أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سجين سورية الأسد (أبو الألقاب).. خطيب بدلة

نعرفُ فنحكي الحكايات، ونحكي الحكايات لكي نعرف. هذا ما قاله الشاعر العالمي بابلو نيرودا، معتبراً الحكايةَ مفتاحاً للمعرفة. 

سئل الجندي الطيب شفيك: لماذا تحكي الحكايات بهذه الطريقة؟ فقال وهو يرفف جفنيه كعادته: أنا لا أعرف طريقة لرواية الحكايات غير هذه. إنها طريقتي أنا.

وأنا، كذلك، سأحكي لكم حكاية، وبطريقتي.

لحكايتي بطل رئيس هو محمد حَمَد الحُمَيّد المحاميد، فتى صغير، نكرة.. عفواً؛ كان نكرة في البداية، ولكنه؛ ولأن قدرَه أحمقُ الخطا- على حد تعبير العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ- فقد أصبح معروفاً، وأصبح يُعرف بألقاب عديدة.

ولد محمد حمد الحميد، في إحدى مدن الشمال السوري الريفية، سنة 1968، يعني هو من عمر النكسة زائد واحد، وتاريخ العرب، ما شاء الله كان، محشو بالنكسات! وفي نهار صيفي قائظ من سنة 1981، كان محمد يمشي بالقرب من أحد الجدران في بلدته، وإذا بدورية الأمن العسكري تطب عليه مثل القضاء المستعجل. تعال لهون ولاك. واشتغل الضرب والتبكيس والرفس والشحط والسباب على أمه وأخته وخالته وعمته وجدتيه الإثنتين (لم يسبوه على امرأته وابنته لأنه كان ولداً غير بالغ، ومن باب أَوْلى أن يكون غير متزوج).. وداخ الولد محمد، وكاد أن يلفظ أنفاسه تحت سنابك هذه البغال الشموسة.. وبعد ساعتين، أو أكثر، وجد نفسه معصوب العينين، وثمة مَن يتهمه بأنه كتب على الجدار الذي اعْتُقِلَ قربَه عبارة (يسقط بائع الجولان)!

اكتسب محمد، خلال سنوات سجنه في تدمر، لقب "أصغر سجين سياسي في سورية"!.. ولكن؛ لم يستطع أحدٌ أن يوصل حكايته إلى المسؤولين عن سجل جينيس للأرقام القياسية ليسجلوا اللقب باسمه، لسبب بسيط هو أن القائد المفدى حافظ الأسد كان قد أوصى الشباب الذين يَعتقلون الناس في البلاد السورية بأن ينفوا قيامهم بهذا الفعل! فكانوا يقولون: مو عندنا. والله ما شفناه. لا نعرف عنه شيئاً.. وفي سنة 1984، بحسب ما روى الصديق (غ.ج)، وجه السجانون أمراً لسجناء تدمر بأن يغادروا مهاجعهم ويتجهوا فوراً إلى الساحات الكبيرة.. فنفذوا الأوامر صاغرين، بالطبع، وعندما تجمهروا، كل ألف سجين في ساحة، وجدوا شاشات تلفزيونية عملاقةً منصوبة في أماكن مرتفعة، وأَمَرَهم السجانون بأن يجلسوا على الأرض، ويشاهدوا، في بث حي ومباشر، لقاء تلفزيونياً تُجريه إحدى المحطات الأميريكية مع القائد التاريخي حافظ الأسد.. فلما كان ذلك، وخلال المقابلة، سألته المذيعة: 

- تقول الأخبار الواردة من سورية، يا سيادة الرئيس، أن لديكم أرقاماً مرعبة من سجناء الرأي السياسيين، وأن هناك سجناً رهيباً في منطقة تدمر.

قال القائد بثقة رهيبة: أبداً. نحن في سورية لا يوجد لدينا أي نوع من سجناء الرأي. وأما السجون الجنائية فموجودة في كل دول العالم، يعني هي ليست شأنا سورياً خاصاً. ثم إن كل سجين جنائي يخضع للمحاكمة، بشكل أصولي، وبمجرد ما تنتهي مدة حكمه يخرج!

زملاء محمد حمد الحميد المحاميد في سجن تدمر لقبوه، من جملة ما لقبوه: سجين الحائط!.. وحلف أحدُهم، وهو رجل فكه جداً، بالطلاق وبالثلاثة، أن المَثَل الشعبي القائل بأن فلاناً من الناس (يمشي الحائط الحائط ويقول يا رب السترة) يصلح للتطبيق قبل الحركة التصحيحية المجيدة التي قادها بطلُ التشرينين حافظ الأسد، وأما المشي في ظل الحائط، الآن، بعدا قيام الحركة التصحيحية، فيفعل بالإنسان مثلما فعل بأخينا محمد!   

لم يتعرض محمد، منذ لحظة اعتقاله بجوار الحائط سنة 1981، وحتى نهاية سنة 1992، إلى أي نوع من المحاكمة، ولكنهم، فجأة، أخرجوه من المهجع، وعصبوا عينيه، وشحطوه إلى غرفة قصية، وهنالك قيل له إن القاضي سيتلو عليه تهمته وحكمه، وإن عليه أن يهتف، فور انتهاء القاصي من تلاوة الحكم بعبارة: يحيا العدل. 

قال له القاضي: أنت عضو فعال في الجناح السياسي لعصابة الإخوان المسلمين. حكمت عليك المحكمة بالسجن لمدة سبع سنوات!

استبشر محمد بما سمعه من القاضي، لأنه تجاوز مدة السنوات السبع، وصاح وهو موقن بأنهم سيطلقون سراحه بعد قليل: يحيا العدل!  

في المهجع، بعد مضي سنوات على هذه الحادثة، لقبوه: أبو المحاكمة! وأبو يحيا العدل! و أبو السبع سنين.. ونظراً لاعتباره عضواً فعالاً في الجناح السياسي لجماعة الإخوان فقد لقبوه: سيد قطب.
وفي سنة 2008، حينما أطلقوا سراحه، كان قد لبسه لقب (مانديلا السوري) حتى نسيت ألقابه السابقة كلها.

*من كتاب "زمان الوصل"
(188)    هل أعجبتك المقالة (155)

اسماعيل كيالي

2015-01-24

السيد خطيب بدلة لدي اقتراح أود طرحه عليك هو التالي: أسلوبك في الكتابة هو اسلوب فريد من نوعه، فهو اسلوب ساخر وممتع ويروي قصص واقعية حقيقية عن مأساة السوريين في ظل حكم الأسد الأب والإبن والمعانات التي كان يلقاها ذوي الحظ التعيس من مواطني هذا البلد على أيدي جلاوزة أجهزة القمع والإرهاب الأسدية التي أزهقت أرواح مئات الآلاف من المواطنين على أيديهم في السجون والمعتقلات قبل إنطلاقة الثورة الحالية وخلال المدة التي قطعتها حتى الآن. أما إقتراحي فيتلخص في أن تسعى الى ترجمة مقالاتك هذه الى اللغات الحية العالمية لتعريف شعوبها على مأساة الشعب السوري التي فاقت كل المآسي التي حلت بشعوب أخرى. وبالطبع فإن الترجمة لايمكن أن تكون عملا فرديا ، وإنما لابد أن تقف وراءها جهة ممولة يناط بها القيام بهذ ه المهمة وتختار مترجمين قديرين ..


واحد سوري

2015-01-25

يأتون من خلف البقر ويفشلون في المدارس فينتسبون إلى الجيش ويبدأوا رحلة أبو شحاطة ويتظاهرون بحرب العدو وينهزمون وومن ثم يرفعون بدل أن يحاكمون ثم يقومون بأنقلاب ويستولون على السلطه ويصبحون قواد مسيره وأبطال تحرير فيسرقون وينهبون ويقتلون ويسجنون ويعذبون بأسم القضية والمقاومة ضد الأمبرياليه … ويمر الزمن ويثور الشعب فينسوا القضية ويهربون إلى حضن الأمبرياليه.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي