أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أعجبتك ثورتنا التي طفشتنا من بلدنا؟.. خطيب بدلة*

كنت، كلما ضاقت بي الأحوال، أتصل بأبو العبد واسأله عن أحوال البلد: 

- بَشرني. إن شا الله ما في قصف؟ 

فيقول لي باستخفاف: قصف طيران في الوقت الحاضر ما في الحمد لله!

لا أفهم مغزى عبارته، فألح مستنتجاً: عظيم. يعني ما في قصف!

فيستغرب أن يكون واحدٌ مثقف وفهمان مثلي غشيماً إلى هذه الدرجة ويقول لي: 

- يا أستاذ، أترجاك، القصف المدفعي على البلد لا يتوقف، ولكننا لا نحكي عنه، لأننا تعودنا عليه، ومن جهة ثانية ضحاياه قليلون. يعني بكل قصف يا دوب ينقتل رجل أو ولد أو امرأة، وحتى الإصابات لا تكون مميتة. ولكن لما تجي الميج أو السوخوي، يروح في كل ضرب شي عشرين أو تلاتين واحد!

وبينما هو يقدم لي هذه الشروحات أشرد أنا بخيالي وذاكرتي إلى الأيام التي كنا نعيش فيها هناك في البلد.. 

كانت البلد آمنة إلى درجة أن تاريخها كله يحتوي على عملية قتل واحدة- وبالخطأ- حدثت في أيام الفرنساوي... إذ، في يوم من الأيام، صارت (طوشة)، وعلق حزب الشعب مع جماعة الكتلة الوطنية، وصار إطلاق نار (قواس) عشوائي، وانقتل السيد يونس الحاج حْمَيِّد، الله يرحمه، بالغلط، وكان ثمة شكوك بأن فلاناً هو الذي قتله، أو علاناً، ولكن، ما في شي مؤكد.

ومقتل يونس، على كل حال، لم يكن حدثاً قابلاً للنسيان، فأهل البلد، كلما دق الكوز بالجرة يأتون على ذكره، ويعيدون سرد تفاصيل الحادثة، مثلما نقلت إليهم، يزيدون أحياناً أو ينقصون، والنسوان، الله محيي نسوان البلد، يؤرخن لأشيائهن العائلية بتاريخ مقتله، فتقول إحداهن: 

- أنا ولدت بنت خديجة قبل مقتل يونس بسنتين!
وتقول الثانية: أنا تجوزت بعد يباس الزيتون بسنتين.
فتقول لها الأولى: يعني بعد مقتل يونس بكم سنة؟ 
فتقول لها: يعني بشي خمس ست سنين!

وكان أبو العبد من أوائل الذين استجابوا لصوت الثورة السلمية، فكان يضع على رأسه قبعة سوداء لا يظهر منها سوى عينيه، ويمشي في كل مظاهرة تعبر في السوق، وبما أنه طويل، وذو قبعة، فقد كان يُعرف مكانه مثلما يُعرف الغراب الأبلق بين الغربان السوداء، وكان رب الأسرة الذي يخاف على أحد أبنائه من مغبة الاشتراك في المظاهرات، خشية أن يذهب اسمه إلى أحد فروع الأمن، فيعتقلوه ويذيقوه مر العذاب؛ يرسل ولده الآخر إلى حيث تمشي المظاهرة، لينادي عليه، ويعيده إلى البيت، فيأتي هذا الفتى ويسأل أحد المتظاهرين عن أخيه فيقول له: 

- أترى ذلك الرجل الطويل الذي يحط على رأسه قبوعة سودا؟ هذا أبو العبد! أخوك بجواره من طرف اليمين! 

بعد أقل من ثلاثة أسابيع انطرش اسم أو العبد في كل مكان، على أنه محرض على التظاهر، وعمم اسمه على كافة المفارز والحواجز الأمنية، فما كان ذلك يزيده إلا إصراراً على معاداة النظام.

وتحررت البلد، بعد ذلك، وأصبح أبو العبد يسيد ويميد في تنظيم المظاهرات والسير أمامها، ولكنه فقد منزله، ذاتَ قصف، واضطر لمغادرة البلد إلى الأراضي التركية، ولم يكن ذلك لأجل السياحة والتنعم بالماء والكهرباء والتلفون والإنترنت، وإنما ليتابع نضاله ضد نظام الأسد الديكتاتوري، وصار يسعى لدى المنظمات الإغاثية لإرسال السلال الغذائية والطحين والخميرة والمساعدات الطبية لبلده، وكان لا يمضي في الريحانية أكثر من أسبوع، فما يرى نفسه إلا وهو ذاهب إلى البلد، وكان ينام عند أقاربه، أو في ركن غير متهدم من منزله.

وتطورت الأوضاع، كما هو معروف، ودخل تنظيم داعش البلد، فاستاء أبو العبد، وكان على وشك أن يصطدم مع أميرهم، ليفقد حياته، ووقتها نصحناه بالعودة إلى تركيا، فعاد.. وحينما تحررت البلد من داعش عاد أبو العبد.. 

ومضت كل تلك الأيام.. وجاءت جبهة النصرة إلى البلد، وغيرها من الفصائل المتشددة.. وأحس أبو العبد بأن الثورة بدأت تفقد بوصلتها.. فبدأ يكتب على الفيسبوك ويعترض وينتقد ويسب.. إلى أن جاءه تهديد واضح من جبهة النصرة بأنهم إذا كمشوه في البلد سيطبقون عليه شرع الله!

وأبو العبد يعرف شرع الله، نفس شرع الله الذي يعرفه كل أهالي البلد. ولكنه يعرف، أيضاً، أن كل جهة تطبق شرع الله كما يروق لها أن يكون هذا الشرع! وخاصة حينما يريدون أن ينتقموا من خصومهم.
انكفأ أبو العبد، وما عاد يجرؤ على زيارة البلد. آخر مرة تحدثت معه قال لي باستهزاء مرير:
- أعجبتك هذه الثورة التي قمنا بها فأوصلتنا إلى حد أننا لا نجرؤ على دخول بلدنا؟!           

   

*من كتاب "زمان الوصل"
(160)    هل أعجبتك المقالة (147)

نيزك سماوي

2015-02-16

نعم عجبتنا ثورتنا رغم كل ما حدث ويحدث حتى الآن من إنحراف لمسار الثورة التي إنطلقت ضد هذه الطغمة المجرمة الحاقدة العميلة الخائنة ، الجراح لا تندمل ولكن أهم شيء هو عدم العودة إلى تحت الحذاء العسكري الطائفي الممزوج بكل انواع القاذورات الإيرانية الحزب لاتية الميلشات الطائفية العراقية وكل أصناف وأنواع المجرمين والإرهابين ، الزبد في النهاية سيذهب جفاء والكلمة في النهاية للشعب السوري الصابر المكلوم الذي ذاق كل أنواع القهر وما يجري في سوريا من جرائم على أيدي الإرهابين من منبعهم إلى مصبهم وتحت مرآى ومسمع العالم ومنظماته التي تدافع عن حقوق الإنسان - هكذا تدعي- ولكن أين هم مما يجري في سوريا على أيدي أداة الإجرام وأدواتهم المحلية الذين يتقنعون بالدين والدين منهم براء ومن اعمالهم ، صبرا أهل سوريا فموعدكم النصر مهما طال الزمن رغم أنف الحاقدين والمجرمين والمتأرينين والطائفيين ... إن كانوا بقرون أو بدون قرون قرون كروم أو حديد.


نيزك سماوي

2015-02-19

أستاذنا خطيب بدلة المحترم نحن ومما لا شك فيه نؤيد رأيك حول داعش ولكن يجب علينا معرفة الصانع الحقيقي لها ، لماذا لم تكن موجودة داعش طيلة فترة حكم الأسد المجرم الأب والأبن الحرام المجرم الوريث ؟!!!!! طيلة أكثر من 40 سنة من إغتصاب للسطة ولكل شيء في سوريا ؟ لماذا ظهرت في 2014م في سوريا ومن يمولها ومن يخطط لها ولأي جهة تمويل مخابراتي تتبع ؟! نحن نعلم أن المواد الخام متوفرة لصناعة داعش وغيرها في كل البلدان العربية والاسلامية ولكن السؤال الأهم من صنع هذه المواد الخام على شكل داعش فلا بد هناك من سر وراء ذلك وكما قال أحد المحليل والخبراء من ينوي محاربة الإرهاب داعش فيجب عليه قبل هذا وذاك محاربة من قام بتصنيعها وتغذيتها والنفخ فيها وتمويلها ولم يعد يخفى على أحد أن ذاك الإرهاربي المجرم الأرعن الخطير بشار جديد أبن الحرام الوريث ومن معه من عصابة طائفية إرهابية إجرامية أصبحوا اليوم أحجار شطنرنج بيد المحتل المجوسي القابعين في وكرهم في قصر المتاجرين في سفح جبل قاسيون المحتل ويتارجرون بكل شيء من أجل بقاء الكرسي بيدهم وما يدر عليهم من أرباح نتيجة سرقتهم ولصوصهم الكبار لكل سوريا ولشعهبا ، يجب علينا قبل أن نلعن داعش علينا أن نلعن من صنعها ومن يقوم بتغذيتها ويراعاها ومن يمسك بخيوطها المخفية إنها آخر ورقة للعصابة الأسدية الإيرانية في سوريا.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي