زوجتي الافتراضية الخامسة، قررت أن تمارس إيمانها المسيحي أثناء الصيام الذي يسبق ولادة السيد المسيح، لذلك بدأت بالذهاب إلى الكنسية كل يوم أحد.
ترتدي أجمل ما عندها من ثياب، وتذهب إلى الكوافير كل يوم سبت، وتستشير صديقاتها في أفضل أنواع العطور التي تناسب الإيمان، وعندما أسألها لماذا كل هذه الزينة، تقول إن "الله جميل ويحب الجمال". وأتذكر أن الجمال مسألة نسبية تتبدل معاييره حسب الزمان والمكان والثقافة والأعمار، فمثلا المرأة السورية التي تعيش في الغرب، مفهومها للجمال يختلف عن المرأة السورية التي تعيش هذه الأيام في مدينة الرقة السورية، أو الموصل العراقية تحت قوانين "داعش"، كما أنه يختلف عن مفهومه عند المرأة التي تعيش في مناطق سيطرة ميليشيات "آل الأسد"، حيث ينام "الأخ" مطمئنا لعودة أخته وحيدة إلى البيت حتى لو كانت الساعة الثالثة صباحا. وأتذكر أيضا أن الثياب ليست فقط لستر العورة أو فضحها، فهي تعكس ثقافة المجتمع ومدى تشدده أو تسامحه، مدى غناه أو فقره، كما أن الثياب تعكس إلى حد ما الشروط الطبيعية والمناخية من مكان إلى آخر، لكل ذلك لا أستطيع الاتفاق مع زوجتي الافتراضية على مقولتها "إن الله يحب الجمال" وإن كنت أميل إلى الاتفاق معها حول المقدمة التي تقول: "إن الله جميل"، ولكن المصيبة الكبرى هي في حملة صورة الله على ألسنتهم من رجال الدين في كل الأديان، فكيف لأحدهم أن يقنع السوريين أن المفتي الشيخ أحمد حسون يمكنه أن يقنع الناس بجمال "الله"، وهو الذي يبرر لنظام القتل الأسدي جرائمه اليومية، أو للمواطن السوري الآخر الذي يسمع للمطران لوقا الخوري نائب الكرسي البطريركي للروم الأرثوذكس كيف أن الله "الجميل" هو الذي ينصر ابن الأسد على الشعب السوري، ويساعده على قتلهم! وهل صورة الله هي نفسها في عقل القتيل والقاتل، أو في عقل المرأة التي يغتصبها أحد مرتزقة الأسد، وفي عقل مغتصبها؟ وهل صورة الله هي نفسها عند من يقطع رؤوس السوريين من رجال الأسد ورجال داعش؟ أسئلة كثيرة تزاحمت في عقلي وأنا أفكر بما قالته زوجتي.
الأحد الماضي، يعني قبل يومين، عادت زوجتي من صلاة الأحد، عابسة، القلق يبدو واضحا على وجهها الجميل، رغم الخمسين عاما التي مرت عليه، فسألتها: هل من مصاب ألم بك وأنت في بيت الله؟ قالت: الحقيقة أن حادثة وقعت أثناء "القداس" قد عكرت على المؤمنين صفاءهم الروحي، وأظن أنك تعرف، أن لم تكن قد نسيت، أن على المؤمنين، أثناء سماعهم للقداس، القيام والجلوس عدة مرات، وقد انتبه البعض أن هناك عجوزا تجلس في أحد المقاعد لا تتحرك مع حركة الناس قياما وقعودا، فلمست جارتها كتفها لتنبيهها، وإذ بالعجوز تسقط على المقعد، حدثت "شوشرة" وتوقف الكاهن عن الصلاة وتجمع المؤمنون حول المرأة قبل أن تصل سيارة الإسعاف، بعد أقل من عشر دقائق، وتنقل العجوز إلى المشفى، لقد كان الله رحيما بها.
ولم أستطع منع عقلي من طرح الأسئلة على زوجتي، ومن حسن الحظ أنها كانت زوجة افتراضية، وإلا لكانت طلقتني، فالعقل "المؤمن" يجد صعوبة في ممارسة الديمقراطية وتقبل نتائجها حتى في النقاش، ألم تسمعوا الزعيم الثائر "زهران علوش" يقول في شريطه المسجل، إن الديمقراطية "تحت قدميه" !!، قلت لزوجتى، تعقيبا على قولها "لقد كان الله ريحما بالعجوز ووصلت سيارة الإسعاف سريعا": ماذا لو أن الطائرات الكندية، المشاركة في حملة التحالف ضد الدولة الإسلامية "داعش"، قد قصفت، بالخطأ وهي في طريقها إلى سوريا أو العراق، سيارة الإسعاف، كما يحدث في سوريا الأسد، ألم يكن موت العجوز محققا، ولن تنفعها رحمة الله في هذه الحالة؟ قالت زوجتى، وقد نسيت أنها كندية، ويجب أن تتحلى بالديمقراطية، حوارا ومارسة: إنك واحد زنديق و"تبصق بالصحن الذي تأكل منه"، فكيف تشبه الطائرات الكندية بالطائرات السورية، وسيارات الإسعاف الكندية بسيارات "ثواركم" الإسعافية، إلا تخجل من التلميح والتشكيك بالدور النبيل والإنساني الذي تقوم به الطائرات الكندية ضمن حملة التحالف الدولي ضد دولة "التخلف والظلام"؟
مارست كل أنواع ضبط النفس قبل الرد على زوجتي، فأنا أعرف، مثل النظام السوري، أن الرد المباشر على هذا الاعتداء المباشر سيكون وبالا علي، فالقانون الكندي مع المرأة ظالمة كانت أو مظلومة، كما هو موقف الحكومة الكندية مع إسرائيل، لذلك آثرت التفكير، لعلّي أختار الوقت والزمان المناسبين للرد، فأنا رغم وجودي في كندا منذ ٢٥ سنة، لا إنني تربية الأسد مثل كل السوريين، وأفضل التروي والعقلانية عندما يتعلق الأمر بمشاكلي مع العالم الخارجي، أما لو أنني كنت أعيش في سوريا فإنني كنت أعرف جيدا ماذا سأفعل بوجهها الجميل، كما كان يفعل نظام الأسدين مع المعارضة والشعب السوري.
وجاء الوقت المناسب للرد، عندما قالت لي إن كاهن الكنيسة قد قال لها إن كنيسته قد تساعدها في إحضار أحد أخوتها وعائلته إلى كندا مقابل أن يودع كل شخص منهم عشرة آلاف دولار في حساب الكنيسة لمدة عام كنوع من الضمان، كي لا يطلبوا المساعدة الاجتماعية من الدولة قبل سنة. ولما كان عدد أفراد أسرة أخيها ستة أفراد، فهم سيكونون بحاجة لدفع ستين ألف دولار، وأعتذر عن مساعدتها دون تخقيق هذا الشرط.. سألتها: هل استطاع الكاهن هنا أن يعكس مقولتك الشهير "إن الله جميل ويحب الجمال"؟، وهل تعرفين أن كلفة مشاركة الطائرات الكندية في الحرب على داعش هي بملايين الدولارات، ولو أن الحكومة الكندية وغيرها من البلدان الغربية دفعت هذه الأموال في المكان الصحيح لما كنا رأينا داعش، ولما كان السوريون بحاجة للبحث عن مكان للجوء؟ ولننسَ المال الكندي المهدور، هل تعرفين أن كندا هي الدولة الوجيدة بين ٥٠ التي رفضت العمل بلصاقات تمديد جوازات سفر السوريين الذين انتهت صلاحية جوازات سفرهم، وهل تعرفين أن كندا التي قررت منذ أكثر من سنتين أن تستقبل ١٣٠٠ لاجئ سوري لم تستقبل حتى الآن إلا حوالي ٧٠٠ منهم، وربما، كما قال راعي الكنيسة، لم يجدوا بين ملايين السوريين من تتوفر فيه الشروط "الإنسانية" اللازمة للجوء؟ فأين هي رحمة الله يا عزيزتي؟ ثم عليك وعلى غيرك أن تعرفوا أن النقد لا يعني "البصق في الصحن الذي نأكل منه" بل هدفه هو تصحيح الأخطاء، عبر المشاركة الفعلية في الانتخابات واختيار الحكومات الجيدة التي تلبي حاجات المواطنين، وإلا سيكون معنى "البصاق" الذي تفضلتي بالإشارة إليه مثل تماما ما يفعله رجال الدين وخاصة المطران لوقا الخوري وأمثاله، من مديحهم لقاتل الأطفال السوريين بشار الأسد.
أخيرا هل تعرفين أن نهاية هذا الصيام ستكون في ولادة السيد المسيح ووضعه في المزود، الطفل الذي حاول هيرودس اليهودي قتله، فقتل، كما فعل بشار الأسد تماما، مئات الأطفال الذين كانوا في بيت لحم السورية، كي يمنع المسيح من تأسيس مملكة الحرية والكرامة الإنسانية، أليس هذا ما يفعله رجال الدين المسيحي الآن بصمتهم وتأييدهم لابن الأسد؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية