لأنها أُغتصبت.. أوهمت أهلها بموتها تحت التعذيب وهربت إلى تركيا

"كانت أشكال البنات مخيفة بسبب التعذيب الواضح على وجوههن وأجسادهن، قلت له الله يستر على حريمك، أنا مازلت عذراء"، فرد علي: اي أحلى!"
هكذا اختصرت الشابة الحموية، التي أرسلت إلى أهلها خبراً يؤكد موتها تحت التعذيب، مأساة الكثير من الفتيات اللواتي تعرضن للاغتصاب في معتقلات النظام.
رفضت "لما" رؤيتي كي لا أكشف سرها وأتعرف على هويتها، وعندما طلبت منها الحديث على إحدى برامج الدردشة أو أحد مواقع التواصل الاجتماعي أخبرتني أنها لا تدخل أياً من هذه البرامج وأنها لاتتواصل مع أحد.
وبعد أخذ ورد دام عدة أيام وافقت "لما" على إجراء لقاء عبر جوال زميلتها المعتقلة السابقة "فرح" التي كانت "زمان الوصل" قد أجرت معها لقاء سابقا، "لما" لا تريد حتى إعطائي رقمها!.
في البداية استغربت حصانة الجدران التي حبست "لما" نفسها داخلها رغم أنها تحررت من سجن النظام، ولكن بعد الاستماع إلى قصتها بررت نفيها لنفسها.
قالت "لما" إن والدها كان صحفيا يعمل في إحدى الصحف الرسمية وأنه شهد المجازر التي ارتكبها النظام في الثمانينات في حماه ولذلك كان والد "لما" لا يتوانى ـحسب وصفهاـ عن قول كلمة الحق، مما سبب أًعتقاله عدة مرات، وكان اعتقال والد "لما" الأخير بين عامي 1985 - 1991، وفي ذات العام الذي خرج به والد "لما" إثر عفو عام ولدت ابنته المقربة إلى قلبه كثيراً "لما".
تقول "لما": تربيت على قصص الظلم والتعذيب التي تعرض لها والدي.
ولأنها كانت تتمنى لو أن أحد المحامين تمكن من الدفاع عن والدها وزملائه، التحقت "لما" بكلية الحقوق، وكلها إيمان أنها ستصبح محامية ترفع الظلم عن المظلومين في وطنها.
عندما انطلقت الثورة السورية شاركت عائلة "لما" بالمظاهرات السلمية في حماه، وكانت "لما" مسؤولة عن عدد من تنسيقيات حماه على صفحات "فيسبوك".
في عام 2013 أُعتقل أحد أقرباء "لما"، وتم نقله من حماه إلى دمشق، ومن ثم علمت العائلة أنه نُقل إلى فرع أمن الدولة، لذلك سافرت "لما" وأخيها إلى دمشق للسؤال عن أحوال قريبهما المعتقل.
*مشوار الظلم
سألت "لما" العناصر الواقفين عند باب فرع أمن الدولة عن اسم قريبها المعتقل، وتتابع: قالوا لي إنه موجود عندنا، تفضلي إلى داخل الفرع حتى تتواصلي معه. فطلبت من أخيها عدم السؤال عنها في حال تأخرت ومؤكدة عليه أن يعود إلى حماه إن لم تخرج خلال ساعات.
في الداخل طلبوا هويتها وبدؤوا بسؤالها عن عائلتها ووالدها، ومن ثم أنزلوها إلى قبو وأخبروها أنها ستخضع للتحقيق، وأدخلوها إلى زنزانة فيها العديد من الفتيات، وتتابع "لما": "كانت أشكال البنات مخيفة ومرعبة بسبب التعذيب الواضح على وجوههن وأجسادهن، وعندها شعرت بالخوف كثيراً، وأدركت أني في ورطة كبيرة".
بقيت "لما" تنتظر التحقيق، حتى المساء، سئلت عن أسباب اعتقالها، وبعدما اتهمها المحقق بأنها إرهابية، أجابته: ألستم من يحارب الإرهاب؟! فجن جنون المحقق وانهال عليها بالضرب المبرح..
*الاغتصاب
في اليوم التالي، سيقت "لما" مرةً أخرى للتحقيق، وعندها كشف المحقق عن نواياه، تقول "لما": نظر إلي بعيون شهوانية وقال: "موحرام ينضرب هل الجمال"، ثم أمرها بخلع ملابسها، وتتابع: انحنيت على قدمه وقبلتها قلت له "الله يستر على حريمك، أنا مازلت عذراء"، فرد علي: اي أحلى!
اغتصب المحقق ـ الذي كانوا يطلقون عليه لقب نورس ـ "لما" بشراسة وبلا رحمة، وعلى الرغم من أن أصوات استغاثاتها كانت تُسمع في كل الفرع إلا أن أحداً من السجنانين لم يردع "نورس" عن فعلته التي كان يقوم بها في كل ليلة.
عندما سألتُ "لما" إن كانت تستطيع تذكر مواصفات المحقق نورس علّنا نفضح هويته، أجابتني: كيف لا أتذكر ملامحه وهو يزورني في كوابيسي كل ليلة، ثم وصفته قائلة: كان في الثلاثينات، بشرته مائلة للبياض، وهو طويل ولديه عضلات.
كانت "لما" تعود من التحقيق في كل ليلة وهي مكسورة الخاطر، تعرف من نظرات الفتيات أنهن يتعرضن لما تتعرض له، لكنها لم تبح بسرها وألمها الكبيرين إلا لزميلتها المعتقلة "فرح" التي كانت بمثابة والدتها، استمر حال "لما" على ذلك مدة أسبوع، إلى أن تم تحويلها إلى سجن عدرا قسم "السياسيات" بتهمة الإرهاب، بقيت هناك 7 أشهر، ثم أُطلق بعدها سراحها ضمن عفو عام.
*شهيدة تحت التعذيب
عندما خرجت "لما" من عدرا توجهت إلى منزل "فرح"، حسب اتفاق مسبق بينهما، فهي لم تعد تريد العودة إلى أهلها لأنها، حسب ماقالت، لم تكن قادرة على إخبارهم بأنها أُغتصبت عدة مرات، لذلك أرسلت إلى أهلها خبراً يؤكد بأنها توفيت تحت التعذيب، وصدق أهلها الخبر بعدما أعلمهم حامل الرسالة أن معتقلة كانت مع "لما" في الفرع رأت جثتها.
انتقلت "لما" مع فرح إلى تركيا، وهي تعمل اليوم في غسل الصحون في أحد المطاعم، ومازلت حتى اللحظة حريصة على ألا يعلم أحد من أهلها أو أصدقائها بأنها على قيد الحياة.
أخبرتُ "لما" أنه لا يجوز أن تبقي نفسها مسجونة داخل ذنب لم ترتكبه، وأن أهلها لاشك أنهم سيفرحون إن علموا بأنها على قيد الحياة"..لكنها أجابت: "خلي أهلي فخورين فيني..حرام خليهون يوطوا راسون".. أصريت على "لما" أن نلتقي عساني أقنعها في العودة إلى الحياة، فردت "الله يستر عليكي خليني مستورة".
لمى شماس - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية