أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فنجان قهوة عند مخابرات الأسد.. خطيب بدلة

لا أريد أن أستفيضَ بالكلام عن مشاعر الرعب التي كانت تنتابُ المواطنَ السوري حينما يُسْتَدْعى لشرب فنجان قهوة في أحد الأفرع المخابراتية، لأن كثيرين، قبلي، تناولوها،... وحتى ياسر العظمة لم يقصر في هذا المجال إذ خصص لها لوحة من مسلسله الكوميدي "مرايا"، ثم جاء الليث حجو ليتوسع في هذا المجال في مسلسله "بقعة ضوء"، وقلده مخرجون آخرون، حتى آلَ الأمرُ إلى المخرج عامر فهد فمنع توجيه أيَّ انتقاد مباشر أو غير مباشر للمخابرات والعسكر في الأجزاء الأخيرة التي كلفته شركة سورية الدولية بإخراجها..  

المهم يا سيدي.. وكان الأصدقاء المقربون من الشخص المستدعى إلى أحد الفروع يقولون له عبارةً مُطَمْئِنة هي التالية:
- أخي، الاستدعاءات ليست مخيفة، لو كان هناك شيء خطير حَوْلَك لكانوا داهموا بيتك وأخذوك موجوداً.  
وكان هذا المواطن، في المحصلة، يذهبُ لشرب القهوة التي يمكن بلعُ الزقوم ولا يمكن بلعُها؛ لأنه لا يوجد أمامه سوى الخيارين اللذين حكى عنهما أبو فراس الحمداني: (وقال أُصَيْحابي: الفرارُ أم الردى؟... فقلت هما أمـــــــران أحلاهُما مُــــــرُّ)؛ مع اختلاف بسيط هو أن ثنائية الفرار أو الردى التي تحدث عنها أبو فراس تدخلُ في مفهوم الرجولة، يعني أن الواحد، برأيه، عيب ينهزم! وهي تنويع على ثنائية المثل الشعبي الذي يقول المَنِيّة ولا الدَّنِيّة، وأما في ظل مخابرات بيت الأسد فهناك مثل مستحدث يقول (الهزيمة هي ثلثا المراجل)!!.. ولكنَّ مَنْ يقرر (الفرار) لا بد أن يصطدم بالسؤال الوجودي الذي أطلقه أحمد رامي في ترجمته لرباعيات عمر الخيام: أين المفر؟
أي صحيح والله: أين المفر؟!
حكوا لنا عن رجل أعمال سوري من مدينة دمشق، اسمه- فرضاً- "مصطفى"، جاءه خبر، في ليلة معتمة من ليالي شتاء سنة 1980، أن أحد مُخبري شعبة الأمن العسكري قد رفع بحقه تقريراً أصعب من فراق الوالدين؛ فيه بندان ينص أولُهما على أنه عضو بارز في الجناح العسكري لعصابة الإخوان المسلمين، ويشير ثانيهما إلى أنه الممول الرئيسي لهذه العصابة في مدينة دمشق! (كلمة العصابة ليست من عندي، بل إنها من صلب التقرير).

ولأن مصطفى رجل مستريح اقتصادياً فقد كان قادراً، بالطبع، على تقديم الرشى لسلسلة طويلة من المتسلطين الذين يفتحون أفواههم على مصاريعها، ويفتحون أيديهم مثل جرون الحَمَّام.. ولهذا فقد استطاع أن يتخفى، وخلال فترة التخفي حَوَّل قسماً كبيراً من أملاكه المنقولة إلى أموال سائلة سَرَّبها، مع أحد عماله، إلى حساب له في مصرف فرنسي، وتوجه من توه إلى لبنان، ومنها إلى باريس.

ثمة مفهوم جديد دخلَ إلى قاموس الحياة اليومية السورية خلال سنيِّ الاستبداد البعثي والأسدي، مفاده أن أي إنسان، مهما تكن إمكاناته الفطرية والاجتماعية والاقتصادية متواضعة، يغادر سورية التي أصبحت تعرف باسم "سورية الأسد"، لا بد أن يرى الخير، وتتحسن حياتُه، كما يقولون، من الأرض للسما.

وهذا ما كان بالنسبة للمستثمر مصطفى الذي عمل في مجال التجارة ضمن البلاد الفرنسية، فازدهرت تجارته، وبدلاً من الليرة سورية أصبحت موارده المالية تقاس بالفرنك والدولار، ثم باليورو، وبعد مضي ما يقرب من عشر سنوات، كان قد أصبح من كبار الأثرياء الفرنسيين من أصل سوري..

وفي يوم من الأيام، جاء إلى مصطفى خبر وفاة والدته التي يحبها أكثر من العالم كله. وفي تلك اللحظة لعب أحد أصدقائه بعقله، مثلما يلعب جَدْيٌ صغير بعقل تيس كبير، وأقنعه بأن الدنيا قد تغيرت في سورية، وأن التقرير الكاذب الذي رُفع بحقه، سنة 1980، لا بد أن يكون قد ضاع، أو أهمل، وحتى لو كان موجوداً، فلقد زالت الأسباب التي كُتب من أجلها، فسورية قد أصبحت الآن، سنة 1990، خلواً من عصابات الإخوان، والقائد حافظ الأسد أصبح في أوج عنفوانه، بدليل أنه، الآن، بدأ يجهز ابنه البكر الباسل ويدربه على رئاسة الجمهورية، حتى إذا ما قصف الله عمره، على حين غرة، لا تعيش سورية العزيزة يوماً واحدة من دون حكم امرئ ما من آل الأسد.

في مطار دمشق الدولي، أوقف مصطفى، ودعي لتناول فنجان من القهوة، بموجب التقرير القديم إياه، وأحيل إلى سجن تدمر الرهيب، وذاق (هو الذي كان فريق السكرتاريا الباريسي الخاص به ينتظر جملة منه لينطلق لتنفيذ مضمونها وكأنه ماكنة مزيتة) كلَّ صنوف التعذيب: الجوع، النوم الإجباري في الساعة السادسة، أكل البطاطا المطبوخة مع الطين، الضرب بالكابل على الوجه والجسم كيفما اتفق، الذل، المرض، الخوف، إنزال البصر إلى الأسفل حينما يمر به أحد السجانين.. إلخ.

ثم؛... واستشهد الباسل بحادث سيارة، ورحل الأسد الكبير، وعين الأسد الصغير رئيساً للبلاد، ومصطفى رازح في سجن تدمر حتى 2006.. حيث لا يعرف أحد كيف خطر لهم أن يخلوا سبيله.. فخرج، وهو عبارة عن حطام إنسان. 
وطبعاً لم يشرب القهوة.

(181)    هل أعجبتك المقالة (180)

ساميه

2015-01-31

سم الهاري لبيت الأسد.


نيزك سماوي

2015-02-03

بإختصار أصبح تدمير مقرات مخابرات الإحتلال المجرم مسؤولية وواجب على كل سوري حتى نتخلص من هذا الكابوس المرعب الذي دام على صدور السوريون أكثر من أربيعن عام ، قصص ألف ليلة وليلية يجب أن تؤرخ عن إجرام العصابة الإرهابية الأسدية الإيرانية الصهيونية العميلة الخائنة ومحاكمة المجرمين الخونة تحت بند الخيانة الوطنية العظمى وقتل وتشريد الشعب السوري كذلك ، شكراً أستاذ الكلمة الصادقة أبا مرداس لهذه الإضاءات.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي