في مثل هذه الأيام من العام الماضي 2013م دفعت الأقدار بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام إلى واجهة الأحداث وصدارة الإهتمام العالمي عبر ملفات عديدة كان من أبرزها على الصعيد السوري ملف الطبيب الشهيد حسين السليمان " أبو ريان" الذي أعدمه التنظيم في آخر ساعات العام 2013م.
مرة أخرى يصبح تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام حديث الساعة في آخر ساعات العام 2014م وبملفات أكبر وأعقد ربما كان آخرها ملف الطيار الأردني الأسير معاذ الكساسبة.
في المقابل يبدو المشهد مغايراً تماماً على ضفة النهر الأخرى – فتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام إكتفى ببث صور أولية للطيار الأردني الأسير ثم ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه للتحليلات والتخمينات بل والشائعات أيضاً . في الايام الماضية رتبت كل ما إستمعت إليه أو قرأته من معلومات عامة أو خاصة عن الكثير مما يدور في عدة دوائر متتالية من دوائر " النقاش والتنظير الفكري " التي لا تعكس إتجاه " القرار" في قيادة تنظيم الدولة وإنما تقدم من خلال أفكارها ونقاشاتها رسماً لخارطة شبه كلية للكيفية التي يمكن لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام التعامل بها مع ملف الطيار معاذ الكساسبة. كل ألوان هذه الخارطة تسير في إتجاه إستثمار معقد لهذا الملف وتحقيق الحد الأقصى من الأرباح والمكاسب. يعول تنظيم الدولة الإسلامية على عامل " الزمن " وعلى اللعب بـ " الأعصاب المتوترة " و" التلهف الشعبي " حول مصير الطيار الأسير معتبراً أنه أياً كانت مآلات هذا الملف فإنه " الرابح الوحيد في كل الحالات " مع تفاوت نسبة الربح بحسب طريقة اللعب . في ذات الوقت يبدو جلياً أن " أفكاراً متباعدة " بين "تيارات مختلفة " ضمن الدائرة الضيقة لتنظيم الدولة هي سبب إضافي للغموض الذي يتعامل به تنظيم الدولة الإسلامية على ملف الطيار الأردني منذ وقوعه في الأسر وإلى أجل قريب لن يتجاوز الساعات الأخيرة للعام الحالي 2014م.
تمثل رسالة الدكتور الأردني سعد الحنيطي إلى والدة الطيار الأردني وتعليق "أبو سعد العتيبي"، أحد شرعيي الدولة الإسلامية أنموذجاً لهذا الفريق فالدكتور سعد الحنيطي يقول في رسالة عبر حسابه في "تويتر"، موجهًا كلامه إلى والدة الطيارالأردني الأسير : "هل تعلمين كم أمٍّ مسلمة ثكلى بسبب ابنك؟ هل تعلمين أنه ينصر عبّاد الصليب على أهل التوحيد؟" "كل من يقاتل مع التحالف الصليبي فردّته ردّة مغلظة". أما "أبو سعد العتيبي"، أحد شرعيي الدولة الإسلامية فيُعَلِقُ على موضوع الطيار بالقول :" إن عقوبته أن "يقتل بسبعين سكين بأيدي أسود الدولة وأولياء القتلى ويقطع سبعين قطعة جزاءً وفاقاً " على حدّ قوله. في حقيقة الأمر يبدو هذا التيار حتى هذه اللحظة التيار الأوفر حظاً في حسم الخلاف لصالحه وهو سيزيح – دون أن يشعر – هماً ثقيلاً عن كاهل الدولة الأردنية إن تمكن من تمرير رأيه والتسريع في تنفيذه.
يتمسك تيار آخر – ذو مساحة مقبولة في التأثير في تنظيم الدولة – بضرورة التعامل بطريقة مختلفة و" مبتكرة " مع هذا الملف . فالتفاوض بحد ذاته مع دولة عضو في التحالف الدولي مكسب سياسي وإعلامي كبير لتنظيم الدولة في رأي هؤلاء وهم في سبيل التقارب مع الفريق الأول يقترحون طريقة " غير تقليدية" في التعامل مع الملف عبر تقسيم الثمن المطلوب إلى ثلاثة أثمان في وقت واحد وليس ثمناً واحداً.
أحمد الدقامسة جندي أردني خدم في حراسة الحدود الأردنية . في 12 مارس 1997م أطلق الجندي أحمد الدقامسة النار على مجموعة فتيات إسرائيليات بسبب استهزائهن به أثناء صلاته قرب الباقورة وحكم عليه بالسجن المؤبد . في العام 2008م ناشدت سبعون شخصية أردنية الملك عبد الله الثاني العفو عنه وفي عام 2011م وصف وزير العدل حسين المجالي الجندي " الدقامسة " بـ " البطل " الذي " لايستحق السجن اصلاً " . يعتقد المتبنون لهذا الطرح داخل تنظيم الدولة أن مجرد طرح ملف الجندي الدقامسة أمام الرأي العام سيجذب للتنظيم تعاطفاً شعبياً كبيراً ويبني إنطباعاً حالماً في أذهان الناس حول " دولة الخلافة " التي تسير في طريقها لـ " تحرير فلسطين وإستعادة المقدسات " وهم يصرون أن تنظيم الدولة سيقطف ثمرة هذا الطرح بغض النظر عن "إستجابة الدولة الأردنية له أو عدم إستجابتها ". في مرحلة لاحقة سيطرح تنظيم الدولة الإسلامية قائمة مطالب تتضمن الإفراج عن عدد من أنصاره المعتقلين ودفع ديّات لذوي ضحايا عمليات التحالف كثمن ثالث وأخير ... يذهب هذا الفريق في مرونة رؤيته المقترحة أمام التأصيل الشرعي للقضية والتي يتشبث بها الفريق الأول إلى حد الموافقة على " تفاوض من أجل تخفيف العقوبة عن الطيار الأردني وليس إلغاءها " معتبراً أن سلوك الطريقة المقترحة لن يلغي فكرة " المحاكمة والتنفيذ " والتي ستبقى " مطروحة وجاهزة " تطل برأسها في أي محطة من محطات هذه القضية مع الفرق الواضح في حساب المكاسب و الأرباح.
عندما يطغى صوت طيران التحالف الدولي على صوت النقاش يطوي كلا الفريقين أوراقهما ويمتشقان السلاح إستعداداً للقادم .. قد يكون القادم "مغامرة عسكرية محتملة" تُخَلِّصُ كلا الطرفين من خياراتهما المعقدة والصعبة وتطوي الملف برمته لكنها لن تخلص شمس الأيام القادمة من رائحة الدم الذي إلتصق بحياتنا جميعاً ولن تطوي صفحة الألم الذي يسكننا أينما رحلنا وحللنا.
د. محمد شادي كسكين - كاتب وباحث سوري - خاص لــ"زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية