الهجوم على شارلي إيبدو... سورية والفرضية المغيـبة

قد يبدو الربط غريباً بين الوضع في سورية وبين الهجوم الذي وقع أمس الأربعاء على صحيفة شارلي إيبدو الساخرة في فرنسا. وقبل أن أعود لمقصودي في هذا الجانب، أود الإشارة إلى أن الهجوم سالف الذكر كان هجوماً على الإسلام بالدرجة الأولى، ولن يؤثر سلباً إلا على الجالية الإسلامية، وقد يجر عليها نتائج مؤلمة.
عند متابعتي لوسائل الإعلام الفرنسية ابتداء من وقوع الحادثة، لاحظت تكرار كلمة سورية عدة مئات من المرات، وبعيداً عن التقصي البحثي، فإن لفظة سورية قد تكررت ثلاث مرات في الدقيقة خلال التحليلات الإخبارية.
تدور التحليلات التي جعلت اسم سورية أمس على لسان كل فرنسي، حول علاقة المهاجمين المفترضين بالتنظيمات الجهادية في سورية، واحتمال تلقيهم تدريباً على يد تلك الجماعات، مما أهلهم للقيام بعملية معقدة في قلب العاصمة الفرنسية وقتل اثني عشر من أسرة الصحيفة الأسبوعية.
يتكلم المحللون عن رحلات مفترضة قام بها المهاجمون إلى سورية، فالتقوا هناك بمجموعات تجيد الفرنسية، استقبلتهم، وأمدتهم بالسلاح والمال، ثم عادوا لفرنسا ليكونوا خطراً على أمنها.
لا أجزم بهوية الفاعل ولا بعلاقاته بالجهاديين، وأوافق جدلاً على تلك النظريات، غير أنني أسأل، وبشكل مباشر، كيف ولماذا. أما الأول فهو كيف وصل أولئك إلى سورية؟ هل حدث في غفوة من المخابرات الفرنسية التي تنتشر في نصف دول العالم؟ بلغة أخرى أ لم يكن لدى باريس الوسائل الكافية لتمنع الذهاب إلى سورية؟ هل من المعقول أن الأمن الفرنسي قصد إهمال أولئك بقصد التخلص منهم، أو لأسباب أخرى؟ ثم ما لبث أن عادوا إلى بلادهم فانقلب السحر على الساحر؟
السؤال الآخر ويطرح نفسه بقوة، لماذا ذهب أولئك المتهمون وغيرهم إلى سورية؟ أ لم يترك الغرب بشار الأسد على رأس السلطة، يقتل الأطفال ويغتصب النساء؟ حتى أباد أكثر من مائتي ألف وهجّر عدة ملايين، وكل ذلك تحت بصر الغرب وسمعه. أ لم يترك الغرب سوريا مركزاً للصراع الإقليمي والدولي عن قصد وتخطيط؟
كانت الحكومات الغربية قادرة على إسقاط بشار الأسد، وحماية الشعب السوري، بل والحصول على صورة مشرقة في عيون الشعوب المقهورة، بالإضافة إلى تجنيب مجتمعاتها خطر التنظيمات الجهادية، التي لم تكن أصلاً في بلادنا لولا إهمال المجتمع الدولي لمأساة السوريين. إلا إن الغرب الديمقراطي سدّ أذنيه عن استغاثات العدالة وحقوق الإنسان التي أطلقها السوريون، وأغمض عينيه عن الفظائع التي يرتكبها الأسد كل يوم.
أستطيع ان أتحدث لغةَ الحكومة الفرنسية نفسها، وأقول إن الذاهبين إلى سورية لا يقصدون قتال بشار، وإنما يريدون الحصول على موضع قدم لإرهابهم، سأوافقها جدلاً، ولكن من سبب وجود تلك التنظيمات في بلادنا ومن ذلك الذي صمت عن السبب؟ هل ستحصد أوروبا ما زرعت من الصمت على مجرم كالأسد؟.
من عجيب المصادفة أن السيد هولاند تحدث إلى الإذاعات الفرنسية قبل يومين فقط، عن ندمه على عدم قتال بشار الأسد. وكم حذرنا من خطورة ترك الشعب السوري وحيداً في معركته من أجل قيم الحرية والعدالة، وحذرنا من انعكاس ذلك على الوضع العالمي برمته، ولأجيال عديدة. وليت أن الحكومات الغربية وعت خطورة إهمال جرائم الأسد الذي دمر سورية، وهو الآن يضرب أوروبا في عواصمها.
أما عن الفرضية الغائبة التي لم تتطرق لها الدول الغربية حتى الآن، أولا تريد التطرق إليها قصداً، أن احتمال أن يكون بشار الأسد وراء العملية احتمال قوي له ما يسنده، فقد هدد المفتي القميء حسون أوروبا بوجود "استشهاديين" مستعدين للضرب في قلب أوروبا، ولا أخفي استغرابي أن أحداً من الساسة الأوروبيين لم يقترب إلى هذه النقطة وكأنها خط أحمر.
إن كل عمل إرهابي يضرب أوروبا اليوم، يجب ألا يربط إلا ببشار الأسد، فهو مصدَر الإرهاب ومصدّره.
د. عوض السليمان - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية