انتبهوا .. فقط 33 % من سكان سوريا هم سوريون.. علي عيد*

للعلم، أيها السوريون معظمكم ليس سورياً بالجينات، إذ تشير دراسات مسح في موروثات (YDNA) إلى أن 33 % فقط من سكان سوريا يحملون موروثة (Haplogroup ـJ1) التي تعود لسكان بلاد الشام، وأعلى نسبة لهذا الجين سجلت في مناطق من دمشق 59%، وتصل بين سكان حماه إلى 47%، وتنخفض في جبال العلويين إلى 26%، إذن ماذا عن البقية؟. نعم إنهم ليسوا سوريين هم من أصول إفريقية وغرب آسيوية بنسب مختلفة.
وللطرافة فإن الدراسات أوضحت أن غالبية عرب شبه الجزيرة العربية هم من حملة الجين السوري، وهو ما أعادني إلى حديث بشار الأسد عندما قال ببدائية الجاهل وكأنه ينتقم من قطر والسعودية، إن السوريين هم الذين بنوا الدولة الأموية وإن الأمويين مجرد بدو رعاة جاؤوا من شبه الجزيرة العربية متناسيا حتى نبي الإسلام (ص).
في مقهىً دمشقيّ ـ والحديث ذو صلةـ وفي منتصف 2011، ثار الجدل بيننا حول الهوية السوريّة. أحد دهاقنة السياسة ممن خبروا النظام طويلاً قال وقتها إن ثمانية آلاف عامٍ من الحضارة ضاعت بين فكّي نظام البعث، إذ وضع حافظ الأسد السوريين بمختلف القوميات والمذاهب والأديان في غرف متجاورة تطلّ على "كريدور" واحد، ولم نكن طوال سنوات حكمه نتبادل التحية إلا في الخروج والدخول.
كيف كنا نسكن سوريا.. ولم نكن سوريين، كان السني سنياً وكذلك العلوي والدرزي والإسماعيلي والمسيحي، هل كذبنا في شعورنا بالمواطنة.
نعم لقد طفى على السطح جبل الأسئلة حول الهوية والانتماء بعد خمسة وخمسين عاما من حكم آل الأسد، كانت حقبة "اتساع العبارة وضيق الرؤيا"، كان الحاكم يمارس الطغيان بصفة السوري، يكذب باسم حماية الأقليات ويبني جيشاً لحمايته باسم الطائفة، ويبتز العالم بصفة الممانع، ويقبل "مؤخرات" الخليجيين باسم العروبة، ويتآمر لمصلحة إيران باسم الباطنية والتقية.
سوريا بحدودها اليوم كان يجب أن تكون مثالا للدولة المتجانسة، لقد أتعبت التاريخ وما تعبت، مرّت فيها أقوام من كل لون فأنتجت هذا الخليط العجيب، لكنّها ومع تقدم عقل الإنسان كانت تتقلص.
كيف تناقص المسيحيون في نصف القرن الأخير، وقد عاشوا قبلها نحو ألفٍ وأربعمئة عام منذ قيام الامبراطورية الأموية، كيف عاش السنة، والدروز، والعلويون، والشيعة، والإسماعيلية، والإزيدية، كيف دخل إليها التركمان، والأرمن، والشراكس، وبعد كلِّ هذا كيف انهدمت البلاد.
بعد خمسين عاماً، ودون إنكار الآخرين، اتضح أن السنَّة كانوا الفئة المتسامحة بصفتهم الأكثرية، دفعوا مئات الآلاف من الشهداء المدنيين وملايين المشردين لأنهم شريحة بسيطة صمتت ببلاهة وثارت بشراهة، وهم وحدهم الذين يوصمون اليوم بالإرهاب، وهم وحدهم من يقع عليهم عبءُ تحمُّلِ آلاف المجازر منها موت 1600 جلّهم أطفال ونساء بالسلاح الكيماوي في الغوطة خلال ساعتين، وعليهم أيضاً أن يتحمَّلوا جرائم "داعش"، وعليهم أن يعترفوا بأن حمورية وسقبا ودوما ليست مثل حيّي الأمين والمالكي بدمشق، والصاخور وصلاح الدين ليسا مثل "الموكامبو" بحلب.
كيف يرضى السنّة أن يحكمهم العلوي خمسين عاما ثم تخرج عليهم كل الأقليات لتضع قائمة شروط لأي رئيس سنّي.
هي أسئلة تثير الرعب، وتشي بأننا لسنا في وطن، بل نحن طوائف وملل وأقليات، دون أن ننسى أننا حتى لو طبقنا نظام المحاصصة فحصة كل الأقلويين من الجمل أذنه أو ذنبه أو حتى بعره.
ماذا فعل آل الأسد بسوريا، وأين وصلت؟!..
قرأت أن سوريا هي أم البشر فإنسان "الهموروكتس" فيها يعود لما قبل نصف مليون عام، لن أتحدث في شواهد التاريخ، فقط أريد أن أعرف ما الذي حلّ بنا ونحن أصحاب الأبجدية الأولى، ونوتة الموسيقى الأولى، والجدارية الأولى، والمدنية والعاصمة الأقدم.
ليست مشكلة سوريا بأبنائها أو بعروبتها، بل في من حكمها واغتصب ثقافة أهلها وتاريخها، لقد فرضوا العروبة حتى على الكورد فعانوا الأمرّين في لغتهم وهويتهم، وهم الذين قدموا أفذاذ الثقافة والفكر وثلاثة من زعماء عهد الاستقلال.
حين يحكم السيف تضيع الكرامة، ويخرج الإنسان كوامن الخبث ليتعامل مع الواقع، هكذا ولِدَ داخل كل سوري طاغية صغير من طينة الأسد، كان الجميع يتملق، ويكذب في أقدس المعاني، وكان النظام سعيداً بهذا التشظي الأخلاقي، كان يجبر نظيف الكف على السرقة وإن لم يفعل فالسجن والإقصاء والإخصاء، مارس السوري سوريَّته مجاملة وخوفاً، ومارس الطائفيّة كلما أقفل باب بيته.
نعم هكذا كنَّا .. وهكذا أصبحنا.
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية