أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الهويات الزرقاء لعنة تلاحق قادة إسرائيل

تجلت أبرز تداعيات عملية القدس، أو عملية الجرافة التي نفذها الأربعاء الماضي الفلسطيني، تيسير دويات، في مسارعة كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، ووزير أمنه، إيهود براك إلى الإعلان، حتى قبل استنفاذ التحقيقات في ظروف الحادث، عن تأييد مطلب هدم بيت تيسير دويات، على الرغم من اتساع دائرة التشكيك في ظروف الحادث، خصوصا وأن ضابط المراقبة أعلن لصحيفة يديعوت أحرونوت أن دويات عاني من فقدان السيطرة على الذات.   لكن الأبرز في القضية وفق ما رصدته الصحف الإسرائيلية منذ الأربعاء الماضي، وفي كتابات متابعي الشؤون الأمنية والعربية على حد سواء هو على النحو التالي:  

 ضعف الحكومة الإسرائيلية في مواجهة حماس وحزب الله  

وهو تشخيص يقول به في الأساس المحسوبين على اليمين الإسرائيلي، مثل الصحافي المخضرم، دان مرغليت، والوزير السابق أفيغدور ليبرمان، وقد رأى الاثنان في مقالتين نشراها بعد الحادث، أن "وهن" الحكومة الإسرائيلية، وتردها في مواجهة العمليات الفلسطينية بحزم شديد، وخصوصا على أثر عملية مركاز هراف التي نفذها الفلسطيني، علا أبو دهيم من جبل المكبر، وعدم أخذ الحكومة ووزير الأمن قرارا حاسما بالعودة إلى سياسة هدم منازل منفذي العمليات وحرمانهم عائلاتهم من مخصصات التأمين الوطني، كان، على جانب فقدان الحكومة لهيبتها لا سيما في ظل الوضع الخاص لرئيس الحكومة أولمرت، دليلا على ضعف الحكومة وعجزها عن مواجهة "الإرهاب الفلسطيني" وهو ما وجه ضربة قاسية لهيبة إسرائيل وقدرتها على الردع، خصوصا وأنها ، كما يقول مرغليت تفضل أن تقدم بوادر حسن النية لحسن نصر الله من جهة ، ولقيادة حماس، بدلا من أبو مازن، فإننا نشهد ازديادا في العمليات الإرهابية.   وإذا كان مرغليت وليبرمان يشيران إلى ضعف الحكومة من حيث مواجهتها "للإرهاب الفلسطيني" وحزب الله، فإن ناحوم بارينع وهو من مخضرمي الصحافيين الإسرائيليين، أيضا، لكنه محسوب على تيار اليسار المركزي، اعتبر أن ضعف الحكومة الإسرائيلية، بقطبيها براك وأولمرت، يتجلى أكثر شيء في انجرار الاثنين وراء المطالب الشعبوية بهدم منزل منفذ العملية وكأن ذلك سيوفر لإسرائيل قوة الردع المطلوبة لها في مواجهة منفذي العمليات. ويقول برنيع في هذا السياق: "ما أن قال الخبراء بضرورة هدم البيت حتى بشرونا بأن رئيس الحكومة ووزير الامن أجريا اتصالات وأصدرا تصريحا لتؤكد وجود الحكومة، لكن أحدا لم يسأل ما هو مصدر هذه الثقة بأن من يأمره الله بالخروج لتنفيذ عملية قتل، سوف يرتدع من وجود خطر يهدد ممتلكاته العقارية؟ 

  نوع جديد/ قديم من العمليات  

إلى ذلك يرى برنيع أن عملية القدس الأخيرة، وعملية مركاز هراف التي سبقتها، تبشران بنوع جديد من العمليات يطلق عليه برنيع "خصخصة العمليات"، ويقصد بذلك قيام فلسطينيين بتنفيذ عمليات انتحارية ضد أهداف إسرائيلية، بصورة فردية ومستقلة دون أن يكونوا تابعين لحركات أو فصائل فلسطينية، "إنهم أناس يتنازلون عن معسكرات التدريب" هذا هو نوع من العمليات غير المنظمة، والذي كان سائدا في فترة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، عندما توجه فلسطيني، غير مؤطر في أي من الحركات الفلسطينية، إلى القدس الغربية، وقام في 21 تشرين أول من العام 1990 وقام بقتل ثلاثة إسرائيليين؛ جندية وشرطي ومواطن، وتكرر الأمر في شباط من العام 96 عندما قام فلسطيني بتفجير نفسه في باص عمومي رقم 18 في شارع يافا الرئيسي في القدس.  

ويتفق مرغليت مع برنيع في أن إسرائيل تواجه نمطا جديدا من العمليات، لكنه يشرح تشخيصه هذا بالقول إن "عملية السور الواقي" عام 2002 ، وبناء جدار الفصل قد أسفرت عن إغلاق الضفة الغربية بشكل شبه مطلق بحيث لم يعد بمقدور المنظمات الفلسطينية تسريب انتحاريين فلسطينيين يلبسون أحزمة ناسفة أو سيارات مفخخة بسبب الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش الكثيرة، وبالتالي فإن هذه الجهات وجدت ضالتها في سكان القدس الذين يحملون هويات زرقاء، ويتمتعون بحرية الحركة داخل القدس وإسرائيل.   أما المحلل العسكري والخبير الأمني، عوفر شيلح، فكتب في صحيفة معاريف يقول إن الجديد في هذه العمليات( ويقصد العملية الأخيرة، وعملية مركاز هراب) هو أن منفذيها ليسو انتحاريين خططوا لعملياتهم بدقة، وتوجهوا لمطاعم أو مقاهي لتنفيذ مآربهم، مع الأخذ بعين الاعتبار احتمالات وخطر اكتشافهم كما حدث أكثر من مرة، وإنما في كون منفذي العمليات أناس عاديين، من سكان المدينة، الآول سائق سيارة نقل من جبل المكبر والثاني عامل حفريات من صور باهر، وقد عرف الاثنان القدس الغربية جيدا ووصولا إلى مكان العملية، في إطار روتينهم العادي للوصول إلى مكان العمل، وبالتالي لم يثيرا الشكوك، إلى أن استلا السلاح أو التراكتور الجرار ليبدآ عملية القتل".  

 لعنة الهويات الزرقاء 

  لكن الأمر اللافت في هذا السياق، وفي كلتا الحالتين، هو تركيز الإعلام الإسرائيلي، على كون منفذ العملية "مواطنا" أو من سكان القدس الذين يحملون الهوية الزرقاء ويتلقون مخصصات التأمين الوطني، ويشكل هذا التركيز في واقع الحال خدعة إسرائيلية لها عدة أهداف: الأول؛ تفسير أو تبرير قصور الجهات الأمنية في منع الحادث عبر التلويح بأن منفذ العملية من مواطني القدس أو سكانها الذين يحملون هوية زرقاء تتيح لهم حرية الحركة، وهو تفسير أيضا يحمل دلالات سياسية مهمة بالنسبة لإسرائيل ويتعلق بموضوع "وحدة القدس"، فالتلويح بمكانة المقيم أو الهوية الزرقاء يبعد تلقائيا فلسطينية منفذ العملية وكونه من القدس المحتلة التي تتحول في هذه الحالة إلى مجرد أحياء عربية في القدس الكبرى، قام أحد المقيمين فيها بالعملية، على الرغم من أنه يتلقى مخصصات تأمين، وهي كذبة إسرائيلية أكبر، تستخدمها إسرائيل في الدعاية والترويج إلى مدى اهتمامها برفاهة سكان القدس "العرب" بدلالة دفع مخصصات لهم، علما بأنهم كسكان في القدس ملزمون كأي مواطن إسرائيلي بدفع نسبة ثابتة من الدخل الشهري لمؤسسة التأمين الوطني.   وتبعا لذلك فإن الحديث عن هدم منزل أو معاقبة أهل منفذ العملية يكون أقل إشكالية لإسرائيل، لأن منفذ العملية يصبح مجرد مقيم في القدس في أحسن الحالات إن لم يتم مسخ هويته وتحويله إلى مواطن إسرائيل.   هذا  من حيث الدعاية الإسرائيلية، أما من حيث أثر ذلك على الجانب الأمني، فإن الجهات الأمنية في إسرائيل تقر أنها في الحالات المتعلقة بعمليات ينفذها فلسطينيون مستقلون غير منتمين لحركة أو فصيل فلسطيني، أيا كان، لا تملك سبيلا للوصل إلى معلومات استخبارية أو إنذار قد يمكنها من إحباط مثل هذه العمليات، لأن الهوية الزرقاء التي أرادتها إسرائيل، دليلا على سيادتها على القدس المحتلة ، تتحول في هذه الحالات إلى سلاح ضدها وجواز مرور لمنفذي عمليات فلسطينيين من تفرض عليهم إسرائيل حمل بطاقات هوية زرقاء لتميزهم عن الفلسطينيين في الضفة، الذين كانت تفرض عليهم إسرائيل بطاقة هوية برتقالية اللون، قبل اتفاقيات أوسلو وقبل تأسيس السلطة الفلسطينية.

صحف - زمان الوصل
(148)    هل أعجبتك المقالة (155)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي