هنا دوما فلتحرقوها.. د. عوض السليمان*

كيف نستطيع أن نفهم إهمال المجتمع الدولي للمحرقة التي تجري في دوما، وصمته المستمر على الجرائم الهمجية التي تحدث في هذه المدينة كل يوم؟. فقد استشهد المئات جوعاً في زمن الشبع واستشهد الآلاف حرقاً بالصواريخ والبراميل المتفجرة، في زمن حقوق الإنسان، واضطهدت النساء واغتصبن في مراكز التحقيق، تماماً عند الحديث عن حقوق المرأة، وحرق الأطفال في ظل وجود منظمات دولية لا تعنى إلا بحقوق الطفل.
غني عن القول أن حصار دوما المستمر منذ سنوات وإلحاق ذلك بقصف عشوائي بربري، بحيث يتم تدمير البيوت وتقتيل الآمنين وتشريد الأهالي، ما كان ليتم إلا بموافقة أممية ترعاها واشنطن وتطيع في تنفيذها دول عربية وإقليمية عديدة.
ولو أرادت الولايات المتحدة إيقاف ذلك لفعلت منذ اليوم الأول للجريمة، ليس فقط عن طريق القوة العسكرية، بل عن طريق أمر عميلها في دمشق بالتنحي. إلا أن الثورة السورية كانت ولا تزال أملاً لدى المجتمع الدولي بتخفيف الضغط البشري السني في العالم، إذ استشهد في سورية وحدها ما يزيد على ثلث مليون سني حتى اليوم وهجر الملايين.
منظمات حقوق المرأة تنظم تظاهرات في عواصم العالم كلها لتدافع عن حق النساء بالتعري، أو الإجهاض، أو لأن رجلاً ضرب زوجته (ليس بالبراميل المتفجرة بل بيده بالطبع)، ألا يدفعنا هذا للسؤال لماذا لم تقف تلك المنظمات الدولية للدفاع عن حقوق النساء الدومانيات بحقهن في الحياة وحسب.
المسألة بالطبع واضحة، فنساء دوما ليسن كغيرهن من النساء، فهن لا يلدن، على ما يبدو، إلا الإرهابيين الذين يشكلون خطراً على العالم.
أليس عجيباً، أن منظمات حقوق الطفل، تحشد كل طاقاتها في الدفاع عن أي طفل في العالم تعرض لاضطهاد، أو حرم من التعليم، أو لم يستطع الذهاب لعطلة مدرسية مناسبة، وتصمت المنظمات نفسها عن أطفال يموتون جوعاً وبرداً وقهراً في دوما وفي أنحاء سورية كلها؟ أم أن أطفال سورية المسلمين إرهابيون يهددون حضارة "العالم المتمدن".
إذاً لم نسمع ولن نسمع يقيناً، عن قيام المنظمات الإنسانية الدولية بأي نشاطات لحماية حق المرأة الدومانية بالحياة، أو حق طفلها ببعض الدفء والطعام.
قام التحالف الدولي بحرق مدن السنة في الشمال، وقام الأسد بتدمير مدن السنة في باقي سورية، ولم يحدث أن قصفت طائرات التحالف مواقع العلويين والشبيحة في اللاذقية وطرطوس على الإطلاق، مع أنهم سملوا العيون واغتصبوا النساء وقتلوا الرضّع حرقاً وتمثيلاً، ولم تهتز مشاعر أوباما الإنسانية إلا لفيديو حرق الكساسبة.
كم من "كساسبة" حرق في دوما، مع الاعتذار طبعاً عن تشبيه الطيار معاذ الكساسبة الذي كان يحرق خصمه بالرقة بطائرته، والذي قبض عليه خلال معركة عسكرية، بأطفال دوما الجوعى وأهلها الذين يعانون البرد، الذين قتلوا وأخرجوا من ديارهم بغير حق.
أ يعقل أن يشعر بان كيمون بالرعب لمصورة حرق الطيار الأردني، ويطالب "الدول المتحضرة" بالانتقام لمقتله، ولا يشعر إلا بالقلق المتواصل خلال أربعة أعوم من حرق سورية وشعبها؟ ويدعو "الأطراف المتصارعة لإلقاء السلاح".
يبدو أن الدول الغربية تأكدت أن كل سنّي إرهابي بالضرورة، وأن من واجبها القضاء على الإرهاب أينما حل وارتحل، في سورية والعراق وفلسطين واليمن، ولم تنس بالطبع إفريقيا الوسطى وبورما، وبما أن أهل دوما مسلمون فإنه لا يضيرها قتلهم بل يعنيها فعل ذلك. وللتأكد من حسن عملها في حماية البشرية استخدمت بالإضافة إلى عملائها أقذر الميليشيات الصهيونية والشيعية.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية