رفض المسلمون عموماً والسوريون بشكلٍ خاص الاعتداءات الأخيرة التي شهدتها فرنسا، معتبرين أن الإسلام منها براء، ووصفوها بالإرهابية.
وكان إسلاميون قد هاجموا مقر صحيفة "شارلي ايبدو" وقتلوا 12 شخصا، رداً على رسومٍ نشرتها الصحيفة اعتبرها المهاجمون إساءة "للإسلام"، كما قتل أربعة أشخاص في حادث احتجاز رهائن في متجر للأطعمة اليهودية شرق باريس.
واعتصم آلاف الفرنسيون يوم أمس الأول في "ساحة ريبابلك" في باريس رافعين الأقلام والعبارات المطالبة باحترام حرية الكلمة، وشاركهم في هذه المطالبات عدد من المسلمين المقيمين في فرنسا من الأصول الجزائرية والمغربية والتونسية وأيضاً السورية، وكان ملفتاً رأي الشارع الفرنسي الذي لم يرفع أي عبارة ضد الإسلام حسب ما قالت الصحفية السورية ضحى العاشور المشاركة في الاعتصام.
وأضافت العاشور: كان رأي الشارع مخالفاً للرأي الإعلامي الذي ركز كثيراً على مسألة الإسلاميين، حيث أدان المشاركون الحدث بوصفه جريمة يجب معاقبة مرتكبوها.
وتعلق العاشور على الأحداث الأخيرة بالقول: إنه لا يوجد أي تبرير ولا يمكن فهم مثل هذه الجريمة الصريحة التي حدثت في وضح النهار تجاه بشرٍ أولاً وصحافيين ثانياً أي أن الأمر له علاقة بحرية التعبير، أيضاً جريمة موجهة ضد صحافة ساخرة تعتبر نادرة ورسامي كاريكاتير أيضاً قلائل، خسر العالم والصحافة خمسة منهم في يومٍ واحد.
وتعتبر العاشور أنه إذا كان هناك إساءة للإسلام فمن الممكن الرد بذات الطريقة إما بالكلمة أو الرسم أو حتى عبر القضاء.
ولناحية انعكاسه على المسلمين عموماً فتعتقد العاشور أنه ربما يكون حدثاً مفتعلاً، إما من قبل استخبارات ما أو من بل جهالت متطرفة ترمي إلى إحداث هزة ما في العالم، بمعنى أنه حدث سياسي بامتياز لا يعبر عن هموم الناس في فرنسا، وليست تعبير عن احتقان داخلي ضمن المجتمع، حيث لا يوجد تهميش موجه ضد الإسلام.
وتضيف الصحفية السورية أن أحد انعكاسات هذا الحدث وجود بعض التحليلات التي بدأت تقول بضرورة التواصل مع النظام السوري من أجل مكافحة الإرهاب.
وعلى المستوى الشخصي تقول العاشور إنها بدأت تشعر بالخوف، فقبل أيامٍ فقط كانت وجوه الناس هنا مرتاحة ومطمئنة تشعر بالأمان، أما الآن فهناك عيون خائفة ومترقبة تذكرنا لوهلةٍ "سوريا"، حيث الحواجز والقلق العام.
وللمقيمين في فرنسا منذ زمن أيضاً رأي في هذه الحادثة التي يمكن وصفها بالمعجزة، حسب ما يشير الأكاديمي السوري فايز القنطار الذي اعتبرها صدمة قوية للرأي العام الغربي والفرنسي بوجه خاص كونه هو المستهدف.
ويقول القنطار: هذا القتل العاري والجبان الذي يستهدف المدنيين العزل مرفوض إنسانياً وأخلاقياً ويثير الاشمئزاز.
أما لناحية تأثير ذلك داخل المطبخ السياسي الفرنسي فيعتقد القنطار أن لهذا الحدث ارتدادات قوية وسيتنافس السياسيون على استغلاله لخدمة أغراضهم، وربما كان العرب المسلمون الأكثر ضرراً بهذا النمط من الإجرام، إذ سرعان ما تستغله دوائر اليمين المتطرف لإضعاف التأثير العربي الإسلامي في المجتمعات الغربية عامةً، هذا التأثير المتصاعد يقلق الكثيرين.
ويطرح القنطار مثالاً أنه في الصيف الماضي اكتظت المدن الغربية –الفرنسية على وجه الخصوص- بعشرات المظاهرات المؤيدة لفلسطين، وبدأت الحكومات الغربية تتخذ مواقف إيجابية في دعم الحق الفلسطيني بتأثير الرأي العام الضاغط بهذا الاتجاه.
وعلى المقلب الآخر وفيما يتعلق بالنظام السوري تحديداً يلاحظ القنطار أن ماكينته الإعلامية قد أظهرت نوعاً من الشماتة الرخيصة، في محاولة جديدة لتجعل من المذبحة الباريسية جسراً انتهازياً للعبور نحو تقديم أوراق إعادة التأهيل مجدداً في الجسم السياسي الدولي، لم تفوت فرصة لتقديم أوراق الاعتماد هذه مع الاستعداد لكافة الخدمات وسبق وأن لاحظ المراقب استماتة النظام ليصبح جزءاً من "التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب".
ويعتبر القنطار أن النظام يريد أن يقول بأنه جزء من المنظومة المستهدفة بالقتل التكفيري.
لكن الحادثة التي هزت فرنسا خلال الأيام القليلة الماضية هل يمكن أن تغير من تعاطي الحكومة مع الملف السوري؟ سؤال يجيبنا عليه القنطار بالقول: من غير المرجح أن تتأثر السياسة الفرنسية بضغوط بعض الدوائر التي تتجه لدعم الأنظمة العسكرية وتأجيل العمل على إسقاط الأسد وإعطاء الأولوية لمكافحة الإرهاب، لأن فرنسا مدركة أكثر من غيرها أن نظام الأسد عبر عنفه الفاشي هو نظام مفرخ للإرهاب، وسبق وأن استاء الفرنسيون من التراجع الأمريكي في اللحظات الأخيرة عن تأديب الأسد بعد مجازره الكيميائية المروعة في 21 آب-أغسطس عام 2013 فهم أكثر إدراكاً للتهديد الذي يشكله هذا العنف الوحشي على أوروبا فسوريا هي بوابة أوروبا، وتأثيرها على الأمن الأوروبي لا يمكن تجاهله.
ويضيف القنطار أن هناك مراجعة في سياسات الغرب نحو ثورات الربيع العربي حيث يسود اعتقاد لدى بعض مراكز الأبحاث بأن كسب المعركة ضد الإرهاب يرتبط بوجود أنظمة في المنطقة العربية تحترم آدمية الإنسان وحقوقه الأساسية وتلغي التمييز والتعسف وتحقق التنمية والحياة الكريمة للإنسان، والتطلع إلى إيجاد حلول حقيقية في سوريا وفي العراق وفي فلسطين، بغير ذلك سيستمر الإرهاب في التوسع والانتشار.
الحادثة التي لم تشهد لها فرنسا مثيلا منذ أربعين عاماً، حسب ما أشارت إليه الصحافة الفرنسية، خصص لها السوريون المقيمون في فرنسا اعتصامهم الأسبوعي "أمس السبت"، مطالبين بحرية الكلمة والتعبير، كما دعى السوريون أيضاً للمشاركة في اعتصامٍ سيقيمه الفرنسيون غداً.
كما عبر السوريون عن تنديدهم بهذه الجريمة على صفحات التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، سواء بالكلمات المعبرة عن تضامنهم مع الصحيفة "أنا شارلي أيبيدو" أو عبر صور الأقلام المكسورة، إلى جانب رفض ربط هذه الأعمال بالإسلام.
كما عبر الصحفي السوري جديع دوارة عن رأيه بالإشارة إلى أنه من غير المفهوم مواجهة الكلمة أو الرسم الساخر بالقتل، واعتبار هذا التصرف باسم الدين، حيث يمكن الرد بنفس الأسلوب سواء بالكلمة أو عبر القضاء.
ويشير دوارة إلى أن فرنسا دولة علمانية تحترم حرية العقائد والأديان وتتيج ممارستها والمسلمين "ويقدر عددهم بـ 6.5 مليون" لا يعانون من أي تمييز على هذا أساس ديني ويتمتعون بكامل حقوقهم.
ويعتبر دوارة أن الهجمات الأخيرة ستنعكس سلباً على صورة الإسلام وعلى المسلمين المقيمين في فرنسا، وممكن أن تنعكس أيضاً على طلبات اللجوء بالنسبة لأي مسلم سواء من سوريا وغيرها، كما يعطي المبرر لليمين الفرنسي للتشدد في منح اللجوء للسوريين، ويخلق ردة فعل سلبية في الشارع الفرنسي.
أبو أحمد أحد اللاجئين السوريين الواصلين حديثاً إلى فرنسا يعلق على الأحداث بسرده لإحدى القصص التي حدثت معه، حيث كان في السوق مع زوجته المحجبة وطلب من البائع واحدة من أنواع البيتزا بالإشارة إليها، إلا أن البائع الفرنسي رفض بيعه وبسبب لغته الفرنسية الضعيفة لم يفهم أبو أحمد السبب وراء ذلك، لكنه أصر أنه يريد شراء هذا النوع بالذات، والبائع يمتنع ويقول أبو أحمد لم أفهم السبب حتى تقدم أحد المغاربة وشرح لي أن هذا النوع من البيتزا فيه لحم الخنزير، والرجل لاحظ أنني مسلم لذلك امتنع عن بيعي هذا النوع بالذات.
ويضيف أبو أحمد هذا التصرف يعبر عن احترام الآخر ورفض خداعه، في حين هناك من يقوم بالقتل بسبب الكلمة باسمنا نحن المسلمين، ونحن كسوريين نرفض ذلك ونرفض مثل هذا التصرف.
ويعبر أبو أحمد عن خشيته من انعكاس ذلك على المسلمين المقيمين في فرنسا أو على استقدام المزيد من السوريين الذين هم بأمس الحاجة للجوء.
باريس - بلقيس أبوراشد - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية