أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الحوثنة وازداوجية القلق الدوليا .. لدكتور عزت السيد أحمد

حقيقة لا لبس فيها ولا شكَّ هي أنَّ القلق الدولي يقلق الوجدان، يقض مرقد الضمير ويكسر ظهر التفكير. قلق يظهر حيث لا ينبغي له وينام حيث يجب أن ينتصب بكل توتره.
لا أطيل هنا في هٰذا ففيه قلت وقال الكثيرون الكثير الكثير منذ عقود تقترب من نصف قرن، عندما راحت تبرز الازدواجية الغربية بوضوح رويداً رويداً حَتَّىٰ وصلت إل ما نحسبه قمة الوقاحة في الوضوح والصراحة في ممارسة الازدواجية تجاه أمور العرب والمسلمين وقضاياهم.
لقد وصلت ازدواجية أمريكا والغرب والمجتمع الدولي الفاضحة المفضوحة إلى درجة تهز أركان العقل، أينما ولى العرب والمسلمون أنظارهم صدموا بجدار الازدواجية. تأتي الأزمة اليمنية اليوم بقعة جديدة علىٰ جدار هٰذه الازدواجية.
منذ أشهر والحوثيون يسيطيرون علىٰ اليمن مدينةً مدينةً وقطعةً قطعةً حَتَّىٰ وصل الأمر إلىٰ الاستيلاء علىٰ الدولة بانقلاب علىٰ السلطة الشرعية بغضِّ النَّظر عن مدى شرعيَّة هٰذه السُّلطة... واستباحوا كلَّ شيء في اليمن. ومع ذۤلكَ كلِّه لم ينبس كلُّ هؤلاء ببنت شفةٍ في إدانة ما يحدث أو شجبه أو استنكاره أو رفضه أو محاربته، اللهم إلا قلقتين قلقهما السيد بان كي مون الأمين العام للقلق الدولي.
في الأيام الأخيرة الماضية مع تقدم ما يسمَّى القاعدة في اليمن استنفر المجتمع الدولي وبدأ الحشد والتجييش والاستنكار وصاروا يعلنون رفضهم لتقدم القاعدة، وبالمعية يدحشون تقدم الحوثيين لذرِّ الرماد في العيون.
عجباً من العرب لا من المجتمع الدولي. عجباً كيف لا يحركون ساكناً وهم يرون بأعينهم رؤيا اليقين استحقارهم وتهميشهم تهميشاً ملفوفاً بكلِّ أنواع الازدراء ومستوياته.
لنعد قليلاً إلىٰ الوراء، في ظلِّ الأزمة اليمنية ذاتها فقط. لنتذكر كيف أنَّ الحوثيين يلعنون أمريكا ليل نهار، وينشدون ليل نهار: الموت لأمريكا. في حين كان الطيران الأمريكي يغطِّي تقدمهم علىٰ الأرض، ويقصف مواقع القاعدة التي تقف أمام تقدمهم. في هٰذا وحده ما يثير من الدهشة أشدها.
هنا يتجاوز الأمر الازدواجية بكثير جدًّا. أصيبت وسائل الإعلام المكتوب بتخمة من كثرة الحديث في الازدواجية الغربية ضد العرب والمسلمين، ضد السنة تحديداً حَتَّىٰ نكون في دوحة الوضوح الذي لم يعد منه بدٌّ في ظلِّ بحر دماء الازدواجية الفاضحة.
ولٰكنَّ مع إيران والحوثيين الذين هم امتداد لإيران باعتراف إيران واعترافهم هم، فإن الأمر يتجاوز الازداوجية إلىٰ ما يبدو تناقضاً صارخاً لا يمكن تصديقه وإن أمكن تصديقه لا يمكن قبوله. ففي حين تعلن إيران ومعهم الحوثيون أن عدوهم الوحيد هو أمريكا وإسرائيل، وينشدون ليل نهار الموت لأمريكا نجد أمريكا تقف داعمة لإيران و الحوثيين ضد العرب عرب الخليج خاصَّة وعرب السنة عامَّة الذي يخطبون الود الأمريكي ويعلنون صداقتهم لأمريكا. أليس في ذۤلكَ ما يبعث علىٰ الضجر من التفكير بحثاً عن تفسير؟
مهما كان ما يدور في الكواليس، ومهما كانت المخططات الغربية وأهدافها من وراء ذۤلكَ فإنَّ هٰذا السلوك هو عين سلوك نكش عش الدبابر. وارجو أن لا يوجد من يدعو إلىٰ مثل هٰذا التفسير أو التبرير بأنَّ للغرب مخططات كما سنبين بعد قليل، لأنَّ الازدواجية الغربية ليست وليداً خديجاً، ولا هي ابنة هٰذه الأزمة أو قليل من الأزمات، إنها دأب السياسة الغربية منذ عقود غير قليلة.
نحن ندرك أنَّ لأمريكا والغرب مصالح، وندرك ونفهم أنَّ من واجبهم أن يحققوا مصالحهم ويدافعوا عنها. ولٰكن لا يجوز أن نقبل أن تكون مصالحهم عل حساب كرامتنا أو هويتنا أو أمننا لا أبعاضاً ولا كلاًّ، ما استطعنا إلىٰ ذۤلكَ سبيلاً. أي ندرك أننا في راهننا عاجزين عن الدفاع عن أنفسنا ولٰكنَّ ذۤلكَ لا يعني بحالٍ من الأحوال القبول أو الاستسلام أو الخنوع. وفي الوقت ذاته لا يعني أبداً أن نندهش من هٰذه الازدواجية الصارخة المفضوحة في التعامل معنا.
ومن باب المصالح الأمريكية والغربية في إطار الأزمة اليمنية نجدنا أما ما يجب الوقوف عنده. قبل أيام في 11/2/2015م أغلقت الولايات المتحدة الأمريكية سفارتها في اليمن علىٰ نحو مفاجئ، وأخلت موظفي السفارة صباح اليوم التالي علىٰ عجلٍ. علَّقت في ساعتها قائلاً: «هل يمكن اعتبار إغلاق السفارة الأمريكية في اليمن إقراراً بتحول اليمن إلىٰ محافظة إيرانيَّة... استكمالاً لديكور العداء الإيراني الأمريكي وعدم وجود علاقات دبلوماسية بَيْنَ الطرفين أم وراء الأكمة ما وراءها؟».
لم يكتمل مضي اليوم التالي حَتَّىٰ تبعتها بريطانيا ثمَّ بعدها فرنسا وألمانيا وفي هٰذا اليوم الرابع التالي لإغلاق السفارة الأمريكية كرَّت سلسلة إغلاق السفارات علىٰ نحو متسارعٍ ملفت للنظر. فهل يمكن عد مسلسل إغلاق السفارات في اليمن بداية اشتعال النار في اليمن اشتعالاً كبيراً؟ الأمر يوحي بذۤلكَ. رُبَّما يكون ذۤلكَ صحيحاً، ولۤكنَّهُ بالتأكيد ينطوي أيضاً على نوايا مبيته للصراع في اليمن. لا يمكن الركون إلىٰ توقعات استخباراتية فقط لأنها لا يمكن أن تسوِّغ هٰذا الانسحاب العجيب الكبير لمعظم السفارات الغربية وحَتَّىٰ الآسيوية والعربيَّة من اليمن.
إذا عدنا إلىٰ بداية المقال وجدنا التَّفسير حسب ظنِّنا. تقدُّم القاعدة في اليمن، أو بدء تقدُّم القاعدة في اليمن يوحي ببداية اشتعال الحريق. بداية إشعال أكثر مما هي بداية اشتعال. والفرق كبير. لأنَّنا وجدنا صراعات أكبر وأعظم في أكثر من مكان في العالم ومع ذۤلكَ لم تنسحب السَّفارات بهٰذه الطريقة الانهياريَّة المتسارعة والكبيرة.
منطقيًّا، وعلىٰ ضوء تاريخ السياسة الأمريكية وتاريخ السلوكات الدبلوماسية في مثل هٰذه الأزمات لا يمكن فهم إغلاق السَّفارات في اليمن بهٰذه الطريقة الدارمية إلاَّ بأنَّ ثَمَّة نوايا أمريكية لإشعال اليمن. إشعال اليمن رُبَّما من أجل هدف قصير سريع هو تقسيم اليمن، هٰذا الطموح الذي رنت إليه بعض الأنظمة العربية منذ قيام الوحدة اليمنية. ورُبَّما يتجاوز ذۤلكَ إلىٰ تكريس الفوضى والصراع في المنطقة إرهاق المنطقة بالحروب والصراعات، وليس لاستنزاف الشريك الإيراني كما يتوهم بعضهم. بل أقول رُبَّما لسهولة تسليم المنطقة لإيران. ولذۤلك أرجو أن لا يتساءل أحد: ما مصلحة أمريكا في إشعال اليمن والمنطقة؟
إشعال اليمن أمرٌ لن يكون صعباً، علىٰ الأقل في تصور الأمريكان الذين يدركون أنَّ اليمن أكبر مجتمع متسلح في العالم. لقد اكتشف أمريكا أهمية الظاهرة السورية في تحقيق الطموح الأمريكي وتريد تعميمها.
أنا شخصيًّا لا أثق أبداً في التصريحات الأمريكية لأنها دائماً تفاجئنا بالكذب الذي يتراوح ما بَيْنَ ا لصريح الفج والمستور الذي تكشف عنه التسريبات أو المصادفات بعد حين. ولنأخذ مثالاً واحداً من بَيْنَ مئات، أمريكا منذ بداية الحرب علىٰ الدولة الإسلاميَّة وهي تنفي وترفض أيَّ مشاركةٍ لإيران في الحرب علىٰ الدَّولة الإسلاميَّة في حين أنَّ إيران أكبر المشاركين علىٰ أرض الواقع... وليست المشكلة هنا، المشكلة في أنَّهُ تبين أنَّ أوباما طلب من الخامنئي برسالة سريَّة القضاء علىٰ الدَّولة الإسلاميَّة مقابل تساهل في ملفها النووي. وهٰذا ما صرَّح به الخامنئي اليوم شخصيًّا، في ردِّه علىٰ رسالة أوباما وشكره علىٰ جهوده.
إذن كل ما صدر وسيصدر من تصريحات بشأن الصراع اليمني لن يكون ذا قيمة أبداً.
طبعاً إذا أردنا تحليل الحدث واحتمالاته فسنجد الكثير من الرؤى والاحتمالات. هٰذا مفهوم، ولا اعتراض عليه. المحلل السياسي ليس الذي يضع كلَّ الاحتمالات ويقول يمكن كذا ويمكن كذا ويمكن كذا... هٰذا عمل يستطيعه أيُّ واحدٍ. أي واحدٍ يستطيع أن يتبسَّط في كثير من الاحتمالات ويقول خذوا ما شئتم. أو يقول عند انجلاء الحدث: لقد توقعت ذۤلكَ... بينما كان التوقع بَيْنَ كل الاحتمالات الممكنة، هٰذا تنجيم وليس تحليلاً. لا أغفل إذن احتمالات التفكير الأمريكي والغربي من مخاوف، أو ضغوط علىٰ هٰذه الجهة أو تلك أو غير ذۤلكَ. ولٰكنِّي أتجه علىٰ الفور إلىٰ ما أراه خلف الحدث.
ولٰكن في الوقت ذاته، كما يمكن القول باحتمالات متعددة تخميناً، واحتمال محدد تحليلاً، فإنَّهُ لا ينبغي أن يغيب عن تحليلنا وحَتَّىٰ تخميناتنا أن ما تريده الولايات المتحدة شيء وما قد يحدث شيء آخر. أعني بذۤلكَ أنَّهُ ليس من الضروري أبداً أن تنجح الولايات المتحدة والسياسة الغربية فيما ترنو إليه وترجوه في المنطقة. وأغلب الظَّن أن الأمور ستعود وبالاً علىٰ السياسة الأمريكية في المدى غير البعيد.

مشاركة لـ "زمان الوصل"
(174)    هل أعجبتك المقالة (169)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي