أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"عرعر" .. من رسائل معاناة إيران و"داعش" (1-2).. علي عيد*

يتحدث المراقبون عن عملية "عرعر" باعتبارها "جس نبض" من قبل "داعش" لهذه الحدود،

تقول دوائر المتابعة والدراسات إن العجز في موازنة إيران يصل إلى نحو 9 مليارات دولار مع نهاية عامها المالي الجاري والذي ينتهي في مارس –آذار القادم وعلى أساس 80 دولارا لبرميل النفط، وبنظرة بسيطة بعد وصول سعر النفط اليوم إلى ما دون 50 دولارا للبرميل، فإن هذا العجز سيتضاعف العام القادم.

وتقول ذات الجهات إن إيران تسيطر على أغلب تجارة نفط العراق الذي يتم تهريبه وبيعه في السوق السوداء، والجديد هو أن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" يسيطر على عشرات حقول النفط في العراق بينها ثلاثة حقول كانت تنتج نحو نصف مليون برميل يوميا وهي عجيل في شمال تكريت والقيارة والهمرين.

ليس السؤال عن كيفية تصريف نفط "داعش" لأن "كريدورات" التهريب جنوب وشمال العراق وشمال سوريا باتت معروفة، والأجدى معرفة أنَ النفط الذي يبيعه التنظيم الإرهابي، والميليشيات الشيعية بنصف السعر يحقق عوائد كبيرة لمصلحة إيران وبعض الجوار.

كان لا بدّ من مقدّمة في اقتصاد الطاقة لفهم صراع من محورين أوّلهما اقتصادي وثانيهما استراتيجي سياسي بأبعاد مذهبية بالنسبة لإيران، وتدخل في تفاصيل الصراعين جميع دول المنطقة بلا استثناء وصولا إلى الدول الكبرى التي ستتلقى آثار هذين الصراعين عبر انخفاض سعر صفيحة النفط من جهة، ومخاطر الإرهاب وارتداداته من جهة ثانية.

إذن ما الذي حصل على الحدود السعودية، ومن المستفيد.. تلك إشكالية لا يمكن تسخيفها كما لا يمكن فهمها إلا بقراءة دقيقة لحركة تهريب الطاقة ومخرجاتها من مال أسود في سوق السلاح والدّم.

تتجنب السعودية حتى اللحظة اتهام أطراف إقليمية، وأقصد هنا إيران، في هجوم منفذ "سويف" على حدودها مع العراق، والهجوم ليس كلّ الحكاية، إذ لا معنى لعملية إرهابية بأربعة أشخاص ينتمون لتنظيم "داعش" على نقطة قرب "عرعر"، مع الأخذ بعين الاعتبار سقوط ثلاثة جنود سعوديين بينهم ضابط في حرس الحدود، ولعل الهجوم جاء حاملا رسائل على العلن، ما يفضح مستوى الشعور بالضيق لدى الجهات التي حرّكت تلك المجموعة، وحاولت تهيئة أجواء ومؤثرات بهدف الضغط المعاكس.

وإذا لم يكن موقع الهجوم استراتيجيا بالمطلق، فإن الاستراتيجي هو التوقيت والظروف والدوافع والأحداث المرافقة، والتي يمكن تلخيصها بعدد من النقاط:

- انشغال الرياض بمرض الملك عبد الله، واستغلال حساسية الموقف مع أن العاهل السعودي تمكن من الوصل إلى صيغة يعتبرها المراقبون داخل المملكة تعزيزا لأمنها واستبعادا لأي محاولات خلخلة من الخارج، وحتى بأدوات داخلية، حيث يشغل الأمير سلمان منصب ولي العهد فيما تم تثبيت دور الأمير مقرن كنائب لولي العهد.

-ترافق هجوم سويف– عرعر مع حملة منسقة تقودها مجموعات منظمة على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف خلخلة ثقة الشارع، وهو ما رآه مراقبون سعوديون محاولة لقطر المملكة نحو هاوية الإرهاب، ويعرف السعوديون غريمهم في الهجمات الإلكترونية كما حصل في أغسطس –آب 2012 حين تعرضت "أرامكو" لهجوم إلكتروني، تبين لاحقا أن من يقف خلفه هو إيران، وإن كان لم يتم الإفصاح سابقا، فإن التسريبات أكدت أن الهجوم استهدف بيانات وزارة الداخلية وهي المعنية الأولى عن مكافحة الإرهاب، حيث قال المسؤول الأميركي جيمس لويس الذي عمل في قضايا تتعلق بأمن المعلوماتية إن الوكالات الحكومية الأميركية خلصت إلى أن إيران هي من دبر الفيروس "شامون" الذي أدى إلى شلل عشرات الآلاف من أجهزة الكمبيوتر في الشركة السعودية أرامكو وشركة راس غاز القطرية للغاز الطبيعي.

- الاضطرابات الداخلية في البحرين والتي ثبت أن إيران ضالعة في تسخين الاحتجاجات الطائفية فيها.
- سيطرة "الحوثيين" المدعومين من طهران على صنعاء واستيلائهم على نحو 70 % من عتاد الجيش اليمني، وتهديد قياداتهم للسعودية بشكل مباشر.

- الضغط الأمريكي متمثلا بإعلان الحكومة العراقية وقف الاعتمادات المالية لنظام الأسد والتي تصل إلى ملياري دولار شهريا، وإعلان الرياض عن نيتها إعادة افتتاح السفارة في بغداد وهو ما يتنافى مع مصالح ونفوذ إيران.

- التسريبات التي تقول إن بشار الأسد طالب كبار ضباطه في اجتماع معهم مؤخرا بالصبر حتى نهاية العام الحالي 2015، قائلا "سنبدأ باستعادة موقعنا عبر ازعاج الدول وتهديد مصالحها".

- زيارة الملك الأردني للمناطق الحدودية مع العراق وأوامر تسليح العشائر لمواجهة محاولات اختراق تنظيم الدولة للمناطق الرخوة، ما يشير إلى تلقي الأردن معلومات استخبارية بهذا الشأن.

يتحدث المراقبون عن عملية "عرعر" باعتبارها "جس نبض" من قبل "داعش" لهذه الحدود، إلا أن مجمل تلك المنطقة لا تبدو هدفا استراتيجيا للتنظيم، كما أنها تشتت جهوده فيما يتعرض لضغط الضربات الجوية من قبل التحالف الذي تشارك فيه الرياض، إلا أن ما تشهده المنطقة يجعل من مثل هذا الهجوم عملا في عمق استراتيجيات الصراع الإقليمي، وبعودة بسيطة يتبين أن ميليشيا شيعية عراقية مسلحة تطلق على نفسها اسم "جيش المختار" كانت المسؤول عن هجوم بقذائف الهاون وصواريخ "غراد" على عدة نقاط قرب تلك المنطقة داخل الأراضي السعودية في تشرين الثاني -نوفمبر 2013، حيث صرح واثق البطاط، قائد تلك الميليشيا ومن بغداد قائلا "إن هدف القصف كان تحذير السعوديين وتذكيرهم بأن نقاطهم الحدودية ودورياتهم تقع ضمن مرمى نيراننا".

ما جاء على لسان ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز عقب حادث "عرعر" خصوصا لجهة تأكيده على ضرورة "اليقظة والحذر" إزاء التحديات التي تواجهها المملكة، بسبب الأزمات والنزاعات الطائفية التي تعصف بالمنطقة، وعدم إهماله موضوع النفط بإشارته إلى أن بلاده ستتعامل مع تحديات السوق بإرادة صلبة وحكمة، وأنها مستمرة "بذات النهج" يوضح عمق الصراع وطبيعته، ويحمل مؤشرات على أن العام 2015 ذاهب بالمنطقة إلى أقسى مراحل الصدع، وقد يذهب حاملا معه أنظمة جديدة في الشرق الأوسط، ولعل الصراع الطاحن داخل إيران بدأ بإشارة الرئيس حسن روحاني لعقلية المتشددين من المؤسسة الدينية، وهو انتقاد ظاهره خلاف على فكرة الاستثمارات الخارجية وخطرها، وباطنه مؤشرات انهيار اقتصاد إيران وربما عجزها مستقبلا عن دفع فواتير الحروب المذهبية من أرباح النفط.

*من كتاب "زمان الوصل"
(188)    هل أعجبتك المقالة (187)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي