أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أيها "السني" نحن بحاجة لك كإرهابي وليس كثائر.. ميخائيل سعد*

تم إنجاز صناعة "التوحش" على حساب الثورة السورية

لا رغبة عندي في تتبع مسار صناعة الإرهاب والطائفية، أو بالمختصر، بصناعة "الكره" تاريخيا، فقد شبع الناس من سماع هذه القصص، ولا رغبة عندهم في تجديد همومهم وسماعها من جديد، لذلك سأتوقف على الجانب السوري منها، وتحديدا ما يخص الثورة السورية منه. ربما كان المحرض الرئيسي الذي دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو العمل الإرهابي الذي حصل ضد أسبوعية "شارلي" في باريس الأسبوع الماضي، وردود الفعل عليه، وعلاقته بسوريا بشكل من الأشكال، وصولا إلى تصور ما عن طريقة صناعة "الإرهابي"، ومن هو المسؤول عنها.

كل متابع لانطلاقة الثورة السورية، في آذار 2011 يعرف أن النظام الأسدي هو الذي بدأ في توصيف المتظاهرين الحوارنة بالمتآمرين والعملاء لمجرد احتجاجهم على اعتقال أطفالهم وتعرضهم للتعذيب من قبل رجال عاطف نجيب ابن خالة بشار الأسد، ثم تلا ذلك سقوط أربعة شهداء في مظاهرة درعا، وكرّت السبّحة بعدها، في كل مظاهرة يسقط قتلى، وبعد كل دفن لهم تخرج مظاهرة تطالب بالحرية والكرامة، وتؤكد أن الشعب السوري واحد، وأن السوريين لم يخرجوا لأن الطعام ينقصهم، رغم أنه فعلا غير موحود، ولكن لأن ما ينقصهم حقيقة هو الحرية والكرامة التي انتزعها منهم نظام الأسدين على مدى أكثر من أربعين عاما.

بعد ذلك، ورغم كل علامات الثورة التي عبر عنها السوريون، يخرج "الرئيس" ليعلن في أول خطاب له في مجلس الشعب قائلا: هناك "مؤامرة كبيرة"، وتحدث عما أسماه "محاولة إثارة فتنة"، ليخلص إلى أن "مدبري المؤامرة خلطوا بين ثلاثة عناصر: الفتنة، والإصلاح، والحاجات اليومية، إلا أن النظام لم يفعل شيئا إلا الاستمرار في اعتقال النشطاء وقتلهم".

بقي السوريون ولأشهر يخرجون عراة الصدور إلى الساحات والشوارع، ولم يرفعوا في مظاهراتهم أي شعارات إسلامية وقد رفضوا في أكثر من مكان الوقوع في فخ السلاح الذي نصبه لهم النظام، في درعا مثلا، بل كان بعض المتظاهرين يوزع التمر والماء على الجنود، بينما كان متظاهرون كثيرون يرفعون أيضا الورود، ومع ذلك فقد ركزت أجهزة أمن الأسد على تصفية القادة والرواد الأوائل السلميين للثورة السورية، مثل غياث مطر ويحيى الشربجي، واعتقالهم وتعذيبهم حتى الموت، أو تهجيرهم وملاحقتهم، كي تتحول الثورة إلى حركة عصيان مسلحة ذات طابع إسلامي، وهذا ما كانت تخطط له سلطة الأسد.
ولتحقيق هذا الهدف لم يترك نظام الأسد وسيلة أو سلاحا إلا ولجأ إلى استخدامه لقمع الناس ودفعهم للعودة إلى بيوتهم، مستحضرا أسلوب الأب في مجزرة حماه عام 1982، ورافعا راية الطائفية كسلاح استطاع بواسطتها الأب قسم البلد ألى طوائف وأديان، ولكن هذه المرة كانت بطريقة معكوسة؛ فقد تم تسريب مئات أفلام الفيديو التي تصور إهانة وتعذيب وشتم معتقدات السنة من قبل جنود النظام وبلهجة علوية واضحة، وكانت كلها عبارة عن رسائل الى السوريين السنة تحرضهم على الرد الطائفي، وفي الوقت نفسه رسالة إلى السوريين العلويين تطالبهم بدعم النظام وإلا سيكون مصيرهم الموت بأيدي السنة.

كانت صناعة "الكره" تسير على قدم وساق، وتم إنجاز صناعة "التوحش" على حساب الثورة السورية والشعب السوري، وبدأ قتل "الهوية السورية" أينما وجدت والعالم ينظر ويتفرج على دمار البلد ببراميل الأسد، والكيماوي، والحصار والتجويع والاغتصابات والمجازر الجماعية والفردية والتطهير العرقي، واستقدام الميليشيات الطائفية من لبنان والعراق وإيران لمواجهة هذا "السني" المتوحش والتكفيري، فكيف لهذا "السني" أن يتصرف وهو محاصر من جميع جهات الأرض ومن السماء بطائرات الأسد والتحالف الدولي، لقد كانت الرسالة إليه: عليك أن تصبح إرهابيا، نحن بحاجة لك كإرهابي وليس كثائر، لأننا بهذه الصفة، صفة الإرهابي، نستطيع القضاء على الثورة السورية وإعادة تأهيل نظام الأسد أو نظاما شبيها به، وتأتي حادثة إرهابية كحادثة "شارلي" في باريس ليقول نظام الأسد للعالم: ألم أقل لكم!.

ليست بصدد تبرير الإرهاب، فهو مدان في كل الأحوال، ولكن بصدد لفت الانتباه إلى أن الإرهاب لا يولد مع الإنسان وإنما يتم تصنيعه، كأي سلعة ثقافية أخرى، وللحد منه لا بد من معرفة أسبابه وطرق صناعته محليا وعالميا، وإلا سيبقى ما بقيت هذه الأسباب. ومع استمرارها يبقى حلم الإنسان بالذهاب إلى الجنة أسهل من الاستمرار في الحياة على أرض تتحول إلى جحيم لا يُطاق.

*من كتاب "زمان الوصل"
(140)    هل أعجبتك المقالة (136)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي