أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"الجمهورية الإسلامية في لبنان" ؟!

أُثيرت في الأيام الماضية في لبنان زوبعة قديمة- جديدة، أبطالها المسيحيون، عبّروا من خلالها عن مخاوفهم من "هضم" حقوقهم، متهمين الحكومة اللبنانية "بسوق" لبنان –أي أخذه مكرهاً- نحو الأسلمة.
هل الهواجس المسيحية محقة، وهل فعلاً العلامة الشيخ فؤاد السنيورة يسعى لأسلمة لبنان، وهل مواقفه الداعية للعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين إنما هي "تقية" خادعة، تمهّد لتنفيذ خطته بتحويل لبنان إلى "الجمهورية الإسلامية في لبنان"؟!، وتحويل المدن اللبنانية إلى إمارات إسلامية، ويعيّن على رأس كل إمارة والٍ يتبع للسلطان الملاّ سنيورة القابع في الباب العالي (السرايا الحكومي)؟!
من الغبن إغفال أن بعض المخاوف المسيحية مبررة، خاصة وأن موقع رئاسة الجمهورية (رمز المسيحيين وصمام أمانهم) يتعرض لتهميش وإضعاف، ويشكك كثير من المسيحيين بشرعية بقاء الرئيس في قصر بعبدا. خاصة أن تأثير الرئيس بات مقتصراً على استقبال وفود من مخاتير وأعضاء أحياء شعبية مسلمون بمعظمهم. وانطلاقاً من ذلك، فإن أي خلل يحصل في التعاطي مع المسيحيين سواء لناحية التعيينات في الوظائف العامة، أو إلغاء أحد أعيادهم، أو إثارة شراء الأراضي وغيرها، يذكّر المسيحيين بانكشاف ظهرهم الرئاسي، ويعيد لأذهانهم المأساة الموجودة في قصر بعبدا.

إحدى الشعرات التي قصمت ظهر بعير المخاوف المسيحية تمثلت بطلب الحكومة اللبنانية الانضمام "لمعاهدة حقوق الطفل في الإسلام"، واعتبرها البعض تحويلاً للمسيحيين في لبنان إلى "أهل ذمّة".

في مسعى خائب مني لاتباع طرق علمية في تفنيد الأمور، سعيت بجهد للعثور على النص الحرفي لمعاهدة حقوق الطفل في الإسلام، التي ارتكبت الحكومة اللبنانية "جريمة" طلب الإنضمام إليها. قرأت نصوصها بتمعّن، فلم أعثر على ما يسيء للطفل، سواء كان مسلماً أو غير مسلم. بل على العكس، فقد تضمنت المعاهدة حرصاً وضماناً وحفاظاً على حقوق الطفل وصحته وعقله. عدت بعدها إلى حيرتي في النظر لمواقف انتقاد المسيحيين للمعاهدة، وهل يعقل أن يكون النقد محصوراً بكلمة الطفل "المسلم" فقط !..

إلى أن نجحت بالعثور على نص المعاهدة على أحد المواقع الإلكترونية، لكنها هذه المرة منشورة على الموقع وقد قام القائمون على الموقع بتظليل النصوص والعبارات التي يجدها المسيحيون والمطرانية المارونية، مثيرة للمخاوف ومبررة لاتهام الحكومة بأسلمة البلد.

وسأحرص فيما يلي الإشارة إلى هذه العبارات:

مما تمّ تظليله عبارة "يحظر الاجهاض"، لكن يبدو أن من ظلّل الكلمة لم ينتبه للتتمة، وهي "إلا في حالات الضرورة". وكأن المسيحيون يدعون إلى إباحة الإجهاض وقتل الأجنة في أرحام أمهاتهم بالمطلق. يأتي ذلك في الوقت الذي تتجه فيه التشريعات الغربية (المسيحية) إلى حظر الإجهاض، وتقييده بضوابط ضيقة. ولعلّ إحدى مآثر الرئيس الأميركي بوش النادرة حرصه على عدم تشريع الإجهاض في الولايات المتحدة.

عبارة أخرى يكشف تظليلها معارضة مضمونها وهي "حق الطفل في اللباس الذي يوافق معتقداته مع الالتزام بالشريعة الإسلامية والآداب العامة وما لا يخدش الحياء". احترت في معالجة هذه العبارة. فقد تمّ عطف الالتزام بالشريعة على الآداب العامة. فهل الشريعة الغراء تُلزم الطفل المسلم بستر ما بين السرة والركبة، وهل تلزم الطفلة بوضع الحجاب؟ مما يعني أن القيد الوارد يفسره ما بعده وهو "خدش الحياء". إلا إذا كان إخواننا المسيحيون يرغبون بعرض عورات أطفالهم أمام من يشاء على قارعة الطرق !!

في المادة 15 من المعاهدة المذكورة والمتعلقة بصحة الطفل، تمّ تظليل عبارة "منح الطفل الحق في الختان". يأتي ذلك في الوقت الذي تشير فيه الدراسات الطبية الصادرة من الغرب إلى دور ختان الذكور في الوقاية من كثير من الأمراض، وحماية لأعضائه التناسلية من تكاثر الجراثيم والبكتيريا عليها. إضافة إلى أن النص الوارد في المعاهدة يعطي الطفل "الحق" بالختان، ولا يفرضه عليه. أي أنها تشرع لمن شاء القيام بالختان لطفله.

"ضمان حق الطفل في وقايته من المواد المخدرة والمسكرة والمواد الضارة الاخرى" عبارة أخرى أثارت مخاوف المسيحيين من أسلمة لبنان. وكي نؤكد على رفضنا لهذه الأسلمة والحفاظ على الوجود المسيحي فيه، علينا أن نسعى لإيقاع أطفالنا في وحول الإدمان على الخمرة والمخدرات، وليذهبوا إلى الجحيم، طالما أننا نجحنا بتجنيب لبنان من الأسلمة !!

أواب ابراهيم ـ الجزيرة توك ـ بيروت
(218)    هل أعجبتك المقالة (280)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي