ربّما كانت الحركة اللّونيّة المشهودة على الساحة السّورية في زمن الثورة هي المَعْلمُ الأكثر وضوحاً و بروزاً للمراقبين و المحلّلين على امتداد العالم .
و إنّ ما هو أكثر جذباً للأنظار هو هذا التداخل العجيب في جغرافيا الألوان و الذي يصل في كثيرٍ من الأوقات إلى درجة التخادم .
و أقصد بالألوان ألوان الرّايات التي ينضوي تحتها المقاتلون على اختلاف انتماءاتهم و توجّهاتهم.
و إنما أريد من الألوان اللّونَين الأصفر و الأسود و هما اللّونان الدّخيلان على العلَمين المتنافسين منذ بداية الثّورة السّورية ( علم الثورة و علم النّظام السّوريّ ) .
فلقد كان لدخول حزب الله إلى سوريا و وقوفه إلى جانب النظام السّوريّ في قمعه الحرّيّات و خوضه المعارك القاسية و الفاصلة على الأرض السّوريّة ، أثرَه السّلبيَّ الذي يعدو سلبيّةَ الإجرام ، و هو خَلقُ الصّدمة عند التيّار السّنيّ في سوريا .
ممّا دفع الأخيرَ إلى البحث عن مكافئٍ قتاليٍّ جهاديّ يوقف المدَّ الأصفر على تراب الوطن .
و كان هذا واحداً من الأسباب التي ساعدت في صناعة التّوجّه الدّاعشيَ في فكر أبناء الطّائفة السّنيّة . كما و دفع أبناء الطّائفة ممّن هم من الدّول الإسلاميّة الأخرى للالتحاق بأرض الجهاد ( على أنّ الشّامَ هي أرضُ الملاحم ) .
و لن تجد لا في العسكرة و لا في السياسة ردَّ فعلٍ يخلو من العبثيّة و العشوائيّة ، و هذان كفيلان بالاختراقات الأمنيّة التي تقوّض التنظيم و تجعله مسيّساً من حيث لا يرغب الكثير من أفراده .
و للمُمعِن في تركيبة تنظيم الدولة أن يرى التفاوت الطّبقيَّ داخلَ التنظيم ، بين القيادة و القاعدة و بين الشرعيّين و الأمراء و الأفراد ، ولربّما كانت طبقة الأمراء هي أكثرُ الطبقات اختراقاً في التنظيم إذْ إنّ في هذه الطبقة كما يُقال الكثير من قيادات الجيش العراقيّ السابق و من الشيعة حصراً .
و لذلك فلا بدّ أن يقع التخادم بين الأصفر و الأسود على الساحة السّوريّة .
فبعد سيطرة داعش على حقل شاعر للغاز في ريف حمص الشرقيّ، يفاجَأ الناس بإعلان الانسحاب، و حتّى لا يكون هناك فاصلٌ زمنيٌّ يسمح للحاضنة الشعبيّة بنفي الصّمت ، يتمّ تسليم الفرقة 17 و بسهولة لم تكن معهودةً من قبل ، و هي التي صمدت أمام الحصار لما يزيد على /6 / أشهر ، حين كانت حركة أحرار الشّام الإسلاميّة هي القوّة المحاصِرة .
و مثلها كان تسليم مطار الطبقة العسكريّ و الذي أعقب إعلان تنظيم الدولة الإنسحاب الكامل من ريف حمص الشمالي ، و هي المنطقة التي لا يريد النظام لغيره أن يسيطر عليها و ذلك لقربها من القرى و البلدات التي يسكنها العلويّون هناك.
و أخيراً و ليس آخراً عمليّة المقايضة التي تجري اليوم بين الأصفر و الأسود، و التي كان جزؤها الأوّل هو دخول داعش على خطّ المعركة القائمة و التي طرفها الأول هو جبهة النصرة و الثّاني مدينتا ( نُبُّل و الزهراء ) الشّيعيّتان .
و اللتان يتولّى حزب الله اللبناني مهمة الدفاع عنهما .
فقد ساهم دخول داعش على خطّ المعركة في إفشالها و تراجع جبهة النصرة عن جبهتي نبّل و الزهراء ، مقابل تسليم مطار دير الزّور العسكريّ و الذي ما تزال العمليّة فيه جارية .
إنّ هذا التّخادم بين اللّونين الأصفر و الأسود ، إنّما هو مؤشّرٌ على نوايا التقسيم التي يضمرها المجتمع الدوليّ المتفرّج ، و تُعلنها الحركة اللّونيّة للرّايات في مناطق الاحتكاك و الاشتباك .
و لربّما حمل إلينا القادمُ ما هو أكثر ، في ظلّ تنفّذ هذين اللّونَين على السّاحة السوريّة.
*كاتب في الأدب و السياسة
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية