أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ياسمينُ دوما أجمل وأندى عطراً.. ناصر الدين الجيلاني

يقصف النظام المتوحش مدينة دوما التي قررت بأطفالها وشيبها وشبابها ونسائها وفتياتها أن تغازل درعا، أن تُكبر مع العُمري وحمص الوليد، أن يكون للقمح في حوران موائد في عاصمة الغوطة الشرقية. لم تهتم دوما للفاتورة، فهي ليست أغلى من دم الجوابرة والمسالمة يوم قتلا عمداً، دوما منذ ذلك اليوم أعلنتها ثورة من غير رجعة، وأنّ الشهامة مهما تنوعت، وتنقلت وتوزعت فهي دومانية المنبع.

يتقولُ البعض إلا ياسمين دمشق، هم لا يعلمون أنهم مهما تغنوا بياسمين دمشق وقرنفلها، وليمونها، وبحرات بيوتها، والنارنج والكباد والجوري، لن يستطيعوا لمسه وشمه بدون دوما، مهما كتبوا الشعر فيه، دوما هي المدخل والقافية والروي.

ويتقولون: لو لم يقصف "زهران علوش" دمشق، لما قصف النظام مدينة دوما والغوطة الشرقية، وكأن النظام كان يلقي بالبوالين والزهور من طائراته عليها، كأنه ومنذ أربع سنين تحمل صواريخه لصاقات ورقية لا تخدش، مكتوبٌ فيها "ما أجمل أن نعيش" ، أو "ابتسم فالحياة جميلة"، ربما لو قدر الله لحجارة دوما أن تحكي، لبقيت تعد أنواع السلاح الذي قصفت به عشر سنين بلا توقف.

إلا ياسمين دمشق، عبارة السقوط الأخلاقي، كلنا نحب الشام، كلنا تجري الدمشقةُ في عروقنا، لكن ما فائدة دمشق وكل حجارتها أمام صرخة طفل دوماني، أو سقباني أو سوري مظلوم لو عدت لأصوله لوجدته دمشقياً أكثر من كل سكانها، قتل ببرميل متفجر، ما فائدة زواريب الشاغور، عندما تموت أمٌ خلفها خمسة أيتام، لو دققت في ملامحها لعرفت أنها تشبه الأموي، بل مئذنته العروس، ما تعنينا كل تلك الآثار عندما يبكي شيخٌ مسن فارق ابنه الشاب الذي قرر أن يزوجه قبل أيام، لكن الصواريخ الفراغية اختطفته مع أربعة أبنية من دوما كانت تُعيل مئة شجرة ياسمين، أقصد مئة طفل وفتاة وأم وشيخ، هؤلاء هم ياسميننا، ريح دمائهم أزكى، من كل عطور باريس حيث يقطنُ خائفو الياسمين مثلاً، رائحتهم أكثر تميزاً من كل عطور العطارين في سوق الحميدية.

ربما قصف دمشق يتراوح بين خطأ أو صواب، لكن ياسمين دمشق لا شيء أمام مدني لا ذنب له، لكن عصابة النظام لا صواب أبداً في همجيتها، هي تمحي المدن عن الخارطة، تفتتها، تجعلها رماداً، لكن من يخبرهم أن دوما مستمرة حتى النهاية، التاريخ والمستقبل كفيلٌ بذلك.

عندما أحرق تنظيم داعش الطيار الأردني معاذ الكساسبة، لم يبقَ أحد لم يشجب، الدول والحكومات والمنظمات والشيوخُ والمفكرون والعلماء والقسس والرهبان حتى الخارجية السورية وتلفزيون المنار، كلهم أخذوا يُنظرونَ للإنسانية، ويظهرون أعلى درجات التألم والأسى لما حصل، ما الفارق بين من يحرق شخصاً بشعلة نار، ومن يحرق عشرة براجمة صواريخ، فالأول إرهابٌ مذموم، والآخر إرهابٌ ممدوح، هكذا هو عالم حقوق الإنسان، إرهاب بسمنٍ وآخر بزيت. 

دوما لا تحتاج لأن يقف أحد معها، ولا أن يقلق من أجلها، ياسمينها أجمل من كل ياسمين الأرض، لونه ولو كان أسوداً محروقاً بشظايا قذيفة فهو أزهى، حجارتها أغلى من شوارع كثيرة يقطنها تجار الدم، مهما حاولت أن تصف عظمة شبابها الماكثين هناك ستحتار، مهما قارنت بالتاريخ بين الخنساوات، ففي دوما وجاراتها من هنّ أكثر تضحيةً ومأثرة، عندما تدقق في وجه الشيخ المليء بالدم، تقرأ بتعرجات وجهه كل شيء، تتكلم لحيته البيضاء عن ياسمين الشآم، كل الشام، دوما ودمشق، المفارقة المتوحشة أن دوما تسكب الدم كل يوم ولا تجد من يبكي عليها سوى من عاش ألمها، ودمشق تساهم في سكب ألم دوما بدون قصدها هو المحتل، لكن التاريخ قال إن فرنسا قصفتها وانتصر الشعب، ولذلك ياسمين دوما المقتول من أجل الحق أجمل، وأندى عطراً .. ودوما التي تُباد، هي الروح التي مهما حاربوا الجسد يبقى ويبقى ويبقى .. ومن دون ياسمين دوما لن نشم ياسمين دمشق.

(192)    هل أعجبتك المقالة (189)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي