تركوا الصهاينة وانشغلوا بنا.. د. عوض السليمان*

لم يعد السيسي ليهتم بأن الكيان الصهيوني يمنعه من الحركة حتى داخل القاهرة نفسها، وأنه لا يستطيع أن يتخذ قراراً واحداً دون موافقة نتنياهو، ونسي الرجل أن هناك مقابر جماعية لمصريين قتلهم الصهاينة لم يحاسب مرتكبوها حتى اليوم، على غرار مقبرة أم الرشراش، حيث تم العثور على 250 مصرياً تم قتلهم بعد أن عصبت عيونهم وربطت أيديهم، هذا ليس إرهاباً في نظر السيسي، الذي لم يجد إلا أطفال درنة وشيوخها حتى يتهمهم بالإرهاب ويحرقهم بطائراته الغادرة.
خمسون يوماً وأهالي المخطوفين المصريين يناشدون "حكومتهم" ويصرخون بأعلى صوتهم أن أبناءهم موجودون في اللواء 204 دبابات التابع للواء المتقاعد حفتر. مع ذلك أصر الانقلابيون على أن تنظيم الدولة من قام بذلك، ولا نستبعد على الإطلاق أن تكون العملية برمتها قصة مخابراتية تخدم السيسي وأسياده لتبرير الاعتداء على الشعب الليبي.
لم يحرك عبد الفتاح السيسي ساكناً خلال خمسين يوماً، وبعد انتهاء اجتماعاته بحفتر، قامت الطائرات المصرية بشن هجماتها على مدينة درنة، فدمرت المساكن وشردت العائلات العربية المسلمة، وقتلت أطفالاً "إرهابيين" لم تتجاوز أعمارهم عشرة أعوام.
من الخطأ الجسيم أن نتصور أن السيسي قتل فقط أولئك الشهداء الذين ارتقوا إبان الغارات الجوية على درنة، بل قتل أربعة آلاف ليبي من خلال قيام ضباط مصريين بتدريب ميلشيات حفتر في المعسكرات التي بنتها وجهزتها "الحكومة المصرية" لإحداث انقلاب في ليبيا.
لا يعتقد عاقل أن الجنرال الذي سجن الآلاف من شعبه، وأعدم من أعدم وقتل من قتل في مجازر بشعة لا يفعلها إلا العدو بعدوه، سيدافع عن المصريين الذين خطفوا في ليبيا إن صدقت القصة بالطبع. وإنما المقصود من تلك العملية، التغطية على رغبة السيسي وأسياده في الغرب بدعم حفتر بعد أن مني بأشد الهزائم في محاولته احتلال مدينة بنغازي.
المتابع لخطاب قائد الانقلاب في مصر يفهم ما نشير إليه دون عناء، فالرجل يكثر الإشارة إلى مسيحية المختطفين، ويتحدث عن جريمته في ليبيا بأنها حرب في سبيل الإنسانية جمعاء، ولعله أصدر حتى الآن أكثر من ألف حكم بالإعدام في سبيل الإنسانية، ولعل مجزرة "رابعة" و "النهضة" وسجن الرئيس الشرعي للبلاد تمت باسم الإنسانية أيضاً.
حكام الإمارات يشاركون بقتل الشعب السوري في الرقة وإدلب، ولم يحتل الأدالبة ولا أهل الرقة بلادهم، فجزرهم الثلاثة محتلة من قبل إيران بالقوة العسكرية، والتي تهدد الإمارات كلها بالاحتلال إذا أثارت هذا الموضوع، ومع ذلك اتجه حكام الإمارات لقتل الشعبين السوري والليبي بتهمة الإرهاب. بل وتغاضى بعض حكام الخليج عن احتلال إيران لأربع دول عربية يعيثون فيها فساداً وتقتيلاً، اللهم إلا من بيان إدانة هزيل يشبه بيانات بشار الأسد بالاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين.
الأردن الشقيق نسي الكيان الصهيوني، وبالتالي نسي مسؤوليته التاريخية عن القدس والمسجد الأقصى وتجاهل تشريد ملايين الفلسطينيين، واكتشف على حين غرة أن العدو ليس في تل أبيب بل في إدلب وفي الرقة على أبعد تقدير، فوجه طائراته لتدمير بيوت الآمنين في سورية وحرق أطفالهم وذويهم.
إنها لمخزية حال العرب اليوم، لا يتجرأ قادتهم إلا على شعوبهم، بينما يجبنون أمام العدو المتربص بهم والذي يحتل أرضهم، فقد "ختم الله على قلوبهم و على سمعهم... وعلى أبصارهم غشاوة".
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية