أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أوقفوا العبث بمصير الوطن.. محمد صبرا*

لوحة لــتمام عزام

عندما تتداعى جدران المنزل ويتساقط سقفه، ويكون أهل البيت مشغولين بالصراع على ترتيب الكراسي في غرفة الجلوس، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو السؤال المشروع، هل يدرك هؤلاء أن بيتهم سيسقط على رؤوسهم جميعاً، فإذا كانوا جميعا عاجزين عن إدراك هذا فإن مقتضى الأمر يقول إنهم منفصلون عن الواقع أو أنهم يعبثون بمصيرهم ومصير بيتهم. للأسف هذه الحالة تنطبق بشكل كامل وكلي على ما يحدث في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، فأعضاؤه يعلمون أن كل شيء ينهار من حولهم، وأن الوطن بكامله بات على حافة الضياع منا كسوريين، ومع ذلك فإنهم لا يرون غير ترتيب كراسي جلوسهم، وهم يخوضون معركة الكراسي هذه بكل ما يملكونه من أدوات. إن هذا العبث الذي نراه الآن لا يقف تأثيره عند حدود الائتلاف بل يمتد ليشمل كامل القضية الوطنية السورية، والتي للتذكير هي قضية شعب ثار من أجل كرامته الانسانية، ومن أجل حريته وحقه في الحياة، ومن أجل إنهاء حكم الفساد والاستبداد والمحسوبية والواسطة، هذه البنية التي ثار ضدها الشعب والتي ضحى من أجل زوالها بمئات ألوف الشهداء.

يجب أن نواجه الحقيقة الصعبة اليوم، وقبل فوات الآوان، إن ما يحدث في الائتلاف من عبث يجب وقفه وبشكل فوري، ولا يمكن وقف هذا العبث من دون طرد أكثر من نصف عدد أعضاء الائتلاف، وهم أعضاء غير مؤهلين، معروفون من الجميع، وقد جاء بهم بعض النافذين في الائتلاف ليكونوا مطبلين ومزمرين لهم، وليكونوا مجرد كتل تصويتية، هؤلاء تتغير ولاءاتهم واتجاه تصويتهم مع هذه الكتلة أو تلك لمجرد نيلهم بعض الامتيازات التافهة، كراتب شهري يبلغ ألفي دولار، أو لمجرد وضع اسمهم في وفد يزور إحدى الدول، أصوات هؤلاء الأعضاء غير المؤهلين سياسياً وغير القادرين على أن يقوموا بأي عمل ذي جدوى هي التي تمنع الائتلاف من أن يقدم أي شيء، لقد بلغ العبث حداً لا يمكن وصفه، وللاستشهاد على عدم أهلية هؤلاء في قيادة الحركة الوطنية، الاتفاق الذي وقع بين كتل الائتلاف، يكفي قراءة مقدمة هذا الاتفاق لنعرف أي نوعية تقود العمل الوطني السوري وتمثل الثورة السورية. لقد ورد بالحرف في مقدمة هذا الاتفاق: "نحن الموقعين أدناه، ممثلي كتل الائتلاف الوطني ...... نقر ونصرح بكامل الأهلية القانونية المعتبرة شرعاً وقانوناً بأننا قد  توافقنا ...." ما هذا ...؟! هل يمكن تخيل أن تظهر مثل هذه التعابير على ألسنة ممثلين سياسيين لكتل سياسية، فهذه التعابير نستخدمها كمحامين في بداية عقود البيع والإيجار، بهدف حماية طرفي العقد من إخفاء أحدهما لعارض من عوارض الأهلية، لكن أن يقول ممثلون سياسيون مثل هذا الكلام في اتفاق سياسي فهو فضيحة مبكية، لأنه يكشف مستواهم السياسي، ويكشف مدى أهليتهم لقيادة الحركة الوطنية. للأسف كنا نراهن دائماً على العقلاء والحكماء في الائتلاف، وعددهم كبير، لكن هذا الرهان سقط بمرور الزمن، بسبب انسياق هؤلاء الحكماء وراء المعايير التصويتية للنصف الآخر غير المؤهل، والذي يمكن تغيير ولاءاته ببعض الفتات. هؤلاء الحكماء وبدلاً من رفع مستوى أداء باقي الأعضاء، انخفض مستوى أدائهم، وتمثلوا سلوك الآخرين، حتى بات من يحضر اجتماعات الائتلاف يكاد لا يميز المفكر والأستاذ الجامعي والسياسي المخضرم والصحافي البارز عن بائعي المفرق وأصحاب الأعمال البسيطة والتعليم المتوسط الذين قادتهم الصدف المحضة ليكونوا أعضاء في الائتلاف، فكلهم يتحدث بالمنطق نفسه وبالسوية ذاتها.

هذا العبث السياسي والإداري يشمل كل مؤسسات الائتلاف من وحدة تنسيق الدعم, إلى الحكومة المؤقتة التي لا تملك من مقوماتها غير رغبة رئيسها بلقب "دولة الرئيس"، والتي يعمل كل وزير فيها بحسب نظام إداري خاص به. هذه الحكومة تدعي أنها قادرة على إدارة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، على الرغم من أنها عاجزة عن إدارة نفسها وموظفيها، وقد بلغ العبث بهذه الحكومة في قضية جوازات السفر حداً لا يصدق، إذ قامت ببعض الاجراءات التي تدل على أنها لا تميز القانون العام والقانون الخاص عن الإدارة العامة وإدارة السوبرماركت.

إن جميع القوى السياسية والوطنية وجميع المعارضين المستقلين وجميع الهيئات المعارضة ملزمة الآن بالتدخل العاجل لوضع حد لمثل هذه العبث حماية للائتلاف، وهنا يجب أن نميز بين الائتلاف كعنوان ومظلة، وأعضاء الائتلاف، فالائتلاف يجب أن يبقى لكن يجب أن يتم طرد هؤلاء العابثين وغير المؤهلين من صفوفه، والذين يبلغ تعدادهم حوالي نصف عدد أعضاء الائتلاف على الأقل. إنني أناشد جميع القوى السياسية بأن تجتمع وتتخذ قراراً وطنياً وجريئاً يتم الإعلان فيه عن طرد جميع الأعضاء المسيئين وغير المؤهلين من الائتلاف، وإعادة بنائه وهيكلته، بحيث يكون تحالفاً سياسياً حقيقياً بين قوى سياسية، وليصبح قادراً على انتاج السياسة ومواكبة المتغيرات. إن الجميع بلا استثناء معني بهذا الأمر، ولا يجب أن يقف ما يسمى بالنظام الأساسي للائتلاف حائلاً دون تحقيق هذا الأمر، لأن النظام الأساسي تحول إلى مجرد لعبة بين الكتل تفسره اللجنة القانونية بحسب هوى الكتلة التي تريد.

عندما تتعرض دولة لخطر وجودي يهدد كيانها ووحدة أراضيها فإنها تعلق الدستور وتفرض حالة الطوارئ، ونحن الآن في خضم خطر وجودي يهدد الجميع، ولا بد من تعليق النظام الاساسي للائتلاف، واتخاذ قرار تشارك فيه جميع القوى السياسية من خلال مؤتمر وطني جامع يضع حداً للعبث الذي يعصف بالائتلاف، ويعيد الأمور إلى نصابها.

لقد كانت محكمة النقض السورية تصف أحكام القضاة، التي يعتريها خطأ مهني جسيم، قائلة: إن هذا الحكم لا يصدر إلا عن جهل فاضح بالقانون أو عن ساهٍ أو لاهٍ أو عابثٍ أو متعمدٍ. وللأسف فإن هذه الأنواع الخمسة من البشر: الجاهل والساهي واللاهي والعابث والمتعمد، تشكل نصف عدد أعضاء الائتلاف، ولا يمكن للائتلاف أن ينهض من كبوته قبل التخلص منهم.

*الرئيس التنفيذي لحزب الجمهورية
(186)    هل أعجبتك المقالة (173)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي