطبع)، وزاد من الأمر كذباً، أنهم أطلقوا على فيلمهم اسماً لا يقترب من الحقيقة بشيء "حلمهم المسروق"، أيُ حلمٍ سُرق، إذ يقول أحد نشطاء دمشق إنّ أحد المشاركين في هذا الفيلم كان عميلاً للمخابرات السورية، ويضيف آخر يعرفه معرفةً تامة أنّه، أنشأ صفحة لنفسه على "فيسبوك"، تطالب بالحرية له وهو مقيمٌ في بيته في ضاحية قدسيا.

إنّ الأحلام الوردية التي سُرقت من هؤلاء، سُرقت لأنهم ظنوا أنّ هذه الثورة هي ثورةٌ قيست على مقاس أفكارهم، وليست ثورة شعب، ظنوها ثورةً مخمليةً، تريد أن تستبدل الاستبداد الجاهلي، باستبداد فكري ومثقف، إنّ الثورة التي لا تحمل آلام هذا الشعب هي ليست ثورة، بل هروبٌ من الواقعية إلى التخيل إلى أضغاث الأحلام، إنّ الثورة التي لا ترى بالشعب الذي يسكب الدم كل يوم مجرد حثالات يجب أن تموت من أجل أن نحكم نحن، لا يختلف عن نظام الأسد سوى بالوجه وربما لا.

ثورةٌ لا ترى أحلام الشعب هي التي سُرقت وليس أفكاره ورؤيته هو، لا يختلف عن داعش بشيء، ولا يقل تطرفاً عنهم، ثورةٌ ليس أطفال درعا من أشعلها، بل وقفةُ سفارة ليبيا فحسب، هي مسروقة فعلاً، ولكن ليس منهم، بل من آباء حوران، وأمهات حمص، وأطفال الغوطة، ثورةٌ لم تحمل السلاح حباً، لكن الطواغيت أجبروهم لذلك.

ثورةٌ لا تغير من الطبقية المخملية والبروليتارية هذه ليست ثورة، وليست تنادي بالحرية ولا العدالة الاجتماعية، إنهم يكذبون، هم يريدون حريةً مختلفةً عن حرية الشعب، حرية تبيح لهم عقدهم النفسية وتعجرفهم، عدالة اجتماعية تضمن لهم مستوى ماديا مرموقا وسيارة فارهة وكأس فودكا آخر الليل، آخر همهم إن وجد لهم هماً هم موجوعو سوريا.

للثورة أخطاء كثيرة نعم، لكن عدوها وخصمها من يبتكر في ضربها على قنوات وصحف قتلتها وسفاحيها.

يقولون بعد عرض الفيلم الوثائقي (الذي لم يوثق إلا خيانة دم الشهداء وآلام المعتقلين) إنّ القناة حرّفت كلامهم، إنّ أغبى غبي يعلم أنّ القناة لم تقم بتبني الفيلم إلا لأنه يشوه الثورة ويؤكد فكرة تطرفها وإرهابها، وبراءة النظام من كل دم. 

ليس ذلك فحسب، بل إنّ القناة غيّرت من اسم الفيلم بعد عرضه الأول، إلى "حلمهم مسروقٌ من التطرف"، وليس ذلك فقط، فقد استغلت صحيفة "السفير "لتبادر بأنّ القناة لم تكن موضوعية في فيلمها، و"أنها أغفلت بقصد أو دون قصد الحديث عن أعمال عنف وتفجيرات وعمليات خطف نفذتها مليشيات معارضة، في بداية (الحراك) كما يسميه"، لم يبقَ إلا صحيفة "السفير" لتخبرنا أكثر عن وداعة وحلم ورقي بشار الأسد ونظامه.

إنّ الفيلم هذا بكل كوادره من المخرجة التي قوبلت بتهم الخيانة لوضعها علم الثورة، وحتى المشاركين، والمعدين والمصورين، يعلمون علم اليقين أنّ الثورة لم تكن يوماً فكرة هؤلاء، ولا حلمهم ولا واقعهم، والدليل أنهم تركوا الثورة من أول أشهرها، تركوها لأصحابها الحقيقيين الذين إما قتلوا أو اعتقلوا أو تشرد أهلهم، أو جرحوا في سبيل استمرارها وما خانوها أبداً وما كانوا ليخونوها، فهي حلمهم الذين يسهرون في الزمهرير لحمايته، ولا يجدون ما يأكلونه وأطفالهم حتى يتحقق، ويقاتلون العالم بأسره حتى يستمر الحلم فيكون واقعاً.

يشكر الفيلم في ختامه وزارة الإعلام (الأسدية)، وهو أكثر ما يوضح عمق الهوة بين القيّمين عليه وبين الثورة السورية.

أجمع أهل الثورة تقريباً أنّ الفيلم دليل جديد على تجرد الثورة من كل مذبذب ولاعبٍ على حبال الخداع، تتجرد كما زواريب حلب القديمة من حجارتها التي ممكن أن تخون ولا أظنها تفعل، ومآذن حمص، وزيتون إدلب، ومشمش دوما، الفيلم يؤكد أنّ الثورة نقية وتزداد نقاء كلما كشف المنافقون عن وجوههم، وستنتصر.

*ناصر الدين الجيلاني - مشاركة لــ"زمان الوصل"
(169)    هل أعجبتك المقالة (166)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي