أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حوار "اللحشات" الحمراء في موسكو.. علي عيد*

الساحة الحمراء وسط موسكو، صورة حديثة - وكالات

ليس هناك حلّ سياسي في موسكو بحساب المنطق، فآمال الخروج بنتائج من الاجتماع الذي قرّر الروس عقده نهاية كانون الثاني -يناير شبه معدومةٍ وبلا مرتكزات إيجابيّة سوى التوافق الروسي -التركي شكلاً لا مضموناً، إثر قمة أنقرة بين زعيمي البلدين، أمّا في العمق فإن الطرفين لن يكونا يوماً حليفين استراتيجيين إلا على أنقاض قوىً إقليمية ودوليّة، وهذا مستبعد لأن اقتراب موسكو من أنقرة هو في إحدى تجليّاته ردٌّ على اقتراب واشنطن من طهران.

استخدم الروس "الفيتو" ضد قرارات تدين نظام الأسد أربع مرّات، ومرّروا له السلاح، فما الذي استجدّ سوى أنهم غارقون في مستنقع صراعات يهدّدُ بحرب باردة طويلة، سيّما وأن شروط هذه الحرب من قوّة وعدم ثقة وتضارب مصالح متوفرة أكثر من أيّ وقتٍ مضى.

ليست إيران في وارد تسهيل اتفاق بين النظام والمعارضة حتى ولو رغب الروس أو كانت أمنية الأسد الخروج من البلاد بصفقة مع أيّ طرف، فطهران لم تحصل -كما تعتقد- على ما تريد من مفاوضات ٥ + 1، وهي التي توسّع دائرة النار في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين وصولاً إلى اليمن، بهدف التفاوض واللعب بأكثر من ملف، مع امتلاك القدرة على خلط الأوراق.

إذن ما الذي سيجري في موسكو؟. يمكن تلخيص الإجابة بعبارة "طبخة بحص" لكن حتى هذه الصفة تبدو أقل تعبيرا عمّا يحصل، إذا علمنا أن روسيا تأمل رعاية "حوار" بمقتضى وثائق اتفاق "جنيڤ" بين طرفي "الصراع" وهي غير قادرة على ضبط قواعد اللقاء، فالنظام خرج بإعلان الموافقة على المشاركة في "مشاورات"، والمعارضة تريد "مفاوضات"، وبين الاصطلاحات الثلاثة فرق كبير ومؤثر، ومن ناحية أخرى فإن قائمة المدعوّين لا تضمّ أحد الفاعلين على الأرض، ويبدو الأمر كما يصفه البعض مناسبة للقاء غالبية من ذوي "اللحشات الحمراء" من جهة المعارضة، في إشارة لقائمة المدعوّين من "المعارضة"، ولعل الرّاعي ذهب أكثر من ذلك بإضافة وجوه العشائر بينهم نواف الملحم، الذي شكّل في حضن النظام حزباً لا يعرفه -ربما- سوى خمسة أشخاص اجتمعوا في صورة نشرت قبل أيام داخل قاعة تصدّرتها جدارية لبشار الأسد قيل إنها من اجتماعات معارضة الداخل، ما استدعى مراقبين للقول إن موسكو دعت شخصيّات وتيارات وأحزابا لا مشكلة لها مع النظام، أي أن مشكلتها مع المعارضة، في دلالة على عملية خلطٍ متعمدٍّ مقصودة.

لن تتغيّر الظروف على الأرض حتى وإن فرض الروس معارضة وهميّة، ومهما كانت نتائج اللقاء، فمجمل الحاضرين ليس لهم وزن بمن فيهم رأس وفد النظام وليد المعلم، وربّما كان من الأجدى مواجهة شخصيات عسكرية وأمنيّة من النظام مع قادة في الجيش الحر لأن زمن السياسة في الشأن السوري الداخليّ لم يحن لسببين، الأول ضعف الإنجاز العسكري وصعوبة كسر التوازن، والثاني تداخل المحلّي بالإقليمي بالدولي في تحريك القوى المتصارعة، فأي تقدّم سياسي بين طرفين يفترض وجود قوّة عسكريّة واحدة لكل طرف.

في السياسة هناك ما هو محسوب دائماً، ومن غير المنطق أن تنهي الولايات المتحدة هذا العام على قرارٍ بتوسيع العقوبات ضدّ الروس، وأن تتعمق الهوّة بإقرار البرلمان الأوكراني الانضمام إلى حلف "ناتو"، وأن يستمر انهيار الروبل مع انخفاض سعر النفط، فيما تذهب روسيا لتخميد الصراعات وبينها ما يجري في سوريا، حيث مطلب الروس أن تنخرط الولايات المتحدة أكثر في هذا الصراع.

أزعم أن الأتراك غير منخدعين بالمبادرة الروسية، وهم يلعبون السياسة كغيرهم، علماً أن تصريحات خارجيّتهم بدت واضحة باعتبار الائتلاف هو الممثل الشرعي في أية مفاوضات، وهو ما يعني أن أنقرة تدعم المبادرة من باب "التمرير"، لكنّ الملفت هو أن يأتي توقيت الدعوة الروسيّة مع تسريبات عن مبادرة مصريّة، أو مصريةّ -أردنيّة، وهي إن صحّت فستكون بالتنسيق مع السعوديّة، وكذلك بعد جهود المبعوث الدولي "ستيفان ديمستورا"، وإذا كانت خطّة الأخير غير مكتملة العناصر ولا توحي بحلٍّ منظور، يبقى أن نفهم أن هناك تقاطع مصالح يقضي بإطلاق النار على مبادرة القاهرة المدعومة عربياً، أو وقف تداولها وتجميدها لكونها لا تستجيب لتقاطع المصالح، أو لأنّ تشكيل رافعة عربية مع بروز مصالحات إقليميّة كما حصل بين القاهرة والدوحة بمبادرة سعوديّة يتعارض مع القوّة الفعلية لأطراف إقليميّةٍ على الأرض، إذ تترسخ يوماً بعد يوم قدرة أطراف عربية على التأثير في مجريات الأمور جنوب سوريا، بينما يبقى أمر الشمال بيد الأتراك، وفي الوسط والغرب هناك إيران، وهذا التقسيم في تبعيّة القوى المتصارعة على الأرض يلخّص صورة الوضع السياسي، واشتراطات نجاح أيّة مبادرة.

ليس من المبالغ فيه القول إن فكرة التقسيم تتعزّز مع طول أمد الأزمة، وليس من تفسير أفضل من تشخيص الواقع للوصل إلى نتيجة مفادها أن لا مبادرات ولا معارضات سياسية ولا نظام بقادرة على إنهاء الصراع.. وحتى الدّعوة إلى توحّد الفصائل هي محاولة يائسة وغير مجدية، خصوصاً وأن الأمريكيين يمحورون نشاطهم حول "بعبع" تنظيم "داعش"، مع أن الأخير أمّن لهم تطبيقاً ناجحاً لنقض نظريّة "حماية الأنابيب" التي وضعها "كيسنجر" وبدا من الضرورة رفعها وقلبها رأساً على عقب مع الدخول في طور إنتاج "الزيت الصخري" ... لولا أن أسعار النفط غدرت بأسعار "كوكا كولا".
خلاصة القول هي إن لقاء موسكو يشبه حفل استقبال وفرصة جيّدة لجمع أكبر عددٍ من أصحاب "اللحشات" الحمراء في مناسبة واحدة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(185)    هل أعجبتك المقالة (167)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي