علاقتي مع الاكتئاب معقدة للغاية، فأنا في صراع معه منذ سن المراهقة، فقد تم تشخيصي لأول مرة به وأنا في الـ15 من عمري، المرة الثانية كنت في العشرين، والأخيرة كانت من قبل طبيبي العام الماضي، لقد كان الأمر مضحكًا حينما تم تشخيصي به وأنا في الـ15 من عمري، لقد شككت في تشخيصي تلك الفترة، لكن طبيبًا آخر أثبت لي حقًّا بأنني كنت مصابة بالاكتئاب، على أي حال فقد قررت أن أقبله كجزء من حياتي، لقد قررت أن أجعله تحت السيطرة.
قبل بضعة أسابيع كتبت مقال عن تسعة أشياء أتمنى أن يعرفها الناس عن القلق، حيث بعد 5 سنوات من مصارعة القلق ومحاولة الوصول إلى أفضل طرق التعامل معه أحسست أخيرًا أني أفهم خصوصياته وعمومياته، لذلك أتمنى في يوم من الأيام أن أكون قادرة على كتابة مثل هذا النوع من المقال، ولكن عن الاكتئاب.
لا أستطيع أن أقول لكم ما أتمنى أن يفهمه الناس عن الاكتئاب، لأني نفسي لا أفهمه تمامًا حتى الآن، لكن هنا 9 أسرار قمت باكتشافها عنه ولم يخبرني بها أحد. قد لا تكون أسرار للكثيرين لكن أتمنى أن يعرفها الجميع في أسرع وقت، حيث معرفة كل أمر منهم ساعدني كثيرًا أثناء مواجهتي للاكتئاب.
1- أكاذيب كثيرة
لو كان لدي القدرة على عرض أشياء في شريط الأخبار من خلال شاشة التلفزيون فإنها لن تكون بالتأكيد أهم الأحداث الرياضية أو عناوين الروايات الشهيرة، كنت سأعرض كل 15 ثانية جملة محتواها “إذا كان لديك اكتئاب فإنه يكذب عليك”. حيث الاكتئاب في كل لحظه من كل يوم في حياتك يخبرك الأكاذيب.
وهذه عينة صغيرة من الأكاذيب التي كان يخبرني بها الاكتئاب على مر السنين: أنتِ كسولة, أنتِ بلا قيمة, أنتِ لن تحققي أي شيء مهما فعلتي، أنتِ لا تمتلكي أي مهارة أو موهبة, عائلتك وأصدقاؤك يكرهونكِ, أنتِ فاسدة، أنتِ غبية, الناس في حياتك سيكونون بحال أفضل من دونك, ليس الناس في حياتك فقط بل إن العالم بأسره سيكون أفضل بدونك, لا شيء مما تقولينه صحيح، لا شيء تفعلينه صحيح، كل ما تفعلينه خاطئ.
اليوم تحديدًا وأثناء كتابتي لهذا المقال أدركت أن كل هذا ما هو إلا أكاذيب وأنا أدرك هذا جيدًا الآن لأني استغرقت وقتًا طويلاً في العلاج لاكتشف أن كل هذا ما هو إلا أوهام وأكاذيب، ولكن عندما كنت في فترة الاكتئاب كنت أعتقد أن كل هذا حقًّا صحيح، ولو كانت لي القدرة في ذلك الوقت للاطلاع على المستقبل ورأيت نفسي وأنا أكتب هذا المقال لكنت أقسمت بأن كل ما أشعر بيه حقيقيًّا وأنها ليست أكاذيب.
2- الاكتئاب يفرض نفسه بالقوة
الاكتئاب هو شخص متجبر يفرض نفسه عليك ويساعده في ذلك كونه يعرف جميع نقاط ضعفك، لديه ترسانة أسلحة كاملة تحت تصرفه، هذه الترسانة هي كل لحظة مؤلمة مررت بها، كل رفض واجهته من المجتمع والمحيطين بك، كل موقف محرج تعرضت له، كل جرح عاطفي قد أصابك خلال حياتك.
توجد بعض النظريات حول كيفية مواجهة البلطجة، منها ما يؤيد “التجاهل” كحل للمشكلة، لكن هذا الحل يعتبر عديم الفائدة عند محاربة الاكتئاب، حيث الاكتئاب لا يريدك أن تتجاهله فسوف يستغل كل فرصة للحصول على أرضية مناسبة لمهاجمتك. لذلك فتجاهل الاكتئاب ومحاولة إقناع نفسك بأنك لست مكتئبًا سيسهل عليه التسلل والتلاعب في أعماق دماغك، وسيكون أكثر صعوبة بكثير عند محاولة القضاء عليه.
3- إذا كنت تعتقد أنك مصاب بالاكتئاب فعليك أن تخبر أحدًا ما
أعلم جيدًا أنك سمعت هذا الكلام من قبل كجزء من حملات مكافحة الانتحار، أو مكتوب على غلاف أحد الكتب، لكن على الرغم من ذلك على أن أقوله ثانية، وعليك أنت تسمعه.
من الأشياء المعقدة في الاكتئاب أنه ليس له صورة واحدة، ففي بعض الأحيان يكون تام الوضوح وهذه الحالة قد تعرض صاحبها لخطر الانتحار، في صورة أخرى يكون على هيئة نوبة شديدة من الاكتئاب وهو ما قد يترتب عليها – إذا لم يطلب صاحبها المساعدة الفورية- أن يكون عرضه لإيذاء نفسه أو قتلها. فإذا أعتقدت أنك أو شخص تحبه تمر/ يمر باكتئاب عليك أن تطلب المساعدة من عائلتك، من طبيب مختص، لكن بالتأكيد عليك أن تخبر أحدًا ما.
قد يمنعك اكتئابك من أن تخبر أحدًا به بحجج كثيرة، منها أنك لديك قليل من الاكتئاب بالتأكيد لن يدفعك إلى إيذاء نفسك أو الانتحار، أو أنك “لست مكتئبًا بالدرجة التي تهتم بها”، أو “هذا الشيء لديك القدرة على التعامل معه بنفسك”، أو “لا أريد أن أزعج أحد بمشاكلي الخاصة”، أو “عندما يقولون ينبغى لك أن تخبر شخصًا ما إذا كنت تعتقد أنك مكتئب فإنهم لا يقصدونك أنت”.
أنا هنا لأخبرك أنك إذا كنت تعتقد أنك مكتئب فأنا أقصدك أنت، وأنت بالتحديد، سواء كان هذا الاكتئاب خفيفًا أو متوسطًا أو شديدًا، فالاكتئاب ليس شيئًا يجب عليك أن تتعامل معه بنفسك، هذا ليس لأنك لا تمتلك القوة الكافية أو الذكاء الكافي للتعامل معه، بل لأن الاكتئاب يشوه تفكيرك أنت، لأنه يعيش داخل دماغك فأنت تحتاج الى حليف لا يكون للاكتئاب تأثير عليه، تحتاج إلى طرف موضوعي، فالتفكير بنفسك بطريقة موضوعية يصبح صعبًا بشكل لا يصدق.
4- الأفكار الانتحارية ليست دائمًا جزءًا من الاكتئاب
“أريد أن آخذ جرعة كبيرة من الحبوب لأنه لم يعد لديّ القدرة على الاستمرار حيًّا”، هذا نموذج عن أفكار انتحارية نشطة، خلفها نوايا، ويكون لدى المكتئب العزم على القيام بها منذ فترة طويلة، كذلك لديه خطة تنفيذ، حتى لو كانت خطة غامضة. هذا هو التعريف الذي يظنه الناس عن الأفكار الانتحارية، وهو ليس تعريفًا خاطئًا، لكنه ليس بالتعريف الكامل.
هذه أمثلة أخرى عن أفكار انتحارية “سأذهب للنوم وأتمنى ألا أستيقظ غدًا”، أو مثلاً عندما تقود سيارة وتتخيل “إذا انحرفت عجلة القيادة قليلاً إلى اليسار فهذا قد يريحني من الحياة”، هذا النوع من الأفكار يسمى بأفكار انتحارية سلبية، ليست هناك أسباب وراءها، وليست هناك خطة معينة لتنفيذها، ما هي إلا أوهام عن الموت.
فالاكتئاب يجعل فكرة الموت أكثر جاذبية من البقاء على قيد الحياة، وأنا هنا لا أبالغ، فعندما كنت أعاني من الاكتئاب كانت تجول في خاطري آلاف الأفكار الانتحارية السلبية. على أي حال فهذا النوع من الأفكار أقل خطورة من النوع النشط، لكن هذا لا يعني أنها ليست خطرة، فكل فكرة تؤدي إلى أخرى، ومع تراكم الأفكار مع الوقت قد تصبح نشطة.
إذا أتاك أحدهم وأخبرك أنه يمر بحالة من الاكتئاب، فلا تظهر له بأنك خائف عليه من أن تسيطر عليه أفكار انتحارية، لأنه إذا أحس بذلك فلن يتكلم معك ثانية خوفًا من أن يثقل عليك ويزيد من قلقك عليه.
5- الاكتئاب والحزن ليسا دائمًا نفس الشيء
لا تخطئوا فهمي فالاكتئاب بالتأكيد يأتي نتيجة نوبات من الحزن واليأس. الاكتئاب يجعل أبسط الأشياء وأتفهها تغرقك في بحر من المزاج المظلم الذي يجعلك تعثر على السوداوية في كل شيء، لذلك فهو أعمق من الحزن ومن اليأس، فالكلمة الوحيدة التي تميز حقًّا الاكتئاب هي “المخدر” فهو يخدر مشاعرك فأنت لا تشعر بأي شيء على الإطلاق.
6- قد تكون مصابًا بالاكتئاب دون أن تعرف ذلك
نعم إنه أمر متوقع على الرغم من أنه يبدو مستحيلاً، ومع ذلك تظل الحقيقة أن هذا صحيح. فمن الجائز أن تكون غافلاً عن التغيرات التي تحدث في سلوكك ومزاجك، فقد مررت بفترات من الاكتئاب أكثر من مرة دون أن أدرك أن هذا ما يسمونه بالاكتئاب، لكن الأصدقاء والعائلة لهم دور كبير في هذه الناحية كونهم يعيشون معك ويعرفون مزاجك وسلوكك، ومن السهل عليهم التعرف على أي تغير يطرأ عليك.
7- يمكن أن يكون مرئيًا
بالطبع من الممكن أن يكون غير مرئي، لكن بطبيعة الحال فكرة أن الاكتئاب دائمًا يكون غير مرئي هي فكرة ليست دقيقة، فالاكتئاب غالبًا ما يؤدي إلى تآكل قدرات المرء عن القيام بالمهام الأساسية، هذا بالإضافة إلى تدرج هذا الظهور في العناية الشخصية والنظافة. فعندما كنت مصابة بالاكتئاب كان يظهر على ملابسي وشعري ومظهري الذي يميل إلى المعاناة، ناهيك عن نظافة شقتي.
8- الاكتئاب يستجيب للروتين
بالطبع الصورة التقليدية لكون الاكتئاب يصيب الذين لديهم فراغ وأوقات كبيرة غير مستغلة في حياتهم بها قدر كبير من الصحة، فالكثير من المكتئبين نكتشف أنهم عاطلون عن العمل، إلا أنه في وقتنا الحالي، وفي ظل حياة وأعمال روتينية ممتلئة بالتفاصيل التي قد لا تحتاج أي نشاط ذهني فإن الاكتئاب قد يتماشى مع روتين حياتك، ولن يوقفك تمامًا.
9- الاكتئاب ليس نهاية العالم
سوف يبذل الاكتئاب قصارى جهده لخداعك بذلك، بكونه النهاية ولا حل أو علاج له، لكن هذه مجرد أكذوبة أخرى من أكاذيبه، فالاكتئاب مؤلم ومن المحتمل أن يكون خطير ومخيف وسيبطئ حياتك لفترة من الوقت وسيكون من الصعب التعامل معه، لكن على الرغم من كل ذلك فهو ليس نهاية العالم، فهو مجرد شيء يحتاج لتفكير دقيق ووعي وإدراك، بعبارة أخرى يحتاج إلى بعض العمل، فيمكنك أن تتعامل معه بغض النظر عما يحاول الاكتئاب أن يوحيه إليك.
علينا الاعتراف أن مكافحة الاكتئاب هو عمل شاق، ولكن يجب عليك أن تستمر في السعي والنضال، فستنجح في بعض اللحظات وتفشل في أخرى، لكن عليك أن تستمر، وعليك أن تكرر دائمًا في نفسك أنه ليس من المهم في أي مرحلة أنت من مواجهتك له، لأنك لست وحدك.
Kady Morrison
ترجمة : حسن عادل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية