أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"الانغماسيون" السوريون في أوروبا.. علي عيد*

ابنتي سألت: ما معنى القائد الخالد. فأجابتها المعلمّة بأنه "حيّ إلى الأبد"..!

بما أنّ عقد الاتفاق الشفهي مع "زمان الوصل" لم يقيّدني بمضمون ما أكتب، قلّبت في رأسي هذا الأسبوع كلّ القضايا التي تتداخل مع الشأن السوري، فوجدتني تائهاً بين انهيار الروبل جرّاء فائض النفط العالمي، وتحطيب أهلنا ما تبقى من زيتون المعضميّة ولوز إدلب ليطردوا برد الشتاء عن الأطفال.

كل فرضيات المؤامرة حضرت بدءاً من الإبقاء على الأسد، مروراً بتقسيم البلاد وإغراقها المتعمّد بمبادرات أردنية، مصرية، روسية، إيرانية، دوليّة.

وعلى وقع المصالحة بين الدوحة والقاهرة عقب براءة مبارك، والغزل بين طهران وواشنطن، وفوز السبسي في تونس، وتصريحات زهران علوش التي وضع فيها الديمقراطية تحت قدمه، كان المشهد بالنسبة لي كقول الشاعر "فما يدري خراشٌ ما يصيدُ".

ولأن الحديث في السياسة أصبح مثل ضرب الودع والتنجيم وقراءة الكفّ، ووسط عالم اشتبكت قواه الكبرى في معركة كسر عظمٍ، السوريون هم أبرز ضحاياها، ولأن "شرر" النووي الإيراني قدح من درعا حسب "الرادود" الشيعي "العطار"، وصار الصراع فالقاً مذهبياً، وصل إلى قيام دولة الخلافة، قررت أن أشغلكم بواقع السوريين، وحياتهم الجديدة وثقافتهم في أوروبا، وهي الخطر القادم، والذي يهدد قوى الظلام في شرقنا المريض.

دفعني لهذا الموضع خبر عبر أصدقاء يقول إن 25 شاباً من حوران فقط تزوّجوا من شقراوات السويد، وانغمسوا بشكل مذهل، لدرجة أن اليوتيوب نقل صوراً لهؤلاء الشباب يقيمون الدبكة بمشاركة السويديات.

يعيش السوري حالة الاندماج "القسريّ" في مجتمعات الغرب، وهو اندماج يبعث على الاستهجان بمقارنته مع ما كان يعيشه في بلاده، فمنذ نحو 4 سنوات وصل إلى أوروبا أكثر من 123 ألف لاجئ -حسب إحصاءات الأمم المتحدة- نصفهم في السويد، قاطعين مسافات طويلة حيث ابتلع البحر منهم الكثير، ويبدو هؤلاء أوفر حظّاً من أربعة ملايين سوريّ يعيشون ظروفاً مأساويّةً في مخيمات دول الجوار.

يحاول السوريون اليوم إثبات ملامحهم في مجتمعات تحكمها قوانين صارمة، إذ لم يكن وصولهم إلى المدن الباردة نوعاً من الترف، وليس من السهل أن يتجاوز كبار السنّ بينهم محنة المذابح التي خبروها، ووجع فقدهم الأهل والأرض.

عشرات الآلاف من الأطفال والشباب خسرتهم سوريا واعتبرتهم الدول الأوروبية ثروة تعوّضها عن تراجع عدد سكانها، حتى ولو عاد نصفهم وهي حالة طبيعية في مسار الهجرة واحتمالاتها.

الشاب السوري الذي وصل إلى كوبنهاغن، واستوكهولم، وبرلين، وباريس، وجنيف، وغيرها سيكون جزءا من هذه المجتمعات، سيتزوج، ويحب، ويعمل، ويدرس، ولن يجد نفسه مضطرّاً لمراجعة شعبة التجنيد ليقطف العسكر من ربيع عمره أجمل السنوات.

هؤلاء الأطفال والشباب لن يكونوا مضطرين لدخول منظمات طلائع البعث، وشبيبة الثورة، لن يعرفوا معنى مفارز المخابرات الجوية، والعسكرية، والسياسية، وأمن الدولة، لن يكون الوطن عبئاً على مشاعرهم وأفكارهم، ولن يقفوا في طوابير الذلّ كأشباه البشر، سيحصلون على التعليم والطبابة المجانية وسيقف موظف البلدية لهم باحترام وهم يراجعونه لاستخراج أيّة وثيقة.

خلال عقود حكم البعث الخمسة كانت حصّة السوريّ من الاطلاع على تجارب العالم المتحضّر وأسلوب حياته هزيلة لدرجة أن الكثيرين صدموا بزيارة العاصمة الأردنيّة عمّان، وهي التي كانت مجرّد قرية صغيرة بالمقارنة مع دمشق في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

لعل من مفارقات هذا الزمن القاسي أن يضطر السوريّ لوصول سقف العالم هارباً من أحد احتمالين، القتل على يد النظام أو التنظيمات المتطرفة، أو الانضمام لأحدهما.

تتسابق الحكومات الأوروبية لدمج اللاجئين في المجتمع وسوق العمل دون أن تفرض عليهم أداء تحيّة العلم، والغناء للأب القائد، والحزب الذي أخرج البلاد من الجهل.

عام 2011 وقبل أن أخرج من سورياً قهراً، تعرضت ابنتي، وكانت في الصف الثالث الابتدائي، للضرب لأنها وجهت سؤالاً لمعلمتها قالت فيه: ما معنى القائد الخالد. فأجابتها المعلمّة بأنه "حيّ إلى الأبد"، فسألتها: آنسة، كيف يكون حيّاً وهو ميّت؟.

في ذلك اليوم كان عليّ أواجه معنى الهزيمة أمام شكوى ابنتي التي سألتني قبل أيام: لماذا يقدّمون لنا الهدايا في عيدهم ونحن لاجئون؟.

قلت وأنا أشعر بذات الهزيمة إن السبب هو عدم وجود أب خالد بين هؤلاء البشر..

موجوعون، نحن السوريين، بوطننا وجلٌ المأمول أن يعود أطفالنا المهاجرون حاملين ثقافة المجتمعات المتحضّرة ليخلّصوا تلك الأرض من استعباد التاريخ ومكر البشر.

*من كتاب "زمان الوصل"
(168)    هل أعجبتك المقالة (165)

علي علي

2014-12-25

سيعود هؤلاء باذن الله مدمني حشيش ومخدرات وحاملي فيروس نقص المناعة المكتسبة . هل تعلم بان نصف الشباب السوري اللاجئ في هولندا اصبح حشاش والحمد لله..


سوري

2015-01-01

هذه رومانسية مفرطة ومبالغة إيجابية ياليتها تكون في محلها... لقد نسي الكاتب الحديث عن أهم الأشياء، فالإنسان الخارج من محنة بحاجة لإعادة تأهيل لكي يعود إلى المجتمع... السوريون اليوم في أوربا منكفؤون على أنفسهم بسب حاحجز اللغة واختلاف المجتمع وضيق ذات اليد والعيش في جيتو اللجوء مع أقرانهم ضمن مجتمع سوري مصغر....


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي