أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المواجهة القادمة بين اليمين المتطرف "الإسلامي" واليمين المتطرف "الأوروبي"

قد نصدم أن الفكر "اليمين المتطرف الإسلامي"، دعم لوجستيا وبشريا من شباب أوربا

بعد الغزو الأمريكي للعراق، انتشرت في شوارع سوريا برعاية مخابراتية مدروسة بعناية دعوات للجهاد في أرض العراق لمحاربة "الغزاة الصليبيين". 

كان يمكن لأي إنسان يسير في شوارع دمشق أن يرى ما عرف بـ"بباصات الجهاد" التي تنقل الشباب الذين يتم شحنهم في الجوامع من دمشق إلى العراق على مرأى ومسمع أجهزة النظام السوري.

لكن الجهاديين الذين كانوا يعملون تحت إشراف نظام الأسد، يهزون اليوم أركانه ويفتتونها ببطء، السحر انقلب على الساحر إذاً.

هذا المشهد يتكرر في أوروبا بطريقة عجيبة، لكن الهجرة اليوم هجرة معاكسة.. جهاديون عنيفون دمويون ولدوا وترعرعوا في الغرب يتدفقون إلى أراضي الجهاد في سوريا والعراق، يبدو أننا سنكون سذجا إذا صدقنا أن أجهزة المخابرات الأوروبية لا تعلم بهم وبحركاتهم، سيما أن هذه الأجهزة هي التي أسست ودربت أجهزة القمع العربية على أساليبها، وهي اليوم تحصي أنفاس الناس على شبكات الهواتف المحمولة وشبكات الإنترنت... وقد تجد الدول الأوروبية نفسها ذات يوم أمام ذات المشهد الذي زعزع وفتت نظام الأسد "فجناح فراشة يرف في سوريا والعراق سيكون إعصارا في أوربا" هكذا يقول علم "الفوضى الخلاقة"، وهو بالمناسبة ليس مجرد نظرية أمريكية طرحتها كونداليزا رايس بل هو علم قائم بذاته يسمى (علم الفوضى/كايوس) وتعتمد عليه حضارة القرن 21 في كافة المجالات العلمية والتكنولوجية والاجتماعية.

قد يقول أحدهم هذه المعادلة لا تنطبق على الغرب كون الشباب الغربي تربى على مبادئ الحرية والإنسانية والديمقراطية، أما في سوريا والعراق، فقد كانتا ترزحان لعقود طويلة تحت وطأة أجهزة استبدادية، لكن هذا الرأي ينسفه تدفق الجهاديين الأوربيين، وعلى القائلين بهذه الحجة أن يتوجهوا بسؤال بسيط للحكومات الأوربية قائلين: ألا يخجل الغرب من أن الشباب الذي يشكل الجيل الثاني للمهاجرين، والذي ولدوا وترعرعوا في الغرب المتحضر على أفكار الحرية والإنسانية؛ أن يحملوا كل هذا التطرف والحقد والنزوع للذبح والقتل؟... أمام المشهد الداعشي تسقط كل تلك الأفكار.

*من ألمانيا
في فبراير/شباط 2012، أعلن جهاز الأمن الألماني وفق تقرير نشره موقع "دويتشه فيله" إن "نحو عشرين متطرفا يقيم في ألمانيا سافروا إلى باكستان ليلتحق بتنظيم القاعدة، حيث يتم تدريبهم هناك" مضيفا أن هنالك الكثير الجهاديين، يتواجدون في المساجد في ألمانيا ويبلغ عددهم نحو 3800 شخص بحسب المكتب الاتحادي لحماية الدستور، بينهم دعاة، يرفضون الاندماج في المجتمعات الأوروبية.

هذا التقرير الخطير كان قبل نحو ثلاث أعوام، اليوم أصبحت أوروبا بكاملها ساحة لتصدير المتطرفيين إلى الشرق الملعون.

هذا المشهد ليس جديدا، ففي أواخر العام 2010 عقد وزير الداخلية الاتحادي توماس دو ميزيير اجتماعا في بون مع مجموعة من الأئمة المسلمين، هو الأول من نوعه، وفيه حذر المسؤول الألماني "من الميول المتشددة داخل المساجد" قائلا بأن "وجود نهج متشدد في بعض المساجد يتحمل رجال الدين المسلمين جزءا من المسؤولية عنه"، فماذا كانت النتيجة؟ أظن بأن المشهد في سوريا والعراق كفيل بالإجابة.

ما نجده في ألمانيا يمكن أن يعمم على باقي أوروبا وهو ما أظهرته الكثير من الأبحاث والدراسات التي تطرقت للتطرف المتنامي في الغرب.

قد نصدم حقا أن الفكر الداعشي الذي يمكن أن نطلق عليه تسمية "اليمين المتطرف الإسلامي"، دعم لوجستيا وبشريا من شبان تم إعدادهم في أوروبا، وهؤلاء باتوا يشكلون العمود الفقري في التنظيم الذي يسعى جاهدا للتمدد إلى أوربا، وقد بدأ التهديد الحقيقي يدق حقيقة أبواب هذه القارة "العجوز"..

*شهادة على التلفزيون السويدي
يدخلون إلى المراقص ويبدؤون بالحديث مع الشاب وتقديم النصح له بأن هذا الطريق الذي يسلكه خطأ وهناك طريق آخر يوصله إلى الجنة. ثم يدعونه إلى زيارة أحد الجوامع وبعد مقابلات عدة يرتبون لقاءات له مع مجموعة شباب آخرين في أمكنة مختلفة من المدينة.. تستغرب السيدة من السرعة التي يغسلون فيها أدمغة الشباب، وبحسب تجربتها فإن الأمر لا يأخذ أكثر من أشهر قليلة يصبح الشخص المنتمي إليهم مختلفاً. "يبدأ بالحديث عن الحرام والحلال ثم سرعان ما يذهب أبعد فيكفر من كان يصاحبهم من شباب منطقته ويدعو إلى الجهاد ومناصرة المسلمين في العراق وسورية".

الشهادة السابقة هي مقابلة أعدها التلفزيون السويدي مع إحدى قريبات شاب ذهب للجهاد ضمن برنامج تلفزيوني سويدي يناقش "كيف يكسب داعش مسلمي أوروبا".(راجع صحيفة الحياة عدد 18 سبتمبر 2014).

في تقرير نشرته في صحيفة "العربي الجديد 23 نوفمبر 2014" جاء أنه: تبين للباحثين، أن منابت الشبان الملتحقين بهذه الجماعات متنوعة، وليست على سوية اقتصادية أو اجتماعية أو علمية واحدة. مع ذلك، غلب المصدر الجنائي على عديدٍ منهم (حسب تقرير الصحيفة). فلدى بعضهم نشرة شرطية حافلة خصوصاً بتهريب المخدرات وتجارتها، كما الاعتداءات المسلحة أو الدعارة ومشاربها المتنوعة، رجالاً ونساءً. مع ذلك، تجد منهم تقنيين بارزين في مجالاتهم، كما أدوات التواصل والهندسة، أو حتى الإدارة المالية، ما يُفسّر "الإنجازات" الإعلامية المتكررة، والتي تعتمد على "جاذبية" رائحة الموت وطعم الدماء ومشهد الجثث. وأضحى مدمنو ألعاب الفيديو العنيفة من أهم مستهلكي مشاهد القتل الداعشية وملحقاتها.

النتائج السابقة تؤكد فشل الدول الأوروبية في إعادة تأهيل المجرمين أو أصحاب الميول الإجرامية وهو ما يفسر حالات الذبح التي باتت تبرز المتطرفين الأوربيين ... وتؤكد فشل سياسات الاندماج في المجتمعات الأوروبية، وهو أمر يتطلب تفكيرا جديدا بإعادة صياغتها من جديد، وخططا جديدة مدروسة بعناية في ضوء التطورات الجديدة.

الأكثر غرابة حقيقة هي التكاثر الفطري للمتطرفين الأوروبيين منذ بدء التحالف الدولي مهامه في سوريا والعراق، وهو ما أكدته أحدث الإحصائيات مقارنة مع السابقة، هل كان ينقص بلادنا المفجوعة من طغاتها المجرمين أن يصدروا لنا كل تلك الآلاف من طغاتها القتلة..؟ 

على الدول الأوربية أن تنتبه من أن تصاعد الفكر الداعشي "اليمن المتطرف الإسلامي" سيؤدي بنتائج كارثية لصالح تصاعد "اليمن المتطرف الأوروبي" وهو ما نجده جليا اليوم بعد الانتخابات الأخيرة التي شهدها البرلمان الأوربي، هذا الأمر سيؤدي مع تصاعد خطر "الدواعش الأوروبيين" إلى مزيد من تقوقع الناس حول يمينهم المتطرف كردة فعل طبيعية على الخطر القادم، وهنا سيجد "اليمين المتطرف الأوروبي" نفسه في صدام مرير ومؤلم ودموي مع "اليمن المتطرف الإسلامي"، وهذا لن يكون في صالح الوحدة الأوروبية، إذ إنها قد تجد نفسها ذات تاريخ، قد يكون شبحه قريبا، مهددة من الداخل بفصل جديد من فصول العنف والدم الذي قد يفتت أوروبا ويعيدها إلى زمن القبائل.

جورج كدر - زمان الوصل - خاص
(143)    هل أعجبتك المقالة (140)

أحمد الشامي

2014-12-22

يداك أوكتا وفوك نفخ...طباخ السم يجب أن يذوقه.


أحمد الشامي

2014-12-22

يداك أوكتا وفوك نفخ...طباخ السم يجب أن يذوقه.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي