أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أنت عرفاتي أو مع "أبو عمار"؟.. ميخائيل سعد

قرأت في صحف اليوم خبر فرض تأشيرة دخول على السوريين الذين يودون زيارة لبنان، وقد يكون هذا الخبر إجراء عاديا سياديا تمارسه أي دولة، وحقا من حقوقها، ولكن بالنسبة لي، أنا السوري، فله الكثير من المعاني. 

أول المعاني وأكثره سوءا أن لبنان قد أصبح بالنسبة للسوري مثل دول الخليج التي تطلب منه "فيزا" وكفيلا، وهذا لم يحدث أبدا سابقا رغم الظروف البالغة السوء التي مرت على البلدين. ثانيا، إن قرار الحكومة اللبنانية هذا، يعني أنها تقلد قرارات الرئيس الكيماوي في دمشق، الذي جعل السوري يحتاج إلى "فيزا" بين حاجز وآخر في دمشق مثلا، وفي بقية المناطق السورية؛ بين أحياء المدن وبين القرى، وبين منطقة "محررة" وأخرى "خاضعة"، بهدف تكريس كيانات تخدم استمراريته، فهل لبنان يريد أن يكون سوريا ثانية للسوري الفار من الحجيم الذي خلقه ابن الأسد؟
ادعي أنني أعرف لبنان كما أعرف سوريا، فهو لا يمكن أن يكون جورج قرداحي ولا حسن نصر الله، صحيح أن عدد السوريين، الذي بلغ ربع عدد سكان لبنان، يشكل مصدر قلق بالنسبة لجميع اللبنانيين، ولجميع السوريين أيضا، ولكن هل هذا هو الحل الممكن أو الحل الواقعي الوحيد لتنظيم هذه المشكلة الإنسانية المعقدة؟
١-
عندما وصلت إلى مونتريال قبل ٢٥ سنة تقدمت بطلب لجوء سياسي، فقد كنت قبل وصولي إلى هنا بشهرين في "فرع فلسطين"، الذي أصرّ استكمالا للتحقيق معي أن يرسلني إلى "فرع لبنان" في ضيافة "المرحوم غازي كنعان"، الذي أرسلني بدوره من عنجر إلى طرابلس، ثم من عنجر إلى بيروت، وكانت السجون الثلاثة مزدحمة، نسبيا، بالسوريين واللبنانيين والفلسطينيين أكثر من زحمة السوريين في لبنان هذه الأيام، ومع ذلك كنا نتقاسم اللقمة والسيكارة والهموم، ولم يخطر على بال السوريين الذين كانوا هم الأغلبية في هذه السجون "اللبنانية"، أن يقوموا بتحريض السجانين السوريين على السجناء اللبنانيين أو الفلسطينيين، فقد كانت كما يُقال: أقدام الجميع في "الفلق"، وكنا نسرع جميعا لاستقبال السجين الجديد، فاسحين له المجال كي يأخذ حقه في العشرين سنتميتر من مساحة المهجع كي يجلس ويمد رجليه، لم يكن أحد يهتم بجنسيته؛ هل هو لبناني أم سوري أم فلسطيني، كنا نراه سجينا عند نظام الأسد حتى لو كانت الأرض لبنانية.
٢-
قبل العودة لاستكمال قصة اللجوء في كندا، أرى أنه من المناسب رواية قصة أحد السجناء اللبنانيين، الذي تعرفت عليه في سجن عنجر: أحد الأيام، وهو مثل غيره من أيام عنجر، كنا سمع صراخ الناس الذين كان يتم تعذيبهم أمام المهجع، وبعد عدة ساعات فُتح الباب وتم إلقاء جسد بشري في مدخله، ثم أُعيد قفل الباب. كان الرجل عاجزا عن الوقوف، وقد تشقق لحم قدميه من الضرب، وبعد القيام بالواجب في مثل هذه الحالات، سألناه عن تهمته، فقال: والله يا شباب اعترفت بتهمتين منسوبتين لي. سألناه: ما هي هذه التهم؟ قال: اعترفت بأنني "عرفاتي" أثناء التحقيق الأولي الذي كان يجريه معي أحد المحققين، ولكن بعد قليل جاء محقق جديد، لأن الأول كان مشغولا بقضية أخرى، وبدأ يعذبني، طالبا مني الاعتراف بأنني من "جماعة أبو عمار" فاعترفت ووقعت على الاعتراف الثاني. طلبنا منه أن يروي لنا كيف أصبح من "جماعة أبو عمار"، قال الرجل: والله يا شباب، أنا راعي ماعز، وبعد انقراضه بسبب الحرب، كان أبو عمار، الكلب ابن الكلب، عنده فرن ويبحث عن عمال، فاشتغلت لمدة شهر، وعندما تركت أكل علي أجرة أسبوعين. هذه كل معرفتي بأبو عمار، والله والإمام علي يا شباب هذه هي كل القصة، ولكن المحقق السوري لم يصدقني.
قد تبدو القصة بعيدة عن موضوع "الفيزا" ولكن نظام الأسد قد جعل كل السوريين واللبنانيين من جماعة عرفات أو من جماعة أبو عمار، وتبعه في ذلك فرعه اللبناني المتمثل في حزب الله..
٣-
قالت لي القاضية الكندية في محكمة اللجوء: قلت إنك كنت تعيش وتعمل في بيروت، وهذا يعني أن معك إقامة دائمة هناك، وكان المعنى أنها يمكنها إعادتي إلي لبنان حسب المواثيق الدولية. قلت لها: السوري ليس بحاجة للإقامة الدائمة في لبنان، لأنه من النادر أن يبقى في لبنان أكثر من ثلاثة شهر. قالت ولكنك تدرس وتعمل وعندك دار نشر، فكيف يمكنني أن أقتنع أنك لا تملك إقامة دائمة؟
طلبت المترجمة، وهي محامية لبنانية سابقا، الإذن لشرح هذه النقطة، فسمحت لها القاضية، فكررت المحامية ما تعرفه عن قوانين لبنان فيما يخص الأجانب، ولكنها أضافت ان وضع السوري في لبنان ووضع اللبناني في سوريا غير خاضع لهذه القوانين، لان الأسرة الواحدة يمكن أن يكون نصفها سوريا ونصفها لبناني، لذلك لا يمكن تغعيل هذه القوانين إلا عندما تريد حكومة أحد البلدين الكيد للأخرى أو الضغط عليها.

وما لم يكن من الممكن قوله في المحكمة عام ٨٩ يمكن قوله الآن: إن الأسر الموجود نصفها في لبنان قررت استضافة نصفها السوري، ولكن المشكلة أن الزيارة طالت، عن طاقة وقدرة الأسرة اللبنانية على الاستضافة، ولكن الحكومة اللبنانية لا تقول للبنانيين إن بشار الأسد ونظامه، وحسن نصر الله وحزبه الذي يقتل السوريين في سوريا، هم سبب إطالة فترة الضيافة السورية في لبنان فتم تفعيل قصة "الفيزا" كي يوهموا الشعب اللبناني الطيب إنهم يدافعون عنه ضد التسونامي السوري الذي يموت كل ثانية، ولكي لا يعترفوا، كحكومة، إنهم ينفذون أوامر بشار الأسد وأوامر حسن نصر الله، ولكننا نعرف الآن، وسنقول في التحقيق الذي يجريه رجال المخابرات السورية في لبنان الآن: نعم، نحن عرفاتيون ومن جماعة "أبو عمار"، أي أننا سوريون ومن جماعة استقلال وسيادة لبنان، وسنوقع على هذا الاعتراف، أكان هناك فيزا للعبور أو فيزا للموت..

(142)    هل أعجبتك المقالة (141)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي